قطر أنقذت الحوثيين ومنعت القضاء عليهم
المؤكد أن ميليشيات التمرد الحوثي تحتفظ بالجميل لدولة قطر منذ حروب صعدة الست، فهي الوحيدة التي أنقذتها، بعد أن أوشكت القوات الحكومية على القضاء عليها، ليتطوّع أمير قطر السابق، وبإيعاز من إيران، كأول وسيط في موقف لم يكن مفهوماً حينها، لتسوية الصراع، بعد مقتل مؤسّسها حسين بدر الدين الحوثي، في الحرب الثالثة (يونيو 2006).
• عروق قطر حيّة في اليمن، ومتشعّبة من الحوثية إلى (الإخوان) إلى (القاعدة) وغيرها.. وهذا سيجعلها متكاملة مع إيران. • ترى الدوحة أن إنهاء الشرعية وتوليد نظام تهيمن عليه الحوثية، سيكون مركزاً أساسياً لمواجهة السعودية، وهذا الخط الثابت للسياسة القطرية يتوافق مع المشروع الإيراني، وإن اختلفت المصالح، إلا أن عزل اليمن عن السعودية، وجعله منطلقاً لتهديد أمنها، مثّل مركز التوافق القطري ـ الإيراني. • انعكاسات الأزمة وعن انعكاسات الأزمة القطرية على الملف اليمني، يضيف نجيب غلاب، «هناك احتمالان، الأول سيكون تأثيرها السلبي في الشرعية، لكنها لن تؤثر في التحالف، وقد تقود إلى تحالفات مختلفة عن الخطوط التحالفية البارزة اليوم. وهذا يمكن أن يحدث إذا استمرت قطر في تدخلها في الملف اليمني، وقد وظفته كأداة في الصراع، فعروقها حيّة في اليمن، ومتشعّبة من الحوثية إلى (الإخوان) إلى (القاعدة) وغيرها. وهذا سيجعلها متكاملة مع إيران». ويضيف «تلعب قطر في اتجاهات متناقضة، بما يؤدي إلى بعث الفتنة في الأوساط الشرعية. وهذا الاتجاه بدأت مؤشراته تتضح، من خلال الخطابات والاتجاهات التي يمثلها الجناح المتطرف وسط جماعة فبراير، والذي بدأ بتبني خطاب معاد للتحالف، ومشكك في الشرعية». والاحتمال الثاني يحمل مسارين، يتمثل الأول في أن توظف قطر الملف اليمني كأداة ضاغطة، ومجال للابتزاز والانتقام من الشرعية، وستسعى إلى إحداث شروخ بين القوى المؤيدة للتحالف وللشرعية، ثم تعيد توظيف الملف اليمني لتشويه صورة التحالف، عبر إعلامها، ومن تمولهم من اليمنيين. والمسار الثاني أن تترك الدوحة الملف اليمني كبادرة حسن نيّة، ولحماية مستقبل بعض الأطراف التي تعتبرها جزءاً من تحالفاتها في المنطقة، للاستفادة منها مستقبلاً، ولن تسعى إلى توريطها في هذه الفترة الخطرة، لأن خسارتها ستكون كبيرة. ويرجّح غلاب عدم إقدام قطر على ترك الملف اليمني، لأنه ملف يسهل اختراقه وتوظيفه بما يناقض المصالح اليمنية، وحتى مصالح من تدعي قطر أنها معهم، ولو راجع هؤلاء بمختلف توجهاتهم اليوم، ولديهم المعلومات الكافية، التوجهات القطرية في اليمن، وإلى أين أوصلتهم، لأدركوا أن قطر تحتقر اليمنيين المتعاونين معها، وتراهم قابلين للشراء وللاستخدام حتى ضد المشروعات التي يدعون تمثيلها، وتدعي قطر أنها أهم داعميها. |
وأبرمت قطر صفقة ضمنت بموجبها، وقف تقدم الجيش اليمني نحو منطقة مطرة الجبلية، آخر معاقل المتمردين شمال محافظة صعدة، والتي كان يوجد فيها زعيم الحوثيين حالياً، عبدالملك الحوثي، مقابل أن يقيم شقيق مؤسّس حركة الحوثيين يحيى، ووالده بدر الدين الحوثي، وعمه عبدالكريم، مؤقتاً في الدوحة، وأن تتولى قطر دفع مساعدات وتعويضات وإعادة الإعمار.
