تقدر بمئات مليارات الدولارات.. سباق صيني أميركي إلى معادن القمر
في الوقت الذي وضعت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق، قبل سنوات مجموعة مشتركة من القواعد في الأمم المتحدة، لتنظيم الاستكشفات في الفضاء، والتعاون لتطوير هذا القطاع الحيوي، تتسابق الدول الرائدة في مجال الفضاء الآن، منفردة، لتحقيق هيمنتها على المعادن الموجودة في القمر.
ويبرز التنافس الأميركي الصيني، على وجه الخصوص في هذا المجال، حيث تحاول بكين الظفر بمكانة خاصة في قطاع استكشاف المعادن في جوف القمر، بعيدا عن دول العالم الأخرى.
وبعد أن قلبت الحرب الروسية في أوكرانيا الوضع الجيوسياسي العالمي، قال الرئيس الأميركي جو بايدن "سيكون هناك نظام عالمي جديد هناك، وعلينا أن نقوده".
وبحسب وكالة بلومبيرغ فإن هذا التحدي بعيدٌ كل البعد عن الأرض، حيث أن مسرحه سيكون القمر، دون شك.
يذكر أن الولايات المتحدة الأميركية كانت السباقة في الوصول إلى القمر.
ففي 20 يوليو 1969، أصبح رائد الفضاء الأميركي الراحل نيل أرمسترونغ أول من تطأ قدمه سطح القمر من بني البشر.
يحتفل العالم في مثل هذا اليوم العشرين من يوليو، بوصول الإنسان إلى القمر في 1969، في وقت أصبحت هناك منافسة بين الشركات الخاصة على إرسال مركباتها المأهولة إلى الفضاء سواء من أجل الاستكشاف أو السياحة.
معادن ثمينة بتركيز أكبر
خلال السنوات القليلة الماضية، تأكدت أكثر، فكرة أن القمر قد يحمل بباطنه معادن ثمينة، أكثر ثراءً مما كان يُعتقد سابقًا.
وباستخدام بيانات من جهاز التردد اللاسلكي المصغر (Mini-RF) على متن المركبة المدارية الاستطلاعية القمرية (LRO) التابعة لناسا، توصل فريق من الباحثين الأميركيين إلى نتيجة أن باطن القمر يحتوي على تركيز أعلى من بعض المعادن، مثل الحديد والتيتانيوم.
ويعتقد الجيولوجيون، وكذلك الشركات الناشئة، مثل Planetary Resources ومقرها الولايات المتحدة، وهي شركة رائدة في صناعة التعدين الفضائي، أن القمر وكذلك بعض الكويكبات، مليئة بخام الحديد والنيكل والمعادن النفيسة بتركيزات أعلى بكثير من تلك الموجودة على الأرض، مما يشكل سوقًا تقدر بمليارات الدولارات.
في عام 2020 حققت الصين "إنجازاً تكنولوجياً" في الفضاء بإحضارها إلى الأرض عيّنات من القمر، منجزةً أول عملية من هذا النوع منذ 40 عاماً عبر المسبار الصيني "شانغي 5" التابع لوكالة الفضاء الصينية.
كذلك، أتاحت مهمة المسبار صقل التقنيات اللازمة لإرسال رواد فضاء إلى القمر، وهو أحد أهداف بكين لسنة 2030، من ضمن أهداف تتعلق بجلب معادن القمر إلى الصين.
ومع عودة المسبار بالعينات إلى الأرض، أصبحت الصين ثالث دولة تحقق هذا الإنجاز بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي السابق في ستينات القرن العشرين وسبعيناته.
لكن بكين، وفق بلومبيرغ، ترفض الامتثال إلى قواعد وضعتها الولايات المتحدة ومجموعة من الدول الأخرى لتقنين استغلال موارد القمر.
ويُعد الافتقار إلى التعاون، والتنافس الشديد، بين الولايات المتحدة والصين في مجال استكشاف الفضاء خطرًا بشكل خاص في عصر أصبح فيه الكون أكثر ازدحامًا، ويتطلب تنسيقا متواصلا.
وتزداد مخاطر هذا التنافس في وقت أقامت كل من الولايات المتحدة والصين، حواجز اقتصادية حفاظا على الأمن القومي مع اتساع الانقسامات الأيديولوجية حول الوباء والقمع السياسي (في الصين) والآن حرب الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حليف بكين، على أوكرانيا، الحليفة للغرب.
