أحداث بورسعيد تؤجّج الاحتجاجات ضد « العسكري »
اججت احداث الشغب التي اوقعت 74 قتيلا، الليلة قبل الماضية، في مدينة بورسعيد غضب الحركات الشبابية والسياسية المصرية تجاه المجلس العسكري الحاكم الذي يتهمونه بالوقوف وراء «هذه المذبحة» وبحبك سيناريوهات الفوضى، ويحشدون لمسيرات جديدة ضده في ميدان التحرير، فيما وافق مجلس الشعب (البرلمان) بالأغلبية، خلال جلسة طارئة، على توجيه الاتهام بالتقصير إلى وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم يوسف، بعد أن بدا النواب منقسمين بين من يتهمون أجهزة الامن بالتقصير أو التواطؤ ومن يحملون المجلس العسكري المسؤولية كاملة، وقرر مجلس في ختام الجلسة تشكيل لجنة تقصي حقائق تتوجه على الفور إلى محافظة بورسعيد لمباشرة عملها وتقديم تقرير مفصل للمجلس عن ملابسات ما حدث، وأمر النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود بالتحفظ على كل من مديري الأمن والمباحث ببورسعيد، وقائد قوات الأمن المركزي المكلف بتأمين أستاد المدينة.
وتفصيلاً، تظاهر عدد من المواطنين المصريين، أمس، في الشوارع المحيطة بمقر وزارة الداخلية وسط القاهرة، وطالبوا بإقالة الحكومة ومحاكمة القادة الأمنيين في البلاد، احتجاجاً على مقتل وإصابة المئات في مدينة بورسعيد، أول من أمس.
وردد المتظاهرون هتافات «الداخلية بلطجية» و«يسقط يسقط حُكم العسكر»، محملين الشرطة وأجهزة الأمن، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يُدير شؤون مصر حالياً، مسؤولية الأحداث.
وتُقدر أعداد المتظاهرين ما بين 3000 إلى 5000 متظاهر، معظمهم من مشجعي النادي «الأهلي» ونادي «الزمالك» المعروفين باسم «ألتراس»، ووصلوا إلى محيط وزارة الداخلية على شكل مسيرات انطلقت من أمام مقر النادي «الأهلي» في منطقة «الجزيرة» القريبة من وسط القاهرة، وميدان «سفنكس» في حي المهندسين، وميدان التحرير. وطالب المتظاهرون الغاضبون بإقالة الحكومة ومحاكمة القادة الأمنيين، وفي مقدمتهم وزير الداخلية، لتقاعسهم عن توفير الأمن في البلاد.
وقال عدد كبير من المتظاهرين إن هناك إنفلاتاً أمنياً متعمداً لمعاقبة الشعب على قيامه بالثورة ضد النظام السابق والإطاحة برئيسه حسني مبارك، معتبرين أن حالات الانفلات الأمني ستتزايد مع اقتراب صدور الحُكم على مبارك في قضية قتل الثوار.
وفيما تسود حالة من الترقب في البلاد، خشية وقوع مواجهات خلال المسيرات التي أعلن عنها «الألتراس» والحركات الشبابية عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» إلى وزارة الداخلية، عقد المجلس العسكري «اجتماعاً طارئاً بكامل هيئته لبحث الاجراءات اللازمة لمواجهة تداعيات هذه الاحداث المأساوية». من جانبه، وافق مجلس الشعب بالأغلبية على توجيه الاتهام بالتقصير إلى وزير الداخلية، وذلك بعد أن خير رئيس المجلس محمد سعد الكتاتني المجلس بين إحالة توجيه الاتهام للوزير إلى لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بالمجلس أو أن يمضي المجلس في إجراءات الاتهام مباشرة، ووافقت الأغلبية على الاختيار الثاني برفع الأيدي. وتلقى الكتاتني طلب توجيه الاتهام إلى الوزير من 121 عضواً.
وفي وقت سابق قال رئيس مجلس الوزراء كمال الجنزوري، خلال جلسة البرلمان الطارئة التي تم استدعاؤه إليها، إنه وافق على قبول استقالة محافظ بورسعيد اللواء أحمد عبدالله، كما قرر إيقاف مدير الأمن اللواء عصام سمك، ومدير المباحث العميد مصطفى الرزاز وإحالتهما إلى التحقيق بشأن الأحداث التي أعقبت المباراة.