واعتبرت قيادات الجيش اليمني وقتها، أن الوساطة القطرية أنقذت الحوثيين من الهزيمة والقضاء عليهم، واتهمت الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الذي كان حاكماً في تلك الفترة، بالاستسلام للإغراءات، وعقد صفقة مع قطر، التي تعهدت أيضاً بتقديم مبالغ مالية كبيرة، كمساعدات، مقابل إيقاف الحرب، لكن الحوثيين بمجرد إعادة ترتيب أوراقهم، بفعل التدخل القطري، الذي مازالت كثير من تفاصيله غامضة، أشعلوا حرباً جديدة في العام التالي، وتنصلوا من كل الاتفاقيات.
وواصلت القيادة القطرية حينها الضغط على الحكومة اليمنية، لإبرام اتفاق آخر لوقف الحرب الرابعة، باتفاق ثانٍ، وما لبثوا أن تنصلوا من جديد من الاتفاق، الذي كانت الحكومة ترفضه، ما دفع أمير قطر السابق إلى زيارة صنعاء في مايو 2007، حاملاً معه هبات ومساعدات بنصف مليار دولار، ما أقنع المخلوع صالح بقبول الوساطة القطرية مرة أخرى، ووقف الحرب، بدلاً عن الحسم العسكري، وإنهاء التمرد.
وأوكلت مهمة تنفيذ بنود الاتفاق إلى مدير مكتب أمير قطر، الذي ظل برفقة ضباط قطريين ولفترة، يتنقل في رحلات مكوكية بين صنعاء وصعدة، ويعقد تفاهمات لم يعلم أحد فحواها، خصوصاً مع المتمردين الحوثيين، وترددت في تلك الأثناء أنباء محدودة التداول، مفادها أن قطر تعمل وسيطاً لنقل الدعم الإيراني للحوثيين، وخدمة هدفها أيضاً في استهداف السعودية.
وأشعل المتمردون الحوثيون حرباً خامسة ضد الدولة اليمنية في العام 2008، حينها ظهرت تصريحات نارية لعضو مجلس النواب اليمني محمد بن ناجي الشايف، في أغسطس من ذلك العام، حيث كان الوحيد الذي اتهم بشكل صريح إيران بالوقوف وراء الوساطة القطرية بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في محافظة صعدة، مؤكداً أن قطر مجرد رسول من إيران، في الوقت الذي أوشكت القوات على حسم المواجهة لمصلحتها، وفي محاولة يائسة من قطر لمزاحمة الموقع السعودي في المنطقة والعالم، بحسب قوله.
تنامي القدرات
وبفضل التدخل القطري تنامت قدرات الحوثيين العسكرية والمادية، وباتت قوية، حيث استطاعوا بعد أن كانوا محصورين في كهوف جبلية بأطراف محافظة صعدة، التمدد إلى مناطق أخرى، والتوسع في المحافظة، ودحروا الجيش اليمني، الذي فوجئ بالعتاد الحربي الذي بات بحوزتهم، ولم يتمكن أحد من معرفة الطريقة التي تمكنت بها قطر، ومن ورائها إيران، من تزويدهم بذلك العتاد.
واشتعلت الحرب السادسة في عام 2009، التي تدخلت فيها السعودية بآلياتها ومعداتها العسكرية لدعم الجيش اليمني، لترعى قطر توقيع اتفاقية الدوحة بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين في 21 يونيو 2010، فارضة وجود هذه الجماعة المتمردة كطرف، بخلفية مذهبية وطائفية، يحاكي داعميه الأساسيين في طهران.
وهاجم عضو البرلمان اليمني علي العمراني (سفير اليمن في الأردن حالياً) في أبريل 2010، الدور القطري، والتحرك تجاه صعدة، واتهم قطر وإعلامها بتنفيذ حملة لتقويض الاستقرار في اليمن، والدعوة إلى إعطاء الحوثيين حق تقرير المصير، وتأييد حمل السلاح، وأخذ الحقوق بالقوة.
حقائق تاريخية
كل تلك الحقائق التاريخية تفصح بجلاء عن أسباب انتفاض الحوثيين للدفاع عن قطر مؤخراً والتضامن معها بعد ثبوت تمويلها للإرهاب والتنظيمات المتطرفة وإنهاء دورها في التحالف العربي بقيادة السعودية، وقطع دول عدة للعلاقات الدبلوماسية معها.
