اغتيال بلعيد «أشرس» معارض لـ «النــهضة» التونسية يشعل الاحتجاجات
قتل بالرصاص معارض تونسي بارز أمام منزله، أمس، كما صرح لوكالة «فرانس برس» شقيقه عبدالمجيد بلعيد الذي اتهم زعيم حركة النهضة الاسلامية الحاكمة، راشد الغنوشي، بالوقوف وراء قتله.
وهو ما نفاه الأخير وحذر من ان قتلته يريدون جر تونس نحو «حمام دم»، وقطع الرئيس التونسي المنصف المرزوقي زيارته إلى فرنسا، وألغى زيارته إلى مصر للمشاركة في قمة التعاون الاسلامي، ودعا الى الحذر من الفتنة والعنف، وتعهد بمحاربة «أعداء الثورة»، فيما هددت المعارضة بالانتقام لمقتل بلعيد، الذي يصفه مراقبون بـ«أشرس» معارض للحركة، وإن لم تحدد ما تعنيه بذلك، وقالت مايا جريبي الامين العام للحزب الجمهوري العلماني، إن المعارضة ستتخذ قرارات تاريخية رداً على هذا العمل الجبان، وهاجم آلاف المتظاهرين مقار حركة النهضة، بينما لجأت قوات الأمن إلى استخدام الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع لتفريق المحتجين في عدد من مدن البلاد.
وتفصيلاً، قال عبدالمجيد، شقيق بلعيد، لـ«فرانس برس»: «تم اغتيال شقيقي، انني يائس ومنهار». وأضاف «تباً لكل حركة النهضة. اتهم راشد الغنوشي باغتيال اخي». لكن امين عام حركة النهضة الذي يترأس الحكومة، حمادي الجبالي، اعتبر اغتيال بلعيد «عملا إرهابيا واجراميا» يستهدف «تونس كلها وثورتها»، وقال «مقتل بلعيد هو اغتيال سياسي واغتيال للثورة التونسية، من قتله يريد اسكات صوته وقتل آمال التونسيين»، داعيا التونسيين الى تجنب «السقوط في فخ العنف والعنف المضاد».
ورأى أن «المجرمين يريدون وضع تونس في مسار خطير هو مسار العنف وردود الافعال»، موجهاً «دعوة ملحة الى كل الاطراف السياسية في تونس للتحلي بالحكمة والهدوء، كي لا نسقط في الفخ وهو فخ العنف والعنف المضاد». وأضاف «يجب أن نتراص ونتوحد كي لا يأخذ الوضع هذا المنعرج الخطر».
ووعد الجبالي بأن تقوم الحكومة بالقاء القبض على «المجرم» الذي قتل شكري بلعيد، وتوضح للشعب «ما الاهداف الخسيسة والغاية من هذه الجريمة».
وقال الجبالي في تصريح اذاعة «موزاييك اف ام الخاصة» إن رجلاً يرتدي «قشابية» (معطف تقليدي تونسي) أطلق «عن قرب» ثلاث رصاصات على بلعيد.
كما أعلن رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، أن الحزب ليس له صلة بقتل المعارض السياسي العلماني البارز. وقال لـ«رويترز» في مقابلة إن الحزب بريء تماماً من اغتيال بلعيد، مضيفاً أن من المستحيل أن يقدم الحزب الحاكم على مثل هذا الاغتيال الذي سيعطل الاستثمارات والسياحة. وألقى باللوم في ذلك على من يسعون إلى اخراج تونس عن مسار الانتقال الديمقراطي بعد الانتفاضة الشعبية عام 2011. وصرح بأن تونس تمر اليوم بأكبر أزمة سياسية منذ الثورة، مطالباً بضرورة التزام الهدوء، وعدم السقوط في دوامة العنف، مضيفاً أن تونس بحاجة إلى الوحدة أكثر من أي وقت مضى.
