مصريون يُبدون ارتياحهم لإلغاء مولد الحاخام أبوحصيرة
ألغت محكمة القضاء الإداري في مصر، أول من أمس، الاحتفالات السنوية بمولد الحاخام اليهودي أبوحصيرة، الذي كان يقام حول ضريحه بـ«دوميتو» التابعة لمدينة دمنهور بمحافظة البحيرة، كما ألغت قراراً لوزير الثقافة المصري السابق فاروق حسني بـ«أثرية الضريح»، ورفضت طلباً إسرائيلياً بنقل رفات أبوحصيرة الى «القدس المحتلة»، مؤكدة أن تعاليم الإسلام السمحة تمنع نبش القبور من جهة، كما أن طلب إسرائيل لا يتسم بالشرعية، كونها دولة احتلال وتسعى إلى شرعية زائفة على أرض فلسطين العربية، وفيما رحبت أوساط مصرية وقوى سياسية بحكم المحكمة، حذرت جهات من استغلال إسرائيل السلبية للحكم، وإطلاق حملة تشهير ضد مصر بحجة «معاداة السامية».
وتفصيلاً، أصدرت محكمة القضاء الإداري بالإسكندرية، الدائرة الأولى ــ البحيرة، أول من أمس، برئاسة المستشار د.عبدالوهاب خفاجي، حكماً بإلغاء الاحتفالات السنوية النهائية لمولد الحاخام اليهودي أبوحصيرة، التي كانت تنظم حول ضريحه المقام وسط مقابر يهودية ببلدة «دوميتو» بدمنهور، ويشارك فيها يهود من كل أنحاء العالم بما في ذلك إسرائيل، وذلك لـ«مخالفتها للنظام العام والآداب وتعارضها مع وقار الشعائر الدينية»، كما قرر الحكم إلزام وزير الآثار بـ«شطب الضريح من سجل الآثار المصرية»، وإبلاغ منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة بذلك، على أن يكون الابلاغ مشفوعاً بترجمة رسمية معتمدة للحكم، و«رفض نقل رفات الحاخام اليهودي أبوحصيرة الى القدس».
وقد وضع الحكم نهاية حاسمة لمشكلة سياسية سنوية، إذ كانت تشهد مصر تظاهرات سنوية، نظراً لأن قوى سياسية شعبية كانت تعتبره محاولة صهيونية للتستر وراء ذكرى رجل دين، لعمل استعراض صهيوني عالمي، ونوع من الوجود الإسرائيلي على أرض مصر، ما اضطر السلطات إلى إلغاء الاحتفالات بشكل مؤقت، في بعض السنوات، كما أنه وضع نهاية لجدل قانوني استمر أكثر من 13 سنة، بعد أن رفع محامي أبوحصيرة الشهير مصطفى رسلان نيابة عن أهالي «دوميتو» دعوى سابقة بإلغائه، وبعد أن حصل عام 2004 على حكم بهذا الإلغاء طعنت الحكومة وقتها عليه، ورفضت محكمة القضاء الإداري الطعن، لكن الحكومة المصرية وقتها لم تنفذ، فرفع أهالي المنطقة دعوى جديدة، الأمر الذي دفع رسلان أمس، إلى أن يتقدم بشكوى للنائب العام ونقابة المحامين، ويدلي بتصريحات لمختلف الوسائل الإعلامية يؤكد فيها أن «دعواه سرقت، وأنه ما كان يجب للمحكمة أن تنظر دعوى سبق البت فيها».
وقال الحكم الذي أصدرته محكمة الإسكندرية، أمس، في حيثياته، إن «اعتبار ضريح الحاخام أبوحصيرة من الآثار الاسلامية والقبطية خطأ تاريخي جسيم، يمس كيان الشعب المصري، وإن الثوابت العلمية والدراسات التاريخية والاثرية تثبت ان اليهود لم يكن لهم تأثير يذكر في حضارة الفراعنة». وتابعت حيثيات الحكم القول، إن «طلب اسرائيل لليونيسكو نقل الرفات للقدس أحادي الجانب، يعكس أطماع إسرائيل لإضفاء شرعية على فكرة يهودية الدولة بوجود الضريح على أرض فلسطين العربية، والقدس أرض محتلة لا تصح عليها تصرفات الدولة الغاصبة طبقاً للقانون الدولي، واتفاقية جنيف الرابعة». وتابعت الحيثيات أن «قرار وزيرالثقافة السابق (فاروق حسني) في يناير 2001 باعتبار ضريح اليهودي أبوحصيرة والمقابر المحيطة حوله أثراً معدوم، وينطوي على خطأ تاريخي جسيم يمس الشعب المصري».
وفي حين رحبت وزارة الآثار المصرية بالحكم، قال مدير عام إدارة الآثار اليهودية بوزارة الآثار الدكتور محمد مهران، إن «مزار الحاخام اليهودي أبوحصيرة» في البحيرة غير مندرج ضمن قائمة الآثار المصرية، ولا أعلم كيفية صدور حكم قضائي حوله كونه ليس من الآثار». وتابع مهران أن «إسرائيل حاولت من خلال الأمم المتحدة ومنظمة (اليونيسكو) الحصول على رفات الحاخام اليهودي، إلا أن مصر موقفها ثابت، وترفض أي طلب إسرائيلي للحصول على الرفات».
