«العامل البرتقالي» يفتك بالفيتناميين طوال 30 عاماً بعد انتهاء الحرب
انتهت حرب فيتنام قبل عقود، ولايزال سكان هذا البلد يدفعون الثمن باهظاً. وقد يكون الفيتناميون تخلصوا من الألغام الأرضية التي زرعها الأميركيون أثناء الحرب، إلا أنهم باتوا عاجزين أمام هاجس مروع يفتك بصحة الأطفال والكبار، يتمثل في مادة سامة تدعى «العامل البرتقالي»، وهي مبيد استخدمه الجيش الأميركي أثناء حرب فيتنام كجزء من برنامج الحرب السامة في الستينات. وبلغ عدد القتلى أو المشوهين نحو نصف مليون، إضافة إلى العدد نفسه من الأطفال الذين ولدوا بعيوب خلقية.
وكان الأميركيون يخزنون هذا السم في مدينة دنانغ، التي أصبحت الآن ثالث أكبر مدينة في البلاد، وكانت الطائرات تفرغ «العامل البرتقالي» على الغابات التي يوجد فيها عناصر الجيش الشيوعي، ثم يعودون إلى مطار المدينة، وبعدها يقوم عمال القاعدة الجوية بتنظيف الطائرات وانتهى الماء الملوث في التربة لتيقى أثاره إلى الآن.
ويعتقد أن الجيش الأميركي سكب خلال 10 سنوات، ما لا يقل عن 80 مليون لتر على الأراضي الفيتنامية. وللتكفير عن الذنب تحاول الولايات المتحدة تطهير المناطق الملوثة من خلال برنامج تسهم فيه شركات أميركية متخصصة، في مسعى لوقف التأثيرات السلبية للمادة السامة، التي تعرض لها أربعة أجيال متعاقبة، واليوم يعاني نحو 5000 شخص تبعات التعرض لهذا السم.
غير بعيد عن دنانغ، تعيش عائلة فقيرة في كوخ صغير، وتتكون من السيدة نغوين تي (60 عاماً)، والأب تران كوانغ (65 عاماً)، وأبناؤهما الثلاثة. ولسوء حظ الزوجين تعرضا لبقايا المادة السامة عندما عملا في الغابة قبل سنوات، ونظرا لعجزهما عن سداد نفقات العلاج، فإن الابنة تران تي (30 عاماً) تكفلت بالسداد.
ويقول الأب «في عام 1971، سمعت ان الأميركيين سكبوا مواد كيماوية على المنطقة، يتعين عليهم دفع تعويضات مادية للضحايا».
أما نغوين فان دونغ (43 عاماً)، فقد عمل في الماضي بقسم تنظيف مجاري مطار دنانغ الذي كان مخزنا لـ«العامل البرتقالي»، فبعد أن أنجب طفلة سليمة، في عام 1995، عمل في المطار «الملوث»، وأنجب طفلة بعد خمس سنوات، أصيبت بمرض سرطان الدم (اللوكيميا)، وتوفيت في سن السابعة. أما الطفل الثالث ويدعى توان تو، فقد ولد في 2006، مشوها ولا يستطيع الحركة، وهو مصاب أيضا بمرض نادر يسمى «العظام الزجاجية»، ما يجعله ضعيف البنية وعظامه سريعة الكسر.
ويقول دونغ «عندما توفيت ابنتي اعتقدت أنه القدر فحسب، ولكن عندما ولد ابني مشوها أدركت أن الأمور ليست على ما يرام». ويضيف «في عام 1996، عندما بدأت العمل بالمطار لم يكن أحد يعلم أن المنطقة ملوثة».
في مكتبه بالعاصمة هانوي، يبدو الجنرال المتقاعد، نغوين فان رينه (71 عاماً)، مهموما، فقد أوكلت له رئاسة جمعية ضحايا «العامل البرتقالي»، وأنهى العسكري السابق مشواره المهني في وزارة الدفاع، ويقول «في الستينات، رأيت بأم عيني الطائرات والمروحيات الأميركية وهي تفرغ كميات كبيرة من المواد الكيماوية، والنتيجة أن الغابات دمرت بالكامل». وقامت السلطات في فيتنام بملاحقة الشركة الأميركية المصنعة للمادة السامة، مثل شركة «مانساتو» و«داو كيمكل»، ولكن لم تصل هذه المساعي لأي نتيجة. وفي 2005، قال القضاء الأميركي إن استخدام مبيدات سامة ضد المدنيين، لا يمكن اعتباره جريمة حرب، في الوقت الذي لم يتمكن فيه الفيتناميون من إثبات العلاقة بين التعرض للمادة السامة والأعراض الصحية والتشوهات، التي لحقت بالكثير ممن تسمموا بـ«العامل البرتقالي».
وفي المقابل، دفعت الولايات المتحدة تعويضات تقدر بالمليارات لجنودها الذين تعرضوا للمادة السامة، أثناء وجودهم في فيتنام أو خلال نقل المادة إلى هناك. ويقول الجنرال فان رينه «خلال ثلاثة عقود، أنكر الأميركيون جرائمهم، وهاهم الآن يفعلون شيئا، لقد تأخروا كثيرا». ويضيف «أن تفعل شيئا متأخرا خير من ألا تفعله أبداً».