يعملون على الحدود التركية بعد اقتحام الجيش بلداتهم

أطباء يكافحون لإدخال مساعدات طبية إلى سورية

صبي سوري يساعد في إنزال المساعدات الطبيّة من شاحنة بإقليم هاتاي التركي. رويترز

حين داهم الجيش السوري بلدته لقمع الاحتجاجات، علم الطبيب عمر، جراح العظام أنه سرعان ما ستكتشف قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد مستشفاه الميداني. وطوال أربعة أيام اختبأ عمر داخل المستشفى المؤقت في مدينة إدلب في الشمال وواصل علاج مرضى ومصابين بمساعدة آخرين، ولكن مع اقتراب القوات فر إلى تركيا.

ويقول عمر «المجيء إلى هنا لم يكن طوعياً، بل اضطررت لذلك. جاء الجيش إلى إدلب. واصلنا العمل إلى ان اقتربوا منا كثيراً وعملنا حتى اللحظة الاخيرة». ولم يذكر عمر (28 عاماً) اسمه بالكامل لأن له اقارب داخل سورية. ومن داخل شقة صغيرة من دون نوافذ في الطابق السفلي بإقليم هاتاي الجنوبي على بعد مئات الأمتار من الحدود السورية يجمع عمر العقاقير والامدادات الطبية من انحاء تركيا ويهربها لرفاق داخل سورية.

ويباشر تجمع لأطباء سوريين في الخارج هذه العملية المنظمة ويشارك فيها 60 مهرباً، وهي ضمن شبكة ضخمة من خطوط الامداد غير الرسمية عبر الحدود السورية، وهي شريان الحياة لمن حوصروا وسط أعمال العنف.

ويضيف عمر «يحتاجون إلى كل شيء. جميع امداداتهم دمرت. دمر جيش الاسد أربعة من مخازننا وأربعة مستشفيات ميدانية. هذا فقط في منطقتنا. يدمرون غيرها في كل مكان».

وتأتي التبرعات أساسا من أطباء سوريين يقيمون في دول الخليج أو في أوروبا وتتفاوت المبالغ بدرجة كبيرة. ويؤكد عمر أنه تلقى ربع مليون دولار في شهر واحد و50 الف دولار فقط في الشهر التالي. وفي الشهر الماضي بلغت التبرعات 30 ألف دولار.

ويستخدم المال لشراء عقاقير ومستلزمات طبية تراوح بين المضادات الحيوية والضمادات ومن المحاقن إلى اجهزة التخدير الكبيرة. وتغلف الامدادات وتهرب على الأقدام او على ظهور الحمير او الدراجات النارية حسب الوجهة التي تذهب إليها.

وفي الغرف الثلاث الصغيرة تخزن صناديق الأدوية والضمادات والشاش بعناية على أرفف تصل لسقف القبو المنخفض، ويحفظها باردة جهاز تكييف مثبت على الحائط. ويشير عمر إلى كتابة بالعربية على صناديق الأدوية ويبتسم. ويقول إنها جميعاً من سورية. ويضيف «إن شراء الادوية من داخل سورية كانت فكرتي. اعتقد الجميع انني مجنون».

ويمكن شراء الأدوية بكميات كبيرة من سورية بعشر ثمنها في تركيا، لكنها لاتزال بعيدة المنال لعدد كبير من السوريين الذين افقرتهم الاضطرابات أو يعجزون عن التوجه شخصيا لشرائها. وتهرب الادوية إلى تركيا ثم تعاد تعبئتها في صناديق اصغر وتعاد مرة اخرى عبر الحدود.

ويقول «نوفر الكثير من المال». ومع تراجع الامدادات داخل سورية يقدر عمر انه لم يتبق امامه سوى شهر واحد كي يتحول لمنتجات اجنبية بالكامل.

وذكر عمر أن الادوية المتخصصة والأدوات الطبية تأتي من داخل تركيا وغالباً بخصم، ويشير إلى أن شركة في أنقرة قدمت معدات طبية مجاناً حين ادركت وجهتها. ويقول «إذا كان لدينا المال نستطيع ان نحصل على ما نريد. ساعدتنا الحكومة التركية كثيراً. لا يحاولون تقييد عملنا وجميعنا هنا بشكل قانوني. توجد لوائح هنا ولكن يساعدوننا ونقدر ذلك».

وبين دقيقة وأخرى يقطع حديث عمر اتصال على الهاتف المحمول في غرفة أخرى أو سيل من الزائرين يستقبلهم بعناق حار وقبلة على كل وجنة.

ولايزال عمر يبدو شاباً بشعره الاسود الاملس ونظارته الشمسية الغالية وابتسامته الودودة ولكن الاشهر الـ15 الاخيرة منذ اندلاع الانتفاضة في مسقط رأسه اثرت فيه. وكان عمر يخضع لاختبارات من اجل الدراسة في الولايات المتحدة حين بدأت الاحتجاجات. وفر من سورية حتى دون ان يعود لداره لتوديع اسرته ومنذ ذلك الحين لم يعد إلا مرة واحدة لدفن قريب له من المقاتلين في صفوف المعارضة قتلته قوات الاسد. ويقول عمر ان عمره يساعده في التركيز على مهمته.

ويضيف «أنا اعزب وهذا لمصلحتي كي اقوم بمهمتي. ينبغي أن اكون حراً لست مضطراً للتفكير في زوجة أو اطفال. بعض اصدقائي هنا لديهم اطفال في سورية ويعيشون في قلق دائم». ويبدي عمر شعوراً متنامياً ومألوفاً بالإحباط تجاه المجتمع الدولي وتردده في مساعدته وآخرين في المعارضة السورية.

وتقول دول غربية إنها تدعم المعارضة بمساعدات غير الاسلحة الفتاكة. وذكر بعض المعارضين انهم حصلوا على أسلحة من متبرعين من الافراد في دول الخليج. وتصر حكومة الأسد على انها تقاتل «مجموعات ارهابية» مسلحة من الخارج.

ويقول عمر «نريد أن يساعدنا العالم، لكنه لم يفعل شيئاً. هذا يولد شعوراً سيئاً لدى السوريين ويمنح الاسد وقتاً اطول كي يقتلنا. يتحدثون فحسب. لا يوجد دعم طبي ولا دعم انساني مجرد كلام». ويضيف «مضى اكثر من عام الآن. لا نريد شيئاً. نفكر في انفسنا فقط الآن وأعتقد انهم يريدون بقاء الأسد».

تويتر