«ويكيليكس» يقدم الحقيقة التي غابت عن بوش

وثائق ويكيليكس موجودة في كل مكان باستثناء «مذكرات بوش». أ.ب

لنقل ما نشاء عن موقع ويكيليكس، وأنا أصلاً لا أحب ما فعله، إلا أنه سيكون مفيداً بالنسبة إلى مؤسسة جوليان أسانغ، كي يتابع الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن في تنقلاته المستمرة في أنحاء أميركا للترويج لكتابه الجديد الذي يحمل عنوان «لحظات حاسمة». وعندما حاول بوش على سبيل المثال أن يبرر حرب العراق عن طريق القول، إن العالم أصبح افضل من دون (الرئيس العراقي السابق) صدام حسين، يظهر لنا اسانغ ويخرج وثيقة من كيسه المملوء بالوثائق على لسان العاهل السعودي الملك عبدالله عندما قال في حديث خاص «إن الحرب قدمت العراق لإيران على طبق من ذهب». وتوجد في العراق الآن حكومة تحت السيطرة الشيعية، كما ان العديد من المسؤولين في هذا البلد يتمتعون بصداقة وودّ كبيرين مع إيران.

ولطالما كانت سياسة الولايات المتحدة تركز على استخدام العراق بقيادة صدام حسين من أجل التوازن مع إيران بالنظر إلى الخطر الذي تشكله على المنطقة، هذا الخطر الذي تضمنته وثائق «ويكيليكس» الجديدة، بما فيها تلك التي تشير إلى أن كوريا الشمالية باعت إيران صواريخ قادرة على الوصول إلى أمكنة بعيدة جداً.

وإلى حد ما، تبدو الوثائق المنشورة وكأنها تحوي شكلاً من أشكال الشائعات، ومن الممتع أن يعلم المرء أن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني عبارة عن دمية في جيب الزعيم الروسي فلاديمير بوتين، وعن خوف العالم العربي من قنبلة إيران النووية إضافة إلى العديد من القضايا الأخرى.

وكان هذا هو العالم الذي تركه لنا الرئيس بوش الابن، وهي قضايا موجودة في كل مكان في العالم باستثناء كتاب مذكراته، حيث تم حذف الحقائق، أو أعيد ترتيبها، بحيث تبدو الحرب في العراق نتاج المنطق الصرف، وكما أشار زميلي الكاتب والتر بنكوس، فإن بوش تدبر موضوع التلاعب بالتسلسل التاريخي وأهمية العديد من أنظمة التفتيش على الأسلحة العراقية، كي يوحي بأن أي رئيس آخر في مكانه يحصل على هذا الشكل من الحقائق سيذهب إلى الحرب حتماً. وكتب «حاولت معالجة موضوع خطر صدام حسين دون حرب»، وفي هذا المجال يبدو غير صادق.

ويثبت تكدس الأدلة في ذلك الوقت، أن العراق يفتقر إلى برنامج أسلحة نووية، وليس لديه أسلحة بيولوجية أيضاً. أما بالنسبة لبرنامج اسلحته الكيماوية، فهي ليست موجودة فحسب، وانما لو كانت موجودة فإنها ليست سبباً كافياً للذهاب إلى الحرب من أجلها،

والغاز السام معروف منذ معركة يبرس الثانية عام ،1915 خلال الحرب العالمية الأولى. وكتب بوش في كتابه «ان عدم وجود أسلحة الدمار الشامل، لم يغير من حقيقة ان صدام حسين كان يشكل تهديداً».

ولدى قراءتي كتاب بوش، ورؤيتي له في العديد من شاشات التلفزة، تذكرت رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق مناحيم بيغن، ففي عام 1982 حمل بيغن إسرائيل إلى الحرب في لبنان، والتي كلفت اسرائيل نحو 675 قتيلاً و4000 جريح، اضافة إلى صورتها باعتبارها التي لا تقهر في ميدان المعركة، وأخذ بيغن مسؤولية ما حدث على عاتقه، و«استقال وأصبح منعزلاً وانتهى به المطاف لأن اصبح رجلاً كئيباً ومهزوماً.

وأنا لا أقترح مثل هذه النهاية لبوش، وإنما فقط ان يقرأ وثائق «ويكيليكس»، ومن اجل التاريخ والدروس المستوحاة منه، ان يعيد تقييم قراراته المتبجحة، ويبدو أسلوبه المغرق في البساطة في اتخاذ القرار، الذي يعتمد على قاعدة «اعرف نفسك»، لكن ليس بالضرورة معرفة الحقائق، منفراً بصورة فجة.

تويتر