الباحثة السورية لينا سنجاب: سورية تعيش أحلك لحظاتها حالياً
طوال 10 سنوات، منذ خروج أعداد كبيرة من السوريين في تظاهرات مطالبة بالحرية، أملاً في ظروف حياتية أفضل، انزلقت البلاد إلى هاوية صراع داخلي مسلح متعدد الجوانب، وبات النزاع معقداً، خصوصاً مع تدخل أطراف دولية إلى جانب جماعات مسلحة وتنظيمات متشددة.
وفي ظل تلك الظروف تظل مطالب السوريين، التي نادوا بها في 2011، تائهة وسط ذلك الصخب من النزاعات.
وتقول الباحثة والصحافية السورية، لينا سنجاب، في تقرير نشره المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني «تشاتام هاوس»، إنه عندما كتب الباحث والصحافي البريطاني، آلان جورج، كتابه الذي حمل عنوان «سورية: لا خبز ولا حرية»، في عام 2003 بعد وفاة الرئيس السابق حافظ الأسد، لم يكن بوسعه أن يعرف أن هذا العنوان سيلخص تماماً الوضع في سورية اليوم، فبعد 10 سنوات من بدء الانتفاضة، أصبح الوضع في سورية أسوأ من أي وقت مضى، بينما لا يعيره العالم أي اهتمام.
وتضيف أن السوريين يعانون للحصول على حصصهم من الخبز، فقد أصدرت الحكومة بطاقات ذكية تسمح للمواطنين بشراء الخبز والوقود بأسعار مدعّمة، ويمكن للشخص أن ينتظر في طابور لمدة ثماني ساعات في المتوسط للحصول على حصة الخبز اليومية ونحو 48 ساعة لملء السيارة بالوقود.
وتقول: «عندما زرتُ دمشق التي تسيطر عليها الحكومة، في أواخر عام 2020، كانت الجملة التي سمعتها مراراً هي: هذا أسوأ عام واجهناه منذ بدء الانتفاضة»، وتشتكي الطبقة الوسطى التي تشهد تراجعاً، من أنه «خلال القصف لم نشعر بالإذلال للحصول على الطعام»، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تركت الحرب ما يقرب من 90% من السكان تحت خط الفقر.
ومنذ عام 2011، انهارت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، حيث يعادل الدولار الواحد ما يصل إلى 4000 ليرة في السوق السوداء اليوم، مقارنة بـ50 ليرة عام 2011، ما يعني أن متوسط راتب الموظف الحكومي السوري يكفي لشراء كيلوغرام واحد فقط من اللحم.
خفض النفقات
وفي حين أن معظم السوريين حاولوا خفض نفقاتهم عن طريق شراء الضروريات فقط، فإنه حتى الأساسيات أصبحت بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين.
وبالطبع، يحدث كل هذا على خلفية جائحة فيروس «كورونا»، وصحيح أن تلك الجائحة أثرت في الاقتصادات في أنحاء العالم، إلا أنها في سورية جعلت الوضع يتحول من سيئ إلى كارثي.
وتضيف سنجاب أنه في دمشق نادراً ما يرتدي أحد كمامة واقية، وهذا نتاج مزيج من إرهاق الحرب والشعور بالعجز، ويكافح الأشخاص للحصول على ما يكفي من طعام للبقاء على قيد الحياة، من دون الاهتمام كثيراً بالفيروس، وأصبحت شائعة مشاهد الأشخاص الذين يبحثون عما يتم الاستغناء عنه في أسواق الخضار، أو يبحثون في صناديق القمامة عن شيء يمكن أن يسد رمقهم.
وتقول سنجاب إن كل شيء ثار عليه السوريون عام 2011 أصبح أسوأ بكثير، فالاقتصاد في حالة انهيار و«تحول حكم الحزب الواحد إلى حكم على غرار المافيا، مع العديد من الفصائل المختلفة، وفي الماضي كان الأشخاص يقولون إن لكل سوري مسؤول أمن يتولى حمايته، لكنّ الآن لكل سوري أيضاً شخصاً يسرق خبزه وكرامته وحياته».
وتوضح أنه «حتى الموالون للنظام الذين يتجرأون على الشكوى من الأوضاع الجارية، يتم عقابهم والزج بهم في السجن»، وأشارت إلى أنه خلال الأسابيع القليلة الماضية، تم اعتقال 150 شخصاً على الأقل من الموالين.
