«التأسيسي» التونسي يمنح الثقة للحكومة
حصلت الحكومة التونسية الجديدة، برئاسة علي العريض، على ثقة المجلس التأسيسي (البرلمان)، أمس، وقبل ساعتين من نيل الثقة أُعلن عن وفاة شاب عاطل عن العمل احرق نفسه، أول من أمس، في شارع الحبيب بورقيبة الرئيس بالعاصمة احتجاجاً على ظروف معيشته في آخر حادثة تعكس التوتر الاجتماعي في البلاد، وقال العريض تعليقا على هذه الحادثة ان «الرسالة وصلتنا»، بينما دعا الرئيس، المنصف المرزوقي، العاطلين عن العمل في بلاده الى عدم اليأس.
وتفصيلاً، وفي جلسة تم بثها على التلفزيون مباشرة، حصلت الحكومة التونسية برئاسة القيادي بحركة النهضة الاسلامية الحاكمة، علي العريض، على ثقة المجلس الوطني التأسيسي بعد مصادقة 139 من اجمالي 217 من النواب عليها، وصوت 45 بلا و13 احتفظوا بأصواتهم خلال جلسة عامة حضرها 197 نائبا فقط. وهذه ثاني حكومة في تونس بعد انتخابات 23 اكتوبر 2011 التي فازت فيها النهضة، والخامسة منذ الاطاحة مطلع 2011 بنظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
وتضم حكومة علي العريض ممثلين عن ثلاثة احزاب هي النهضة، و«المؤتمر» و«التكتل» شريكاها العلمانيان في الائتلاف الحكومي الثلاثي الذي تشكل بعد انتخابات 2011، اضافة الى مستقلين. وتم اسناد الحقائب الوزارية السيادية (الدفاع والداخلية والعدل والخارجية) في الحكومة الجديدة الى مستقلين.
حيث عين العريض الدبلوماسي المخضرم عثمان الجرندي للخارجية والقاضي رشيد الصباغ للدفاع، بينما حافظ الياس فخفاخ من حزب التكتل على منصبه وزيراً للمالية في خطوة تخفف سيطرة الاسلاميين على الحكومة المقبلة.
والجرندي دبلوماسي مخضرم عمل في الامم المتحدة على رأس البعثة الدائمة لتونس وشغل منصب سفير البلاد في عمان وباكستان وكوريا الجنوبية ومعروف بعلاقاته المتميزة مع المسؤولين في الغرب.
اما وزير الداخلية لطفي بن جدو فقد شارك في التحقيق في قتل متظاهرين اثناء الانتفاضة التي اطاحت بالرئيس السابق بن علي في 2011، وفجرت ما يعرف بالربيع العربي.
من جانبه، قال المرزوقي بعد أداء أعضاء الحكومة الجديدة اليمين امامه في قصر قرطاج «اتوجه الى كل الشباب اليائسين المحبطين الذين نفد صبرهم ولا يرون بارقة أمل في الأفق، إلى هؤلاء الشباب أقول لا تيأسوا من رحمة الله أو من تعاطف شعبكم وحكومتكم هذه».
واضاف أن «احتفالنا بمراسم تعيين الحكومة الجديدة لا ينسينا فجيعتنا في فقدان أحد أبنائنا الأبرار هذا الفجر، بالكيفية المؤلمة المرعبة نفسها التي توفي بها شهيد ثورتنا (محمد البوعزيزي) وربما للأسباب نفسها، نتيجة فقدانه الأمل وانسداد الأفق في عيونه كغيره من شبابنا الذين لا يرون بصيص أمل لحل مشكلاتهم ومعاناتهم».
وتابع «أريد هنا أن اعبّر عن عميق حزني وألمي لهذه الفاجعة الأخيرة، وأريد أن أقدم لعائلة الفقيد وأصدقائه كل عبارات التعزية والمواساة النابعة من صميم القلب». ولفت إلى أن الحكومة «ليست لها عصا سحرية لمعالجة مشكلات الفقر والبطالة التي تراكمت أكثر من ثلاثة عقود من سياسة إجرامية بنيت على الفساد والتهميش والتضليل وإخفاء الحقائق، لكن لها ارادة فولاذية لمواجهة المشكلات والسير قدماً في الطريق الصعب الذي سيخرجنا من الوضع الحالي إلى أفضل وضع ممكن، وذلك بتضافر جهودنا جميعاً».
وقال مخاطباً أعضاء الحكومة الجديدة «أهيب بكم جميعاً عدم نسيان هذه المأساة، وكل ما سبقها، ليكون هاجسنا جميعاً عودة الأمل إلى الشعب والشباب».
من جانب آخر، قال المدير العام لمستشفى بن عروس (جنوب العاصمة)، عماد الطويبي، ان «عادل الخذري (27 عاماً) توفي (أمس) متأثراً بحروقه البليغة». وكان الخذري اضرم في نفسه النار، أول من أمس، امام مقر المسرح البلدي في شارع الحبيب بورقيبة الرئيس بالعاصمة تونس، في حادثة هي الاولى في هذا الشارع الذي يعتبر رمزاً للثورة التونسية التي اطاحت مطلع 2011 بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.
ونقلت مراسلة «فرانس برس» عن شهود عيان ان الشاب الذي كان يبيع السجائر، قال عندما اضرم في نفسه النار «هذا هو الشباب الذي يبيع السجائر، هذا ما تفعله البطالة، الله اكبر».
وأعلنت اذاعة «كلمة» التونسية الخاصة نقلاً عن خال الشاب ان الاخير كان يعاني مرضاً في المعدة وأنه طلب منذ اكثر من عام من السلطات منحه بطاقة علاج مجاني (تسند للفقراء) لتلقي العلاج في مستشفى حكومي، الا انه كان لايزال ينتظر الرد.
وقد تظاهر عشرات من الباعة الجائلين بعد ساعات على وفاة زميلهم، حيث تجمعوا في المكان نفسه الذي احرق فيه الخذري نفسه، مرددين هتافات ضد الحكومة، وطالبوا بإقالة والي تونس الذي اتهموه بتعطيل مشروع لبناء سوق منظم لنحو 500 بائع جائل في العاصمة.