زعماء قبائل في العراق يطبقون العدالة على طريقتهم
بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق، وتصاعد العنف بصورة تبعث على القلق، وتعيد إلى الاذهان شبح الحرب الطائفية التي عصفت بالعراق في السنوات السابقة، يسعى زعماء القبائل العراقية إلى تطبيق العدالة وضبط الأوضاع الأمنية في مناطقهم بطريقتهم القبلية الخاصة التي تستند إلى الثقافة والعادات والتقاليد العشائرية، وقد اجتمع عدد من زعماء العشائر العراقية الذين يشعرون بغضب وإحباط متزايدين من فساد الحكومة والطبقة السياسية الحالية، اجتمعوا في بلدة «الإسحاقي»، بين بغداد وتكريت، لمناقشة العديد من القضايا، الامنية والمالية، المرتبطة بكيفية التنسيق والتعاون لتحقيق تصورهم العشائري للعدالة، طمعاً في الوصول إلى الاستقرار.
وطبقاً لخبراء سياسيين في بغداد، فقد توافرت لهؤلاء الزعماء الظروف للإمساك بزمام الامور، وإدارة الوضع في مناطقهم، وتطبيق منطقهم وقانونهم، لاسيما فساد أعضاء الحكومة والسياسيين، والتقصير الامني، والانسحاب الاميركي، إضافة إلى حالة الفوضى السياسية التي يعيشها العراق. وقرر شيوخ القبائل في الاسحاقي طرد المسلحين والمشتبه في تعاطفهم معهم مع عائلاتهم من مناطقهم، وتهديدهم بالقتل إذا عادوا إليها ثانية.
وقال الشيخ حسين سعيدون، زعيم إحدى القبائل، «يمكنهم الذهاب إلى أي مكان يريدونه، لكن ليس الى الاسحاقي، وإذا عادوا إليها سيتم قتلهم على الفور ».
وما بين زعماء القبائل ومسؤولين منتخبين وقادة قوات الأمن في الاسحاقي، كما في بلدات ومناطق عراقية أخرى، تتشكل ملامح عراق جديد بأفكار ديمقراطية جديدة، على الرغم من السيطرة الكبيرة لثقافة وعادات متوارثة منذ قرون، وكلها تبدأ بالقيام بواجب كرم الضيافة القبائلية العربية نحو كل زائر أو ضيف، لكنها تحقق عدالة تفوق المحاكم.
وقد شارك الكثير من زعماء هذه العشائر في تشكيل مجالس الصحوة وفرقها، التي قاتلت الى جانب القوات الاميركية والبريطانية، ليكتشف الأميركيون تفوق القبائل في التأثير وقيادة عملية التغيير في مناطق الأرياف.
وقال الشيخ دالف الحالوب، زعيم احدى القبائل: «كنا قلقون من تدهور الامور وتفاقمها ثانية بسبب الانقسامات بين الاحزاب السياسية، ومن جانبنا لن نسمح للمشكلات الطائفية بالعودة».
وقد وقّع 60 من زعماء العشائر في الاسحاقي والقرى والبلدات المجاورة على اتفاقية تعطيهم سلطة محاربة الارهاب، وتوقيع العقوبات القاسية على المسلحين ومن يقدمون لهم المساعدة، إذ وقع عليها مسؤولون محليون وقادة قوات الامن، في اعتراف منهم بسلطات زعماء العشائر. وقد شهد الوضع الأمني في مختلف مناطق العراق تحسناً ملحوظاً في السنوات الاخيرة، رغم عمليات التفجير التي تتم بين حين وآخر. وقال عمدة بلدة الاسحاقي طه آمد: «لم نرد أن نترك مجالا للآخرين لكي يقولوا إن الفوضى عادت فور انسحاب الاميركيين».
وبلدة الاسحاقي كغيرها من البلدات العراقية التي كانت مزارع خضراء وخصبة تحولت الى مسرح لمعارك ومواجهات دامية، ويقول أهلها انهم عانوا الكثير وبشدة على ايدي المسلحين والقوات الاميركية على حد سواء.
ولم ينس اهل الاسحاقي المذبحة التي تعرضت لها بلدتهم على أيدي القوات الاميركية ،2006 وادت الى مقتل 10 أشخاص على الاقل، بينهم طفل لم يتجاوز الخامسة، لكن الولايات المتحدة دافعت بقوة عن تصرفات جنودها الذين دانهم بوضوح تحقيق للامم المتحدة، نشره موقع ويكيليكس العام الماضي. وقال إن هناك دليلاً على أنه تم قتل المواطنين العراقيين، بعد تقييدهم من ايديهم، في حين قالت الحكومة العراقية أكثر من مرة إن التحقيق لايزال مستمراً. وعلى سبيل التعويض عما لحق بها من دمار وخسائر بشرية من الاميركيين، على ما يبدو، استفادت البلدة من بناء 10 مدارس ومستشفى ومعامل لتنقية المياه وطرق بمواصفات حديثة.
وقال رئيس مجلس الاسحاقي راشد الشاطر، إن البلدة توسعت، وتم بناء منازل حديثة عوضاً عن تلك التي دمرتها القوات الاميركية، وأن البلدة تستفيد من خدمات الكهرباء أربع ساعات يومياً، وان الارض الزراعية الخصبة للبلدة التي تمتد لتصل إلى ضفاف دجلة اصبحت مهملة وقاحلة. وكانت مزرعة الشاطر العامرة بالحمضيات والفواكه بين عامي 2006-2008 بؤرة خطر شديد، لان المسلحين الذين يستهدفون القوات الاميركية كانوا يختبئون فيها.
ويضيف الشاطر أن الاوضاع الاقتصادية في البلدة والقرى والبلدان المجاورة لها لاتزال ضعيفة ولم تعد كما ما كانت عليه قبل غزو العراق، وان معدل البطالة مرتفع، وانه ضمن الاتفاق الذي تم التوقيع عليه من المسؤولين المحليين وشويخ القبائل تعهد المسؤولون بتوفير المزيد من الوظائف وفرص العمل، لان «الجوع والفقر يدفعان اي شخص الى عمل اي شيء».
وتوضح حكاية بلدة الاسحاقي حقيقة ثابتة في العراق عبر العصور المختلفة، مهما تعاقب الحكام، وهي ان هويته وثقافته كانت وستبقى قبائلية عشائرية متجذرة. وقال الشيخ علي رحيم زعيم احدى القبائل «جاء الاحتلال وغزا العراق جالبا معه هؤلاء السياسيين من إيران وتغير كل شيء، لكننا لم نتغير، فلدينا مزارعنا وحقولنا، ولانزال نعمل ما كنا نعمله منذ سنين طويلة وعلى مدى أجيال».