وأعربت الرئاسة التونسية عن «بالغ صدمتها» من «اغتيال الوجه الحقوقي والسياسي المرحوم شكري بلعيد»، داعية التونسيين الى «التنبه الى مخاطر الفتنة» و«ضبط النفس». وقالت في بيان إنها «تدعو الجميع الى تحكيم العقل وضبط النفس والتروي في تحليل هذه الجريمة النكراء والفعلة الجبانة ونسبة المسؤولية عنها إلى جهة أو أخرى».
وقال المرزوقي في كلمة له، أمس، امام البرلمان الاوروبي في ستراسبورج «سنستمر في محاربة أعداء الثورة». وقال إنه سيحارب من يعارضون الانتقال السياسي في تونس.
وقال وزير الداخلية التونسي علي لعريض، إن شخصين نفّذا عملية الاغتيال. وأشار إلى أن «مسلّحاً اقترب من شكري بلعيد عندما كان يستعد لركوب سيارته، وأطلق عليه طلقات نارية عدة، ثم لاذ بالفرار على متن دراجة نارية يقودها شخص آخر كان بانتظاره». ولم يوضح وزير الداخلية التونسية الجهة التي ينتمي إليه المهاجمان، فيما أعلن الطبيب الذي أشرف على معاينة جثة بلعيد أن أربع رصاصات أصابته في أماكن مختلفة من جسده. وحذر وزير الداخلية التونسي من تبعات هذه الجريمة، ولم يستبعد أن تكون أسبابها مرتبطة بـ«الغلو الديني».
ومع انتشار نبأ مقتل بلعيد تعرضت مقار حركة النهضة في مدن سيدي بوزيد، وقفصة وصفاقس، والقيروان، وباجة، والمنستير، لعمليات حرق وتخريب، قام بها متظاهرون خرجوا إلى الشوارع بشكل عفوي عقب الإعلان عن اغتيال بلعيد.
وتدفق أكثر من 1000 تونسي على الشارع الرئيس بالعاصمة قرب وزارة الداخلية، احتجاجاً على مقتل المعارض العلماني البارز، وأطلقوا شعارات ضد الحكومة التي يقودها إسلاميون. وهتف المتظاهرون «عار عار شكري مات بالنار»، و«اين انت يا حكومة»، ورددوا شعار «الحكومة يجب أن تسقط»، و«ارحلوا».
كما نزل المحتجون أيضاً الى شوارع بلدة سيدي بوزيد التي فجرت الانتفاضة حين أشعل الطالب الجامعي العاطل محمد البوعزيزي النار في نفسه يأساً، بعد ان صادرت الشرطة عربته التي يبيع عليها الفاكهة من دون تصريح، ما فجر الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بالرئيس.
وقال مهدي هورشاني، أحد سكان سيدي بوزيد، إن «أكثر من 4000 يحتجون الآن ويحرقون إطارات السيارات ويلقون الحجارة على الشرطة. هناك غضب كبير».
ودعت أحزاب سياسية تونسية والتحالف اليساري الجبهة الشعبية إلى إضراب عام في البلاد، وإلى تعليق عضوية كل نواب المعارضة بالمجلس التأسيسي، احتجاجاً على اغتيال بلعيد.
وتتهم المعارضة العلمانية حزب النهضة بالتقرب بدرجة كبيرة الى جماعات سلفية متشددة، بينما يشكو سلفيون من ان النهضة لا تحمي قيم الاسلام. وينفي الحزب الحاكم تلك الاتهامات.
وكان بلعيد الذي لفظ أنفاسه الاخيرة في المستشفى، بعد أن اطلق عليه الرصاص امام بيته، عضواً بارزاً في حزب الجبهة الشعبية المعارض. وكان، وهو محام وناشط مدافع عن حقوق الإنسان، منتقداً للحكومة التونسية، ويتهمها بانها لعبة في أيدي حكام قطر، وهو ما تنفيه حكومة الجبالي.
وقال زياد لخضر القيادي البارز في حزب الجبهة الشعبية إن بلعيد قتل بإطلاق أربع رصاصات على الرأس والصدر، وإن الأطباء أبلغوا رفاقه بأنه مات، واستطرد «هذا يوم حزين لتونس». وأكدت مصادر أخرى في الحزب موته.