التعذيب في سجون الحوثي السرية.. جرائم يرويها أحد الناجين
كثيرون هم المختطفون الذين عذبتهم ميليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، أفرجت عن القليل منهم، ومات الكثيرون خلف القضبان، حسب روايات من أفرج عنهم، وبقي هناك في السراديب والزنازين آلاف الأبرياء، تمارس الميليشيات ضدهم مختلف أصناف التعذيب.. «محمد علي محمد الحسني»، من أبناء محافظة ريمة (61 عاماً)، أحد الذين اختطفتهم الميليشيات، وأخفته لمدة عامين، خرج ضمن صفقة تبادل أسرى، لكنه خرج وهو شبه ميت، فاقد البصر، مكسور العمود الفقري، متورم الفخذين من التعذيب.
روى الحسني تفاصيل اختطافه وتعذيبه، في حديث لموقع الجيش اليمني «26 سبتمبر»، وبدأ الحديث بالبكاء، قائلاً: «في أحد أيام شهر فبراير 2016 كنت بمسجد السريحي في باجل أصلي العشاء، فجأة سمعت ضجيجاً وسيارات تتبع الأمن السياسي، أكملت الصلاة، ثم بدأت أصلي الوتر، وإذا بشخص يسأل عن الحسني، سمعت ذلك، فقال له شخص ممن في المسجد: هو هناك، فقلت في نفسي: خيراً إن شاء الله، وكان معي ابني الصغير، عمره سبع سنوات، أخذني شخص قبل أن أكمل الصلاة، خرجت وإذا بالعساكر منتشرين متوزعين، قلت: كل هذا لمن؟ أنا رجل عادي، وموظف في أحد المستشفيات، وليس لي أي علاقات أو انتماءات حزبية أو تنظيمية».
وواصل: «أخذوني في إحدى السيارات، وتركت ولدي الصغير خائفاً يبكي من الرعب، تركته وقلبي يكاد يتقطع، أخذه أحد الأصدقاء وأوصله إلى البيت، لأنه عرف أن الحوثيين خطفوني، أما أنا فأخذوني مباشرة إلى إدارة الأمن في باجل، وظللت منتظراً نحو ربع ساعة، ومن هناك أخذوني إلى البحث، ومن البحث عصبوا عينيّ، ولم أدر إلى أين أخذوني، لم يأخذوني ويدخلوني الحديدة مباشرة، لأنني لو أُخذت إلى هناك كنت سأعلم، لأنني أعرف الطريق وأحفظه، لكنهم، حسب تقديري، أدخلوني حارات وأزقة تبدو وكأنها في باجل ما يقدر بنحو ساعة وربع، ولم أعرف إلى أين، لكن بعد شهرين أدركت أنني في الحديدة».
وتابع: «حين أخذوني مع آخرين من البحث إلى الحديدة (كلبشوا) يديّ وقدميّ، ورافق ذلك ضرب مبرح، حتى إن إحدى أسناني سقطت، وسال الدم من فمي وأنفي من كثرة الضرب، وأدخلونا زنزانة تحت الأرض، وبعد 10 دقائق استجوبوني بعد منتصف الليل، وقاموا بضربي بالسياط والعصي، دون سبب».
وعن التهمة التي وجهت إليه، يقول الحسني: «لم توجه إليّ أي تهمة، كل ما في الأمر أنه خلال مرحلة الاستجواب، وفي كل مرة يستجوبونني فيها يضربونني ضرباً شديداً حتى يُغمى عليّ، وسألوني أسئلة: مثل: من تعرف؟ تعرف فلان، تعرف علان؟ جميع من سألوني عنهم قيادات مدنية وحزبية ومنظمات، كنت صادقاً معهم، وقلت: أعرف بعضهم من المسجد، وبعضهم سمعت عنهم، مثلي مثل غيري، وبعد الضرب والتعذيب في أول استجواب أعادوني، ومنعوا عني الأكل والشرب لمدة يومين، انهارت قواي، وبعد اليومين استجوبوني مرة ثانية، ورافق ذلك ضرب شديد، على أثره فقدت إحدى عينيّ، وأعادوني إلى الزنزانة». ويضيف: «بعد نحو ستة أشهر نقلت من الحديدة إلى الصليف، وفي الصليف وجدت سراديب تحت الأرض، سراديب كثيرة وموحشة، حفرها مختطفون سبقونا، وفور وصولنا شغلونا بأعمال شاقة، كنا نحفر ليل نهار 24 ساعة جائعين، وفي مناخ لا يحتمل، هناك عشرات السراديب، طول السرداب الواحد نحو 150 متراً، وبعرض مترين أو أكثر، وعمقها ستة أمتار، وكانت الميليشيات تخزن أسلحة في السراديب، وكانت عمليات الحفر والتخزين والتعذيب يشرف عليها مهندسون وخبراء من (حزب الله) اللبناني وإيران، شاهدتهم وسمعت كلماتهم ولهجتهم الإيرانية واللبنانية، هذا الكلام أقوله وأنا متأكد منه، ووثقته من أكثر من 50 شخصاً عمل في هذه السراديب».
واستكمل الحسني: «بعد العمل في هذه السراديب لمدة شهرين نقلوني من الصليف إلى رأس عيسى، وهناك كان الموت، حيث أدخلونا في صهاريج حديدية، ومات أكثر من 17 شخصاً أمام عيني تحت التعذيب، وبعد شهرين نقلوني إلى القلعة في الحديدة، وقد حولوا المجاري والصرف الصحي للحارات المجاورة للقلعة إلى ثلاث غرف، في كل حفرة أو غرفة تفتيش تأتي المجاري فتغمرنا إلى صدورنا وأعناقنا أحياناً، وفي هذه الغرفة جلست ثلاثة أشهر، ليس هناك تحقيقات، وإنما ضرب فقط، ومارسوا ضدنا كل أنواع التعذيب، ثم من القلعة أعادونا إلى رأس عيسى مرة ثانية، وهناك مات أكثر من 12 مختطفاً». وتابع: «لقد مارسوا معي ومع كل الأسرى والمختطفين مختلف أشكال وأنواع التعذيب، ضرب وصعق وبقر للبطون، واستخدموا المثاقب الكهربائية لخزق أجسام المختطفين، واستخدموا الآلات الحادة لوخزهم، وكان الحوثيون يجبروننا على شرب الماء المالح، إنها أهوال وجرائم لا تخطر على عقل بشر».
وعن معرفة أهله بمصيره، قال الحسني: «لم تعلم أسرتي بمصيري طوال عامين، وهي فترة سجني، حتى من أخذ ابني من المسجد لم يخبرهم، خوفاً من بطش الميليشيات وظلمها».
الناجي محمد الحسني:
«أكثر من 17 شخصاً ماتوا أمام عيني تحت التعذيب في صهاريج حديدية برأس عيسى».
«الميليشيات حوّلت غرف الصرف الصحي إلى زنازين وكانت المياه تغمرنا إلى صدورنا وأعناقنا».