الصراع والتغيّرات المناخية يهدّدان «سلة الخبز» في سورية
أدّى الجفاف و10 سنوات من الحرب إلى تدهور الإنتاج الزراعي، واستفحال الفقر، في منطقة كانت تُعرف سابقاً باسم «سلة الخبز» في سورية. وفي مخبز حكومي في الحسكة، عُلقت لوحة باهتة للرئيس السابق حافظ الأسد، على حائط فوق الآلات القديمة والسلاسل المعدنية المتشابكة لخط التجميع. ويعود تاريخ اللوحة إلى ما قبل الحرب بوقت طويل، عندما كانت هذه المنطقة الواقعة في شمال شرق سورية لاتزال تحت سيطرة الحكومة.
وفي الخارج، ينتظر طابور طويل من العائلات والرجال المعاقين أكياس الخبز المدعوم، الذي يباع بنحو ربع سعر السوق. والجديد في هذا المخبز، هو لون الطحين الملقى في أوعية خلط عملاقة، إذ أصبح الآن أصفر شاحباً بدلاً من الأبيض التقليدي. وقال مسؤول المخبز إن هذه تجربة جديدة بدأت قبل ثلاثة أو أربعة أشهر، لتجنّب نقص الخبز، كان على العاملين خلط الدقيق بالذرة.
وفي منطقة مزّقها تنظيم «داعش»، والنزاع المسلح، أدى الجفاف الطويل وجفاف الأنهار إلى جعل الاستقرار أكثر هشاشة. وهناك، يمكن رؤية الفكرة المجردة عادة عن تغيّر المناخ في خبز المدينة اليومي. والوصفة الجديدة غير مرحب بها تماماً. وقال خضر شعبان، 48 سنة، وهو مزارع حبوب بالقرب من بلدة الشدادي، حيث حلت التربة العارية محل معظم حقول القمح بسبب نقص المياه: «نحن نُطعم الذرة للدجاج»، متسائلاً «هل أصبحنا دجاجاً؟»
وارتبط الجفاف الذي طال أمده في المنطقة بتغير المناخ في جميع أنحاء العالم. ولكن في شمال شرق سورية، سلة الخبز التاريخية للبلاد، تضاعفت آثار هذا التغير بسبب أكثر من عقد من الحرب والاقتصاد والبنية التحتية المدمرين، وزيادة الفقر، ما ترك المجتمعات الضعيفة أكثر عرضة لخطر زعزعة الاستقرار.
جودة أقل
وفي جميع أنحاء البلاد، أفاد برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، في الصيف الماضي، بأن نحو نصف السكان ليس لديهم ما يكفي من الغذاء، وهو رقم من المتوقع أن يرتفع هذا العام. وقد ترك المزارعون العديد من حقول الأرض الخصبة دون زراعة، لأنهم غير قادرين على شراء البذور أو الأسمدة، أو اقتناء الديزل لتشغيل مضخات المياه، لتعويض انخفاض هطول الأمطار في السنوات السابقة. ويقول مزارعون ومسؤولون حكوميون ومنظمات إغاثة إن القمح الذي يزرعونه أقل جودة، ويباع بسعر أقل بكثير مما كان عليه قبل عامين.
ولاتزال هذه المنطقة شبه المستقلة، التي تحتاج بشدة إلى السيولة وعلاقات مستقرة مع دمشق، تبيع الكثير من محصولها من القمح للحكومة السورية، ما يترك القليل لسكانها. والمزارعون الذين لا يستطيعون إطعام حيواناتهم وسقيها يبيعونها بأسعار مخفضة. وقال المحلل الاستراتيجي في منظمة «إنقاذ الطفولة» في الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، مات هول: «إن مشكلة تغير المناخ مقترنة بمشكلات أخرى، لذا فالأمر لا يتعلق بشيء واحد»، متابعاً «هناك حرب، وهناك عقوبات واقتصاد مدمر؛ ولا يمكن للمنطقة أن تتحمل الركود عن طريق استيراد القمح، لأنها لم تعد تملك المال».
منذ آلاف السنين، غذّى نهر الفرات وأكبر روافده، نهر الخابور، الذي يمر عبر محافظة الحسكة، بعض أقدم المستوطنات الزراعية في العالم. ولكن هذه الأنهار تجف. وتقول وكالة الفضاء الأميركية (ناسا)، التي تدرس تغير المناخ، إن الجفاف الذي بدأ في عام 1998، هو الأسوأ الذي شهدته بعض أجزاء الشرق الأوسط، منذ 900 عام.
وفي شمال شرق البلاد، كان الجفاف حاداً، خصوصاً خلال العامين الماضيين. ولكن هطول الأمطار الأقل من المتوسط ليس سوى جزء من المشكلة. وتركيا تسيطر على إمدادات المياه في أجزاء من شمال سورية، من خلال مقاتلين بالوكالة، وتُتهم بتقليص التدفق إلى المنطقة التي يقطنها الأكراد، الذين تعتبرهم عدواً.