في الإطار ذاته، شكك الباحث الأثري جمال عبدالحميد في أسطورة أبوحصيرة، مؤكداً أنها «مبنية على التزييف». وقال عبدالحميد لـ«الإمارات اليوم»، إن «أبوحصيرة لم يكن حاخاماً، ولا شخصية متميزة، وإنما كان مجرد إسكافي قادم من المغرب، يحمل حصيرة وهي كل ما يملك، وإن كل انجازاته تتمثل في إقناع حاكم البحيرة ببناء مقابر لليهود في المنطقة التي يسكنون بها، بدلاً من الذهاب الى الإسكندرية، لكن تضخيم الأمر تم لأسباب سياسية». يذكر أن أبوحصيرة هو كنية ليهودي مغربي يدعى يعقوب، ينتمي إلى عائلة يهودية اسمها عائلة الباز، عاش في القرن التاسع عشر، هاجر إلى مصر ونسب له يهود، طبقاً لروايات مختلفة، قيامه بخوارق، من ضمنها أنه اثناء سفره من المغرب إلى القدس غرقت سفينته في البحر، فتعلق بحصيرته التي ذهبت به إلى سورية، ثم فلسطين ومصر، حتى دفن بها عام 1880، ونصب له مقام في قرية «دميتو» بالبحيرة.
على الصعيد الشعبي، استقبل معظم أهالي البحيرة حكم إلغاء الاحتفالات بارتياح كبير، نظراً لرفض قطاع واسع من الأهالي إقامتها في السنوات الماضية، وأظهر مواطنون ابتهاجهم بالحكم لوسائل الإعلام، فيما قامت نساء بإطلاق الزغاريد. كما استقبلته قوى سياسية مختلفة بالمحافظة بالترحاب، فقد أصدرت أحزاب التجمع والدستور بيانات مؤيدة له، فيما أكد الحزب الناصري بالبحيرة أن «الحكم تتويج لجهود كل طوائف الشعب باختلاف تياراتها واتجاهاتها، بعدما طالبوا بوقف اﻻعتداء على العادات والتقاليد، إذ إن شعب البحيرة يقبل التعدد لكنه في الوقت نفسه يرفض التعدد المصنوع».
وكانت وسائل إعلام عربية وغربية، من بينها محطة «بي بي سي العربية» قد رصدت في سنوات ماضية ضيق الأهالي بالاحتفالات اليهودية حول الضريح «واختلاط المحتفلين الرجال والنساء واحتسائهم الخمر».
من جهته، قال الباحث في الشؤون الإسرائيلية بمركز الأهرام، سعيد عكاشة، في حوار مع «قناة العربية ــ الحدث» أمس، إن الحكم قد يؤثر في صورة مصر خارجياً، ويمكن استخدامه من قبل اليهود ضد مصر، واتهامها بمعاداة السامية، كما تم استخدامه سياسياً خلال العقود السابقة، مضيفاً أن «ضريح أبوحصيرة ليس ملكاً لإسرائيل أو اليهود، وإنما هو جزء من التراث المصري». وتابع عكاشة في لهجة تبدو ناقدة لإلغاء المولد «نحن المسلمون نمارس شعائرنا الدينية بحرية، فلماذا نقيدها على الآخرين، إسرائيل ستستغل إلغاء احتفالات مولد أبوحصيرة للإساءة لمصر في المحافل الدولية، ما يعني تكوين رأي عام أوروبي وأميركي سلبي تجاهنا».
نقل الرفات يرسخ يهودية الدولة
قالت حيثيات الحكم إنه مما لا ريب فيه أن تقديم طلب نقل رفات الحاخام اليهودي أبوحصيرة من مصر إلى القدس لمنظمة الـ«يونيسكو»، هو إجراء أحادي الجانب، وتجاهل للسلطات المصرية الرسمية المختصة، وهو ما يعد التفافاً على التزامات إسرائيل الدولية، واستخداماً منها لمنظمة دولية لنقل رفات رجل يهودي، لتكريس مفهوم يهودية الدولة على أرض فلسطين التاريخية، الأمر الذي تفطن فيه المحكمة إلى الغرض غير المشروع للاستجابة لطلب نقل الرفات إلى القدس.
القدس عربية
أضافت حيثيات المحكمة في ذلك أنه في ضوء ما تقدم من نصوص للمعاهدات السالفة، وما صدر عن أجهزة منظمة الأمم المتحدة يبدو جلياً، أن القدس هي أرض فلسطين، وأن سلطة إسرائيل عليها هي سلطة احتلال، ويكون القصد من طلب الجانب الإسرائيلي لمنظمة الـ«يونيسكو» لنقل رفات رجل دين يهودي لتهويد القدس العربية، وإضفاء شرعية دولية على أن القدس عاصمة إسرائيل، وهي في الحق والعدل، وطبقاً لقواعد القانون الدولي ــ على نحو ما سلف ــ عاصمة فلسطين، ومما لا مرية فيه أن مثل هذه المستوطنات تنال من حق الدولة الفلسطينية المستقبلية في السيادة والاستقلال، وحق شعبها الأصيل مثله مثل كل الشعوب في تقرير مصيره، وبهذه المثابة فإن الأرض ــ القدس ــ محل الطلب الإسرائيلي المبدى لمنظمة الـ«يونيسكو»، لنقل رفات الحاخام اليهودي إليها هي أرض مغتصبة من سلطة الاحتلال الإسرائيلي، والأرض المحتلة لا ترد عليها تصرفات الدولة الغاصبة ولا تدخل فى سيادتها ولا يكسبها ذلك حقاً مهما طال الزمان، ولا يجوز ــ والحال كذلك ــ نقل الرفات.