مواجهات في «يوم غضب» بالقدس احتجاجاً على «الخراب»
اندلعت مواجهات عنيفة بين مئات الفلسطينيين وقوات الاحتلال الإسرائيلي في أنحاء متفرقة من مدينة القدس المحتلة، استجابة لـ«دعوة الغضب» التي أطلقها تحالف القوى الفلسطينية احتجاجاً على افتتاح كنيس «الخراب»، وفيما حذرت السلطة من تفجير الأوضاع في الاراضي الفلسطينية والمنطقة بأسرها جراء الممارسات الإسرائيلية، ارجأ المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل جولته التي كانت مقررة الى المنطقة بعد أزمة سياسة الاستيطان اليهودي.
وفي التفاصيل، أفاد متحدث باسم مستشفى المقاصد في القدس لوكالة فرانس برس أن 14 فلسطينياً اصيبوا في المواجهات نقلوا إليه، موضحاً أن جراح اثنين منهم متوسطة والاخرى طفيفة. كما اصيب خمسة شبان فلسطينيين برصاص معدني أطلقه الجيش الاسرئيلي باتجاه عشرات المتظاهرين عند حاجز قريب من مدينة القدس، بحسب مصادر طبية. وفي القدس اعتقلت القوى الامنية الإسرائيلية 42 فلسطينياً، وأصيب تسعة من رجال الشرطة الإسرائيلية بجراح تم نقل سته منهم الى المستشفيات خلال الاشتباكات التي وقعت في المدينة المقدسة، حيث انتشر 3000 عنصر من قوى الأمن.
وقال المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية ميكي روزنفيلد، لوكالة فرانس برس، إن الشرطة اعتقلت عدداً من الفلسطينيين بعدما اعلن الفلسطينيون عزمهم التظاهر احتجاجا على تدشين كنيس تاريخي اعيد ترميمه في البلدة القديمة و«دفاعا عن القدس» بعدما اعطت الحكومة موافقتها لبناء 1600 وحدة سكنية استيطانية في الحي اليهودي في المدينة.
وفي مخيم شعفاط اطلقت الشرطة الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين الذين كانوا يرشقون القوات الامنية بالحجارة. وافاد مصور لوكالة فرانس برس أن القوى الامنية اعتقلت فلسطينياً واحداً على الاقل. وذكرت مصادر فلسطينية أن تسعة فلسطينيين على الأقل أصيبوا في مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية في واد الجوز وحي الصوانة والعيسوية. وأضافت أن الشرطة الإسرائيلية اعتقلت أكثر من 10 محتجين فلسطينيين. كما اندلعت مواجهات على حاجز قلنديا العسكري الفاصل بين الضفة الغربية ومدينة القدس أطلقت خلالها القوات الإسرائيلية الأعيرة النارية والقنابل الغازية باتجاههم، كما اعتدت على عدد منهم بالضرب. وذكر شهود عيان أن عدداً من الشبان الذين تراوح أعمارهم بين 15و20 عامًا رشقوا الجنود المتمركزين على الحاجز بالحجارة، تعبيرًا عن غضبهم للتصعيد الإسرائيلي في القدس. كذلك دارت مواجهات في وادى الجوز وهو حي عربي آخر في القدس الشرقية.
وفجر أمس أصيب عنصر في حرس الحدود الاسرائيلي بجروح طفيفة جراء تعرضه لرشق بالحجارة في البلدة القديمة، في حين اطلق مجهولون قنبلتين حارقتين في حي سلوان العربي في القدس، بحسب الشرطة. كما دارت مواجهات عند معبر قلقيلية شمال القدس، حيث اطلق عشرات الشبان الفلسطينيين الحجارة في اتجاه القوى الامنية التي ردت باطلاق الرصاص المطاطي. وهذا المعبر هو المعبر الاساسي بين القدس ورام الله، حيث مقر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
بدورها دعت حركة المقاومة الاسلامية «حماس» الى يوم غضب ونفير عام احتجاجاً على تدشين الكنيس. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصادر أمنية إسرائيلية أن «اليوم» سيكون بمثابة «يوم الامتحان الكبير» في القدس الشرقية، بعد أن أعلنت حركة حماس يوم غضب ونفير عام نصرة للقدس والمسجد الأقصى، احتجاجا على تدشين كنيس الخراب بالقرب من أسوار المسجد الأقصى.