آثار واضحة
ومنذ أن استولت تركيا على محطة علوك لضخ المياه، وهي مصدر المياه الرئيس لمحافظة الحسكة، في عام 2019، تقول وكالات الإغاثة إن القوات الخاضعة لقيادتها أغلقت المضخات مراراً، ما عرّض نحو مليون شخص للخطر. ونفت تركيا الاتهام، وألقت باللوم في انقطاع التيار الكهربائي على مشكلات فنية ونقص الكهرباء من سد خارج سيطرتها.
ومهما كان السبب، تقول منظمة الطفولة (اليونيسف)، إن إمدادات المياه قد تعطلت 24 مرة على الأقل، منذ أواخر عام 2019. وتظهر آثار الجفاف بوضوح في مدينة الشدادي الصغيرة، على بعد 50 ميلاً جنوب الحسكة. وتحوّل نهر الخابور، الذي يتدفق عبر المدينة وكان حيوياً جداً، في العصور القديمة، إلى درجة أنه تم الإشارة إليه في الكتاب المقدس، إلى برك من المياه العكرة.
وقال عمدة بلدة الشدادي، محمد صالح، إن 70% من المزارعين في المنطقة تركوا حقولهم هذا العام، لأن زراعة المحاصيل ستكلف أكثر مما سيحصلون عليه من بيعها. ويعني انخفاض مستوى نهر الخابور، الذي يعتمد عليه المزارعون في ري حقولهم، أنه يتعين عليهم تشغيل مضخاتهم التي تعمل بالديزل لفترة أطول للحصول على الكمية نفسها من المياه. وارتفعت أسعار وقود الديزل، إلى جانب أسعار الضروريات الأخرى، بسبب الحصار الاقتصادي على المنطقة من قبل جيرانها، تركيا والجزء الذي تسيطر عليه الحكومة السورية، والعقوبات الاقتصادية الأميركية، التي تؤثر، أيضاً، على هذه المنطقة. كما ألقى صالح باللوم على تركيا، لتقليصها إمدادات المياه في محطة علوك، موضحاً «يفتحون لنا الماء مرة، ويقطعونه 10 أيام».
مستقبل مجهول
في مناطق زارتها منظمات أممية، لم يكن هناك نمو في الغطاء النباتي في ربيع وصيف عام 2021، ما يعني أن مئات الآلاف من الأغنام والأبقار والماعز والإبل تفتقر إلى المراعي للغذاء، ولن تتمكن من الوصول إلى مصادر المياه. وتكافح المجتمعات الرعوية في سورية بشكل متزايد مع تأثير تغير المناخ ومع انخفاض أسعار الماشية والظروف الجوية المتقلبة التي تؤثر في أسعار الماشية، ما يدفعهم إلى حافة الفقر.
وكما قال أحد الرعاة بالقرب من رأس العين: «إذا لم يسقط المطر فلا مستقبل». وفقد هذا الراعي 150 من أغنامه، البالغ عددها 400، في عام 2021، واضطر إلى الفرار مع أسرته من أرض رعي سابقة أخيراً، بعد قصف الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا. وهو، الآن، ينفق معظم أمواله على علف الماشية لإبقاء أغنامه على قيد الحياة، إذ لا تسمح له المجتمعات المحلية باستخدام أراضيها لرعي أغنامه.
كما يؤدي نقص الأمطار والمياه في الأنهار إلى تدهور الحالة الصحية العامة والبيئية. وعلاوة على ذلك، تم بناء السدود في نهر الخابور، في ربيع عام 2021، وواجه تدفق المياه إلى الحسكة من محطة مياه علوك عشرات الانقطاعات المتعمدة، ما أدى إلى عدم تمكن أكثر من 60 ألف شخص من الوصول إلى المياه لفترات أطول. وفي الوقت نفسه، تعمل صناعة النفط على تلويث الجداول والأنهار المحلية عن طريق إلقاء مياه الصرف الصحي الملوثة، ما يزيد من التأثير في مصادر المياه السطحية والجوفية. وعلى الرغم من الإرادة السياسية لتغيير الوضع، تفتقر السلطات المحلية إلى المعدات والموارد المالية المناسبة لإصلاح البنية التحتية النفطية سيئة الصيانة.
• تقول وكالة الفضاء الأميركية «ناسا»، التي تدرس تغيّر المناخ، إن الجفاف الذي بدأ في عام 1998، هو الأسوأ الذي شهدته بعض أجزاء الشرق الأوسط، منذ 900 عام.
• %70 من المزارعين في منطقة الشدادي الخصبة تركوا حقولهم هذا العام.