وثيقة خطرة
وفضحت وثيقة خطرة، أعيد تداولها أخيراً، حقيقة التواصل والدعم القطري للحوثيين، عبر خطاب موجه من بدر الدين الحوثي، والد حسين وعبدالملك، إلى أمير قطر السابق، حمد بن خليفة آل ثاني، أثنى فيه على دعمه السخي إلى جانب وقفة «أسود الإسلام في إيران»، بحسب وصفه، والذي مكنهم، على حد زعمه، من تحقيق الانتصارات، وعاهد الحوثي أمير قطر بأن يواصل المعركة.
من جهته، يرى الباحث اليمني رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات وكيل وزارة الإعلام اليمني، نجيب غلاب، أن تحولاً كبيراً في الخطاب السياسي لوسائل الإعلام القطرية تجاه اليمن. وفي رده على سؤال حول تقييمه مواقف الدوحة السابقة والحالية تجاه اليمن، وتوقعاته في هذا الجانب، يلفت غلاب إلى أن إعلام قطر، وبالذات قناة الجزيرة، وإعلام الظل الذي يعمل خارج دولة قطر، والممول منها، بما في ذلك اليمني، ومع إنهاء دور قطر في التحالف، تبنى خطاباً مشككاً، وانتقل إلى خطاب عدائي مضاد للتحالف وللشرعية، وبدأ يقترب من الحوثية، وظهر كأنه مكمل لخطاب الانقلابيين الإعلامي.
وعن استراتيجية قطر في ما يتعلق بالملف اليمني، يضيف غلاب السياسة الخارجية لقطر تجاه اليمن حكمتها استراتيجية ثابتة لم تتغير حتى أثناء مشاركتها في «عاصفة الحزم». وهي تركز على استهداف السعودية ومحاصرة أي نفوذ لها، وتدعم وتموّل الحركات والمنظومات المتبنية لمنظور عدائي للسعودية.
اللعب على المتناقضات
وسرد غلاب تاريخ المؤامرات القطرية في اليمن قائلاً سعت قطر بعد المبادرة الخليجية إلى إفشالها، وكانت الحوثية من أهم أدواتها في هذا الاتجاه، واستمرت قطر تدعم الصراع الداخلي بين الأطراف اليمنية. وضحّت قطر بمؤيديها، وحاولت قبل «عاصفة الحزم» بناء توافق بين أطراف فبراير الحوثية و«الإخوان» وغيرهم.
وكانت تدرك أن إنهاء الشرعية وتوليد نظام تهيمن عليه الحوثية سيكون مركزاً أساسياً لمواجهة السعودية، وهذا الخط الثابت للسياسة القطرية يتوافق مع المشروع الإيراني، وإن اختلفت المصالح، إلا أن عزل اليمن عن السعودية، وجعله منطلقاً لتهديد أمنها، مثل مركز التوافق القطري الإيراني.
وأشار غلاب إلى أن قطر لم تكتف بدعم الحوثية، بل تواصلت مع نظام صالح، وبعض أطرافه المعادية للسعودية، كما أنها تواصلت مع تنظيم «القاعدة» وموّلته، وحاولت أن تفتح خطاً مع الحراك الجنوبي. واشتغلت في اليمن مع المتناقضات، ووظفت كل طرف حسب الظرف المحلي، وكانت تنتقل من الصداقة إلى العداء، إلى الاستغلال وحركتها مضبوطة بمشروع مركزي يتمثل في استهداف السعودية.
ويوضح غلاب أن قطر حتى بعد مشاركتها في التحالف العربي، لم تغيّر مسار عملها إلا على مستوى الخطاب الإعلامي، أما في الواقع فقد اتضح أنها استمرت في دعم الحوثية، وتسريب المعلومات والإحداثيات، كما دعمت تنظيم «القاعدة» وتصريحات دول التحالف واضحة في هذا الجانب، وعملت عبر سياسات الدعم لبعض أطراف الشرعية على إثارة المشكلات وتضخيم التناقضات.
وبعد إنهاء دورها في التحالف تحاول قطر، تفكيك أطراف الشرعية، وتبني اتجاهات عدائية عبر الإعلام، ومن خلال الدفع ببعض القوى الممولة من قبلها لإعادة التحالف مع الحوثية.