عودة التوتر في القاهـرة وبورسعـيد بعد تثبيت حكم «المذبحة»
احتدم الوضع من جديد في القاهرة وبورسعيد (شمال) اثر صدور أحكام قضائية، أمس، بالسجن على المتهمين في قضية «مذبحة بورسعيد» العام الماضي، وأُكدت أحكام بالإعدام صدرت في يناير الماضي، وقتل متظاهران في اشتباكات مع الشرطة قرب ميدان التحرير، أحدهما بـ«أزمة تنفسية» جراء استنشاق الغاز المسيل للدموع، والثاني بطلقة خرطوش، فيما قطع عدد كبير من مشجعي «ألتراس أهلاوي» مترو الأنفاق وجسرين وسط القاهرة، احتجاجاً على عدم الحُكم بإعدام قادة أمنيين يعتبرونهم «ضالعين بالتحريض» على قتل رفاقهم، فيما قالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن وزارة الداخلية أعلنت رفع درجة الطوارئ في محافظتي شمال وجنوب سيناء، تحسباً لهجمات جهاديين مسلحين، وحذَّرت من أنها ستتعامل بحزم مع أي اعتداءات تتعرض لها قوات الأمن والمنشآت العامة والخاصة في البلاد.
وتفصيلاً، قام مئات من مشجعي النادي الأهلي (ألتراس أهلاوي)، بقطع خط مترو الأنفاق بمحطة السادات أسفل ميدان التحرير بوسط القاهرة، ما تسبّب في تعطّل حركة قطارات المترو، فيما قام مئات آخرون بقطع كوبري (جسر) قصر النيل وجسر «6 أكتوبر»، بالتزامن مع تظاهر مجموعة أخرى أمام دار القضاء العالي، فتعطلت حركة المرور بوسط القاهرة. وردَّدت رابطة «الألتراس» هتافات وشتائم ضد الشرطة، فيما تحلِّق طائرة تابعة لوزارة الداخلية فوق مناطق وسط القاهرة حيث ينتشر محتجو «الألتراس».
وكان عدد كبير من «الألتراس» أضرموا النار، في وقت سابق أمس، بمبنى الاتحاد المصري لكرة القدم، وقامت قوات الإطفاء بمحاولة السيطرة على الحريق الذي اندلع بعد رشق المبنى بزجاجات المولوتوف الحارقة. وقد أتت النيران على معظم المبنى الواقع بمنطقة «الجزيرة» في وسط القاهرة، ودمّرت محتوياته، فيما يتردَّد في الأوساط الرياضية أن هناك اتجاهاً لوقف مباريات الدوري العام لكرة القدم التي تجري للموسم الحالي، من دون جماهير، تمهيداً لتأجيل المسابقة أو إلغائها.
وكان عدد كبير من «الألتراس» أضرموا، أمس، النار في أحد جوانب نادي ضباط الشرطة بمنطقة الجزيرة في وسط القاهرة.
وقال أحد أعضاء «ألتراس أهلاوي» لوكالة «فرانس برس» «في البداية كنا سعداء عندما سمعنا 21 حكماً بالإعدام، واحتفلنا بذلك، ولم نكن قد انتبهنا إلى بقية الحكم». وأضاف «عندما عرفنا بقية الحكم غضبنا بشدة».
وفي بورسعيد، المطلة على قناة السويس بشمال شرق مصر، أوقف مئات المتظاهرين حركة العبارات الصغيرة التي تنقل السكان إلى الضفة الأخرى للقناة احتجاجاً على تأكيد احكام الإعدام التي صدرت بحق 21 من ابناء المدينة. وأشعل المتظاهرون النيران في إطارات السيارات ورفعوا لافتات كتب عليها «الاستقلال لبورسعيد» وهتفوا ضد الأحكام الصادرة «باطل.. باطل».
ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن المتحدث الرسمي باسم هيئة قناة السويس، طارق حسنين، تأكيده «انتظام حركة الملاحة بالمجرى الملاحي لقناة السويس وعبور السفن للقناة بشكل آمن تماماً اليوم».