تقرير بلومبيرغ قال إن "عدم قدرة" واشنطن وبكين على التعاون في الفضاء لا يهدد بحدوث سباق تسلح متجدد فحسب، بل يمكن أن يحدث صدامات حول استخراج موارد تقدر بمئات المليارات من الدولارات على القمر.
وقال مالكولم ديفيس، المسؤول السابق في وزارة الدفاع الأسترالية والذي يبحث الآن في سياسة الفضاء في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي في كانبيرا: "إن اهتمامنا في الغرب يتعلق أكثر بمن يضع قواعد الطريق، وخاصة الوصول إلى الموارد".
وقال إن الخطر الأكبر يكمن في إمكانية أن تطالب الصين بأراض على سطح القمر، بها موارد معدنية، بنفس الطريقة التي طالبت بها ببحر الصين الجنوبي بأكمله.
ومثلما ألقت بكين وموسكو باللوم على التحالفات العسكرية الأميركية في أوروبا وآسيا وزعمت أنها تهدف لإذكاء التوترات في أوكرانيا وتايوان، حذرت وسائل الإعلام الصينية التي تديرها الدولة من أن الولايات المتحدة تريد الآن إقامة "ناتو فضائي".
التقرير الذي ركز على سعي الصين الانفراد بمعادن القمر، أشار إلى اتفاقيات "أرتميس" التي صاغتها الولايات المتحدة، وهي مجموعة مبادئ غير ملزمة قانونًا لتنظيم النشاط على القمر والمريخ وما وراءهما.
وهذه المبادرة، التي تقول ناسا إنها تستند إلى معاهدة الفضاء الخارجي لعام 1967، تشكل الأساس لجهود وكالة الفضاء لوضع رواد فضاء على سطح القمر وبدء عمليات التنقيب عن معادن قمرية.
ووافقت 19 دولة حتى الآن على هذه الاتفاقات، بما في ذلك أربع دول، هي رومانيا وكولومبيا والبحرين وسنغافورة، وقعت عليها، بعد غزو بوتين لأوكرانيا.
وأوكرانيا عضو من بين الأوائل في "نادي أرتميس"، حيث وقعت حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي على تلك المبادئ في أواخر عام 2020.
وفي خطاب ألقته في 18 أبريل في قاعدة فاندنبرغ للقوة الفضائية، شمال غرب لوس أنجلوس، قالت نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس: "بينما نمضي قدمًا نحو الاستكشافات، سنظل مركزين على كتابة قواعد جديدة لضمان إجراء جميع الأنشطة الفضائية بطريقة مسؤولة وسلمية ومستدامة" ثم تابعت "الولايات المتحدة ملتزمة بقيادة الطريق كونها القدوة".
في المقابل، تقود الصين وروسيا معارضة لهذه الاتفاقات، وتعهدتا بتعاون فضائي أكبر في أوائل فبراير كجزء من شراكة "بلا حدود" عندما زار بوتين الرئيس شي جين بينغ في بكين قبل وقت قصير من بدء الحرب.
ويروج هذا الثنائي بشكل مشترك لمشروع بديل على القمر يقولون إنه مفتوح لجميع البلدان الأخرى.
وتتمثل إحدى المشكلات الرئيسية التي تواجهها الصين في اتفاقيات أرتميس في بند يسمح للدول بتعيين مناطق على القمر كـ "مناطق أمان" وهي مناطق على سطح القمر يجب على الآخرين تجنبها.
وبالنسبة للأميركيين وشركائهم في هذه الاتفاقات، فإن المناطق الحصرية هي وسيلة للامتثال للالتزامات بموجب معاهدة الفضاء الخارجي، والتي تتطلب من الدول تجنب "التدخل الضار" في الفضاء.
ومع ذلك، بالنسبة للصين، فإن مناطق الأمان تلك، عبارة عن عمليات استيلاء مقننة، وهي بمنظورها انتهاك للقانون الدولي.
وتريد بكين تسوية أي قواعد في الأمم المتحدة تحد من طموحها، حيث يمكنها الاعتماد على دعم مجموعة أكبر من الدول المتلهفة لإقامة علاقات ودية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وأعلنت صحيفة "تشاينا ديلي" الرسمية في مقال افتتاحي في يناير الماضي، انتقدت ما وصفته "ابتكار" وكالة ناسا لمفهوم "مناطق الأمان" الذي يسمح للحكومات أو الشركات بحجز مناطق على القمر، وهي إشارة وفق الوكالة لصراع جديد سيطبع السباق نحو معادن القمر، خلال السنوات المقبلة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news