استمرار إطلاق النار لم يمنع الشعب السوري من الخروج في تظاهرات تطالب بإسقاط النظام. رويترز

الأسد لن يـستطيع مراوغة أنان طويلاً

يعد انتشار مراقبي الأمم المتحدة في سورية ـ جزءاً من خطة مبعوث الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية إلى سورية، كوفي أنان ـ خطوة بناءة للأمام، إلا أن الرئيس السوري، بشار الأسد لم يزل الشخص الوحيد الذي يملي معظم الشروط الخاصة بتلك الخطة، ولكن مع مزيد من العمل الدولي الخلاق فإنه لن يستطيع أن يفعل ذلك على المدى المتوسط أو الطويل.

ولم يستطع مجلس الأمن الدولي، الذي اتخذ تلك الخطوة بالإجماع، الوصول الى تلك الخطوة الا عندما اضطر للانخراط في «رقص سياسي» مع الأسد، الذي استمر في وضع معظم الشروط، على المدى القصير على الأقل.

ومع الإشادة بأي خطوة من شأنها إنهاء أعمال القتل في سورية، فإنه من السذاجة بمكان ان نعتقد ان المراقبين ـ حتى ولو وصل تعدادهم في المستقبل الى 250 مراقباً كما هو مخطط له ـ سيشكلون انتصاراً تستطيع الأسرة الدولية من خلاله تحجيم الأسد أو إقصاءه عن السلطة.

وبسماحه للمراقبين الدوليين الدخول للأراضي السورية، فقد قبل الأسد ما بدا في اول الأمر انه تراجع او نكسة سياسية له، الا أن الأسد يعتقد ان مثل هذه الخطوة ستجعله اكثر اهمية لمستقبل السوريين، وتزيد من فرص بقائه على رأس السلطة شخصياً وسياسياً، وانه يستطيع استغلال هذا التطور ليجعل نفسه عاملاً محورياً لمستقبل العملية السياسية في سورية، وكلما كسب الأسد مزيداً من الوقت والخيارات تزداد فرصه للبقاء شخصياً وسياسياً. وعلى سبيل المثال، فعلى الرغم من قبول الأسد بمراقبين يشك في مدى حيادية دولهم، إلا أنه يستطيع ان يقرر الى أي مكان يذهبون وإلى متى يبقون على الأراضي السورية، ويستطيع وحده ان يقرر، على الأقل في الوقت الراهن، ما اذا كان يرغب او لا يرغب في اجراء مفاوضات مع أي من قوى المعارضة.

وتعرضت خطة الأمم المتحدة هذه الى السخرية والانتقاد الحاد بسبب قصف الأسد المتواصل للمدن قبل وصول المراقبين، في الوقت الذي وافق فيه الروس ـ الحليف الرئيس للأسد ـ على قيام مجلس الأمن بعمل محدود في سورية. ومن اجل ضمان موافقة روسيا خففت الدول الغربية تقريباً كل المطالب الأساسية المطلوب من الأسد الوفاء بها، عدا المراقبين.

غير أن وجود المراقبين يعد في حد ذاته أمراً ذا جدوى لاطلاعهم بتوثيق مجريات الأحداث، لاسيما أن مطالبهم المتكررة لجميع الفرق المتقاتلة بالكف عن أعمال معينة، من شأنه أن يقلل كثيراً من ضحايا الصراع، ويستطيع المراقبون ان يحدثوا أول ثقب صغير في باب البطش الموصد.

التحدي الذي يواجه أنان وحلفاؤه في الوقت الراهن هو كيفية اكساب هذه الافتتاحية زخماً من اجل زيادة فرص تخفيض حجم العنف، وإغلاق خروقات وقف اطلاق النار، ولزيادة القيود على تحركات قوات الأسد.

ومن اجل المساعدة على تحقيق هذه الغاية ينبغي على الأمم المتحدة والدول الأعضاء دفع الأسد لقبول المزيد من المطالب، والضغط عليه للتعاون مع جميع مقتضيات خطة أنان، وعلى الدبلوماسيين الآخرين ان يحذو حذو السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، سوزان رايس، التي شنعت وعنفت بقوة رفض الأسد لالتزاماته الإنسانية.

وينبغي ان يتم عرض احدث التقارير الشجاعة لمنظمة «هيومان رايتس ووتش» لحقوق الإنسان، الذي يوثق عشرات الإعدامات التي تمت خارج نطاق القانون في مارس الماضي، في سورية، على المزيد من افراد الأسرة الدولية، وان يتم توجيه نداء عالمي لمحكمة الجنايات الدولية لصياغة لائحة دعوى ضد قادة قوات الشرطة والجيش الذين قادوا هذه الأعمال الإجرامية.

أي مبادرة اخرى في هذا الشأن عليها ان تستغل العوامل الناشئة التي تساعد في الوقت الراهن على تدمير تكتيكات الأسد، على سبيل المثال ينبغي ان يشجع وجود المراقبين الجامعة العربية على تضييق النطاق السياسي والعسكري الذي يتحرك فيه الأسد.

كما ان أي وقف مؤقت لإطلاق النار من شأنه ان يشجع الجنود السوريين على الهرب من الخدمة العسكرية.

وبينت الاحتجاجات التي عمت المدن السورية، عقب صلاة الجمعة الماضية، للأسد مدى كلفة وقف اطلاق النار من جانب الحكومة حتى ولو كان محدوداً، فعلى الرغم من انتصارات الأسد الوحشية لم يخشَ الشعب السوري الخروج مرة اخرى للشوارع للاحتجاج في اعداد هائلة، خصوصاً اذا افترضوا او (أملوا) في ان الحكومة لن تطلق عليهم النار.

ولا شك في ان اعدادهم ستتزايد واعمالهم ستصبح اكثر جسارة كل جمعة، ولدى تشييع أي جثمان من ضحايا اعمال العنف، وعليه ينبغي ان يؤكد أنان والمراقبون على ضرورة حق التظاهر السلمي واللجوء الى الحوار السياسي مع المعارضة. وان يستمر أنان والولايات المتحدة والآخرون في التحاور مع روسيا، فعلى الرغم من مساندتها الشفهية للأسد هناك اشارات إلى ان صبر روسيا بدأ ينفد، كما أن الأسد يفضل الفوضى لاتخاذها مبرراً لمحاربة «الإرهابيين»، وان وجوده يعد ضماناً لمستقبل البلاد، الا ان روسيا تخشى مثل هذه الفوضى ومردوداتها الإقليمية وهذا من شأنه ان يفتح المجال امام مختلف الاستراتيجيات حول سورية.

والى الآن استطاع الأسد مواجهة أي خطوة الى الأمام اتخذتها الجهات الخارجية من اجل انهاء العنف في سورية، ولكن كما هي الحال مع الطغاة فإن ثقة الأسد الزائدة بنفسه وخطأه في الحسابات، سيجعلانه يرضخ في النهاية.

وعلى الجهات الخارجية ان تعمل على التعجيل للوصول الى هذه النهاية، من خلال اغلاق أي مساحة صغيرة يستطيع الأسد من خلالها المناورة، وفي الوقت الراهن يستطيع ان يتجاوز المعوقات التي سيضعها امامه مراقبو الأمم المتحدة، لكن مع المزيد من الأعمال الدولية المركزة والخلاقة لدعم المراقبين وخطة انان، فإن الأسد لن يستطيع القيام بذلك على المدى المتوسط أو الطويل.

جورج أ. لوبيز - أستاذ دراسات السلام في جامعة نوتردام

الأكثر مشاركة