حكم حطام سورية
وتقول الحكومة السورية إنها انتصرت في الحرب، ويتفق معها بعض المراقبين الخارجيين، وهو أمر من الصعب تصوره في رأي سنجاب، التي تصف «انتصار» الرئيس بشار الأسد بأنه «ليس أكثر من كون النظام يحكم حطام سورية».
وتشير سنجاب إلى أنه بينما تقول الحكومة السورية إنها ترغب في استعادة السيادة على البلاد، فالواقع أن سورية بلد منقسم، حيث يتم تقاسم النفوذ فيه بين النظام والولايات المتحدة، وروسيا وإيران وتركيا، وكذلك الجماعات الكردية والإسلامية، وكل طرف من تلك الأطراف يسيطر على جزء من البلاد، ومن ثم يتحكم في مصير السوريين الذين لا رأي لهم في حاضرهم أو مستقبلهم.
وتقول إن «النظام الذي يعاني ضائقة مالية، ويحاول الآن انتزاع ما يستطيع الحصول عليه من مواطنيه، حتى أولئك الذين فروا من البلاد، فكل سوري يجب أن يدفع 100 دولار نقداً لدى دخوله البلاد، وأي شخص لم يخدم في الجيش أو لا يرغب في ذلك، عليه أن يدفع تعويضاً يصل إلى 7000 دولار ليتم إعفاؤه من الخدمة».
مصادرة الممتلكات
وفي الحالات التي لا يرغب السوريون بالخارج في العودة ويرفضون الدفع، أو لا يستطيعون ذلك، تصادر السلطات السورية أي ممتلكات تخص عائلاتهم داخل سورية، وأي وثائق قانونية قد يحتاجون إليها، مثل جوازات السفر، إلى أن يتم السداد، ما يضيف إلى المعاناة الهائلة بالفعل لتسعة ملايين نازح سوري في الداخل، وستة ملايين فروا ولجأوا إلى جميع أنحاء العالم.
وتقول سنجاب إنه في ظل هذه الصورة الظلامية، لا توجد بارقة ضوء في نهاية النفق، حيث لا يوجد أمل لخلاص سوري من الداخل، كما لا توجد إرادة دولية لإيجاد حل، أو حتى قوة لتنفيذ القرارات التي وافقت عليها الأمم المتحدة بالفعل.
كما أن الوضع الإقليمي قد تغير أيضاً، ويعني التقارب بين إسرائيل ودول الخليج، من بين قضايا إقليمية أخرى، أن سورية أصبحت الآن أقل أولوية بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية، مثل المملكة العربية السعودية. والعالم مشغول أيضاً بمشكلاته الخاصة، ومن المرجح أن تركز الإدارة الأميركية الجديدة، على سبيل المثال، بشكل أكبر على الشؤون الداخلية والأولويات الأخرى في الشرق الأوسط، مثل إيران.
وبينما يكافح العالم الآثار الاجتماعية والاقتصادية لفيروس «كورونا»، يستعد الرئيس، بشار الأسد، للترشح لولاية رئاسية ثالثة تبقيه في السلطة لمدة سبع سنوات أخرى.
وتختتم سنجاب تقريرها بالقول إن هناك جيلاً من الأطفال ولد خلال الحرب، بعضهم ولد في سورية والبعض الآخر في أوروبا وفي مخيمات اللاجئين، و ما لم يكن هناك التزام دولي متجدد، فإن التغيير الحقيقي في سورية قد لا يحدث وهو على قيد الحياة.
- بينما تقول الحكومة السورية إنها ترغب في استعادة السيادة على البلاد، فالواقع أن سورية بلد منقسم، حيث يتم تقاسم النفوذ فيه بين النظام والولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، وكذلك الجماعات الكردية والإسلامية، وكل طرف من تلك الأطراف يسيطر على جزء من البلاد، ومن ثم يتحكّم في مصير السوريين الذين لا رأي لهم في حاضرهم أو مستقبلهم.
- منذ عام 2011، انهارت قيمة الليرة السورية بشكل كبير، حيث يعادل الدولار الواحد ما يصل إلى 4000 ليرة في السوق السوداء اليوم، مقارنة بـ50 ليرة في عام 2011، ما يعني أن متوسط راتب الموظف الحكومي السوري يكفي لشراء كيلوغرام واحد من اللحم.
- لا يوجد أمل لخلاص سوري من الداخل، كما لا توجد إرادة دولية لإيجاد حلّ، أو حتى قوة لتنفيذ القرارات التي وافقت عليها الأمم المتحدة بالفعل.