وفي تدبير وقائي، واصلت السلطات الإسرائيلية حصارها المشدد على البلدة القديمة من مدينة القدس المحتلة، وواصلت إغلاق بوابات المسجد الأقصى لليوم الخامس على التوالي أمام المصلين الذين تزيد أعمارهم على 50 عاماً. وكثفت تلك السلطات من إجراءاتها العسكرية في محيط المسجد الأقصى المبارك، ومنعت المقدسيين من الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر فيه. واندلعت مواجهات قرب باب الأسباط وباب حطة بين عشرات الفلسطينيين الذين حاولوا الوصول إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الفجر والشرطة الإسرائيلية التي حالت دون وصولهم.
وكانت جماعات يهودية احتفلت في أجواء رسمية مساء اول من أمس، بتدشين «كنيس الخراب» قرب المسجد الأقصى وسط غضب فلسطيني عارم.
وحذر مسؤول ملف القدس في حركة فتح حاتم عبدالقادر، من أن التطورات التي تشهدها مدينة القدس جراء الممارسات الإسرائيلية من شأنها تفجير الأوضاع في الأراضي الفلسطينية والمنطقة بأسرها. وقال في تصريحات لتلفزيون فلسطين الرسمي إن تدشين جماعات يهودية كنيس الخراب في البلدة القديمة وقرب المسجد الأقصى في القدس يمثل ذروة الاعتداءات الإسرائيلية ويهدد بتفجر الأوضاع. واعتبر عبدالقادر أن تدشين هذا الهيكل يشكل خطوة متقدمة تهدف إلى تكريس أو وضع حجر أساس لبناء ما يسمى بالهيكل الثالث اليهودي مكان المسجد الأقصى. وأكد عبدالقادر أن هناك مشروعاً تهويدياً متدرجاً تنفذه إسرائيل من أجل فرض وقائع جديدة لتغيير الوضع القائم داخل المسجد الأقصى المبارك والقدس.
وقال المسؤول الفلسطيني إن هذا المشروع يهدف إلى السيطرة على الإرث الثقافي والحضاري في مدينة القدس من اجل تحويلها إلى عاصمة لليهود في جميع أنحاء العالم.
وفي واشنطن عبر متحدث باسم وزارة الخارجية عن قلقه من التوترات الناجمة عن افتتاح الكنيس، ودعا الى الهدوء. وقال المتحدث بي. جيه. كراولي «نشعر بانزعاج بالغ من البيانات التي أدلى بها عدد من المسؤولين الفلسطينيين والتي تسيء تصوير الحدث محل النزاع، وهو ما لن يؤدي إلا الى تأجيج التوترات التي نشهدها».
من جهته ارجأ المبعوث الاميركي الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل جولته التي كانت مقررة امس الى المنطقة، حيث تشهد العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة ازمة خطيرة بسبب سياسة الاستيطان اليهودي في القدس. واعلن مكتب الحكومة الإسرائيلية في بيان إن سفارة الولايات المتحدة في اسرائيل اتصلت بمكتب الرئاسة (الإسرائيلية) لابلاغه بان المبعوث الخاص الى الشرق الاوسط جورج ميتشل لن يصل الى اسرائيل، كما كان مقررا.
واكد دبلوماسي في السفارة الاميركية في القدس هذا الارجاء. وقال الدبلوماسي لوكالة فرانس برس، رافضا الكشف عن اسمه «انها مسألة لوجستية. لقد حصل تغيير في برنامج ميتشل في واشنطن وعليه المشاركة في مشاورات. وبالتالي ليس لديه الوقت للمجيء الى هنا كما كان يرغب».
وستجري الزيارة بحلول نهاية الشهر بعد اجتماع اللجنة الرباعية حول الشرق الاوسط (الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة وروسيا) الذي يعقد الجمعة في موسكو. وسيشارك في هذا الاجتماع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ووزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثرين اشتون ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير ممثل اللجنة الرباعية، الى جانب وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. وكان من المنتظر أن يزور ميتشل هذا الاسبوع اسرائيل والضفة الغربية لاطلاق مفاوضات غير مباشرة بين الاسرائيليين والفلسطينيين. لكن العلاقات بين اسرائيل والولايات المتحدة غرقت في أزمة دبلوماسية خطيرة بسبب قرار الحكومة الإسرائيلية في 9 مارس ببناء 1600 مسكن في القدس المحتلة.