واستنكر الجنزوري اتهام البعض له بالتقصير في تحقيق الأمن بالبلاد، متسائلاً «هل هذا الرجل هو من أخل بالأمن، هل هذا الرجل الذي جعل وسائل الإعلام لا تُرضي الشعب؟». وأضاف «أن التحقيقات ستثبت كل شيء وخلال أيام».
وكان أعضاء لجنتي «الدفاع والأمن القومي» و«الشباب» بمجلس الشعب المصري بحثوا في وقت سابق من أمس، تداعيات الأحداث. وقال مصدر بالأمانة العامة للمجلس إن أعضاء اللجنتين طرحوا مجموعة توصيات تمحورت حول إقالة وزير الداخلية، وإعادة هيكلة الوزارة، وإقالة عدد من قادتها المحسوبين على النظام السابق. ورغم إعلان رئيس المجلس العسكري الحاكم المشير حسين طنطاوي، الحداد الرسمي في البلاد ثلاثة ايام، وتشكيل لجنة لتقصي الحقائق، إلا أن تصريحات ادلى بها الليلة قبل الماضية اثارت انتقادات.
ونقلت وكالة انباء الشرق الاوسط الرسمية عن طنطاوي قوله في تصريحات للصحافيين في مطار شرق القاهرة العسكري أثناء استقباله المصابين في أحداث الشغب، ان «تلك الاحداث لن تؤثر في مصر وامن مصر قوي، وكل الامور سيتم تصحيحها».
واعتبر الناشط وائل غنيم، الذي دعا من خلال صفحته على «فيس بوك» إلى الثورة ضد مبارك مع حركات اخرى على رأسها «حركة 6 ابريل»، وقال في تعليق كتبه على حسابه على «تويتر» إن «تصريحات المشير طنطاوي ورؤيته للاحداث تؤكد أن مصر في حاجة ماسة الى قيادة حقيقية تقودها».
واتهمت حركة 6 ابريل المجلس العسكري بالوقوف وراء الشغب في بورسعيد، معتبرة ان «الاحداث الاخيرة في البلاد، ومن بينها عمليات السطو المسلح والبلطجة ومذبحة بورسعيد، ليست بمنأي عن المجلس العسكري، سواء تخطيطا او تنفيذا».
واكد بيان آخر صادر عن حركة شبابية اخرى هي «الجبهة الحرة للتغيير السلمي» ان «المسؤولية تقع على المجلس العسكري والحكومة في هذه المذبحة التي لم تنتج عن اهمال جسيم يحاسب عليه القانون فحسب، بل تخطت ذلك الى قيام قوات الامن بمساعدة الاحداث عند وقوعها، وعدم التحرك لوقفها او منعها من الحدوث». وناشدت الحركة «اعضاء البرلمان المصري سحب الثقة من المجلس العسكري والحكومة، وتشكيل حكومة ائتلاف وطني، وفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة في 11 فبراير». وقال المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية حمدين صباحي، في بيان ان احداث بورسعيد «إن لم تكن مدبرة ومتعمدة، فهي في الحد الادنى تعبر عن عجز تام، وعدم قدرة على حماية ارواح المصريين».
اما جماعة الاخوان المسلمين التي اصبحت القوة السياسية الاولى في البلاد، فاعتبرت ان هناك «تدبيرا خفيا يقف وراء مذبحة» بورسعيد. وأكدت ان «تقاعس السلطة عن حماية المواطنين لا يمكن ان يقع تحت وصف الاهمال او التقصير، وحالة الانفلات الامني في جميع انحاء البلاد افرزت حالات السطو المسلح على المصارف، واستسهال القتل لاتفه الأسباب، وتجرؤ البعض على التهديد بالعدوان على البرلمان، والتعدي على شباب الاخوان المسلمين الذين سعوا الى تأمينه»، في اشارة الى الصدامات الثلاثاء الماضي بين شباب الحركات الاحتجاجية وشباب الاخوان.
أصبح لدى بعض مشجعي كرة القدم المصريين الذين لعبوا دورا رئيسا في اسقاط الرئيس السابق حسني مبارك هدف جديد وهو الرجل الذي حل محله في قيادة مصر، وهو المشير طنطاوي. وقالت مجموعة «التراس ميادين التحرير» في صفحتها بموقع «فيس بوك» للتواصل الاجتماعي عبر الانترنت «لا نريد سوى رأسك أيها المشير الخائن لذلك الوطن. كان بإمكانك أن تكتب اسمك بحروف من نور، لكنك تكبرت وظننت أن مصر وشبابها ممكن أن يعودوا خطوة إلى الخلف».