وقال مصدر حقوقي في بورسعيد إن مئات الأشخاص حطموا واجهة النادي المصري للألعاب الرياضية، وقطعوا شارع 23 يوليو المجاور للنادي، احتجاجاً على تثبيت الحكم. وأضاف أن المحتجين أضرموا النار في إطارات سيارات على الطريق المؤدي إلى مرسى المعديات بالقرب من المرفأ، فيما نجحت عناصر من الجيش في إقناعهم بفتح الطريق.
وقال مشجعون لفريق النادي المصري البورسعيدي، الذي كان الطرف الآخر في المباراة، إن الأحكام سياسية لصدورها تحت ضغط «ألتراس أهلاوي». وقال النائب المخضرم عن بورسعيد، البدري فرغلي، لقناة «الجزيرة مباشر مصر» «نرى أن هذا الحكم سياسي وليس قضائياً أو قانونياً»، وأضاف أن المدينة «يقدمونها ضحية وقرباناً، لن نكون فريسة لأي أحد مهما كان».
ومن حق المحكوم عليهم أن يطعنوا على الحكم أمام محكمة النقض طالبين إلغاءه. ولمحكمة النقض أن ترفض الطعن أو تقبله، وإذا قبلته تحيل الأوراق إلى دائرة أخرى في محكمة جنايات بورسعيد. ومن حق النيابة العامة أن تطعن على الحكم بالنسبة لمن لم تنزل بهم العقوبات التي طلبتها خلال المرافعات. وتنظر محكمة النقض في صحة تطبيق مواد القانون على وقائع القضية.
ويمكن الطعن مرة ثانية أمام محكمة النقض، وفي هذه الحالة تفصل المحكمة في القضية بنفسها من خلال النظر أيضاً في موضوعها.
وأكدت محكمة الجنايات المصرية أحكام الإعدام التي سبق ان قررتها ضد 21 شخصاً يحاكمون في هذه القضية التي يشمل قرار الاتهام فيها 73 شخصاً. ومن بين الـ52 متهماً الباقين، قضت المحكمة بالسجن لمدد تراوح بين سنة و25 عاماً على 24 متهماً من بينهم اثنان من رجال الشرطة. اما المتهمون الـ28 الآخرين، ومن بينهم سبعة من رجال الشرطة، فقضت المحكمة ببراءتهم.
وتعرف هذه المحاكمة في مصر بـ«قضية مذبحة بورسعيد» في إشارة إلى مأساة شهدها استاد المدينة عقب مباراة كرة قدم بين فريقي الأهلي القاهري والمصري البورسعيدي، وأوقعت 74 قتيلاً من بينهم 72 من «ألتراس أهلاوي». وجرت وقائع هذه المأساة بعد انتهاء المباراة بفوز المصري، الذي قام مئات من مشجعيه باقتحام المدرجات المخصصة لمشجعي الأهلي واعتدوا عليهم.
من جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة، إيهاب فهمي، إن مؤسسة الرئاسة ليست بصدد التعليق على حكم المحكمة الصادر بشأن مذبحة بورسعيد، مؤكداً أن أحكام القضاء ملزمة ويجب احترامها، وأشار إلى أنه يجب التمييز بين حق المواطن فى التظاهر السلمي وبين اعمال التخريب والعنف «التي تضع مرتكبها تحت طائلة القانون». وقال إن مصر دولة يحكمها القانون وأي أعمال شغب أو تخريب يجري التحقيق بشأنها، وإن من يخرج عن القانون، مع وجود أدلة تثبت إدانته، يخضع لطائلته.
ووجهت اتهامات للشرطة بالتورط في هذه المأساة بسبب عدم تدخلها لمنعها. وقالت «حركة 6 ابريل» الشبابية الاحتجاجية ان «هذا الحكم لم يطل الفاعلين الحقيقيين للجريمة، وهم قيادات (الداخلية) وأعضاء المجلس العسكري» السابق، الذي كان يتولى السلطة في البلاد عندما وقعت المأساة، واضافت أن «المحاكمة تمت بنظرية كبش الفداء، وعدم محاكمة المحركين والمسؤولين الفعليين عن مجزرة بورسعيد».