جحيم «السكود» يطارد العائلات الحلبية
تجلس سامية على وسادة أخرجتها من الانقاض. كتلاً من الحجارة هي ما تبقى من منزلها في حي طريق الباب في شرق مدينة حلب شمال سورية، الذي اصيب الشهر الماضي بصاروخ «أرض أرض» يقول السكان انه من طراز «سكود».
منذ ذلك الحين، تعود هذه السيدة الخمسينية يومياً الى هذا المكان لتحول دون نهب ما تبقى من اغراضها تحت الركام. وتقول بمرارة «لم نتلق أي مساعدة انسانية، الوحيدون الذين قدموا لزيارتنا هم السارقون».
خلفها، يحمل بعض الرجال المعاول بأيديهم، مبعدين الاسمنت المتكسر في محاولة للعثور على اغراض مازالت صالحة للاستعمال تحت اطنان من الحجارة والقضبان الحديد التي تغطي شوارع حي طريق الباب الذي استهدف بصواريخ «أرض أرض» في 22 فبراير الماضي.
ويقول مصطفى، قريب سامية الذي يغطي الغبار الابيض وجهه وشعره، ان «الناس لا يملكون ما يأكلونه، فيأتون (الى هنا) لجمع الاغراض من المنازل المدمرة». وأفاد المرصد السوري لحقوق الانسان ان 14 شخصاً قتلوا واصيب العشرات جراء سقوط ثلاثة صواريخ «أرض أرض» على المنطقة.
ولحظة سقوط الصواريخ، سويت اربعة شوارع بالارض. وفي شعاع قطره 100 متر، يغيب اي اثر لمبنى مازال واقفاً على اساساته.
ولا يمكن لأواش (60 عاماً) ان تحبس دموعها وهي تعرف عن حفيدتها. وتقول «إنها مع اخوانها واخواتها الخمسة، باتت يتيمة الام منذ سقوط السكود». وتضيف وهي تمسح دموعها بحجابها الاسود «كنا في المنزل وهوى سقفه على رؤوسنا، منذ ذلك الحين لم يأت احد لمساعدتنا، ولم يقدم احد لنا ليرة (سورية). بقينا هنا نموت من الجوع ونعاني، كل هذا بسبب بشار الاسد». أمجد (10 اعوام) كان يقطن في المنزل المجاور، وبات حالياً مقيماً في خيمة خارج حلب العاصمة الاقتصادية للبلاد، التي تشهد منذ تسعة اشهر معارك عنيفة بين القوات النظامية ومقاتلي المعارضة الساعين الى اسقاط النظام.
ويستعرض امجد معاناته مع «البرد والشتاء والهواء»، متحدثاً عن شقيقه الذي مازال طفلاً صغيراً «ويعاني ارتفاعاً في الحرارة جراء الظروف التي نعيش فيها». وادت الصواريخ الى مقتل والد امجد الذي باتت عائلته بلا معيل، وتعتمد على المعونات التي تتلقاها من الجيران. من جهتها، لم تعد سامية تملك سوى خيمة تشكل ملجأ لها مع اولادها الثمانية وزوجها البالغ من العمر 70 عاماً.
وتقول «ليس في حوزتي سوى الرداء الذي ألبسه، لم يكن في امكاننا ان نحمل اي امر آخر معنا». وتضيف «لحسن الحظ ان الشمس عادت (مع بدء الربيع)، هي نورنا الوحيد». وتوضح ان ابنها الصغير قال لها في احد الايام «أمي، لا اريد ان آكل بعد الآن، افضل ان اموت، اكره هذه الحياة».
وعلى مقربة من سامية، يشير علي (25 عاماً) وهو اب لولدين، الى ما بقي من شاحنة حمراء اللون امام ركام منزله. ويقول «هذا ما تبقى من الشاحنة التي كنت استخدمها للعمل. فقدت كل شيء. لم يبق لنا شيء». في غضون ذلك، يعبر احد جيرانه الشارع. يشكو قائلاً «كنت محامياً، وها انا قد بت راعياً! هذا ما أصبحنا عليه. فقدت كل شيء بين ليلة وضحاها».