تحالف أميركي فرنسـي لتحـرك عسـكـــري ضد سورية
تزايد احتمال تحرك أميركي فرنسي ضد سورية مع إعلان البيت الأبيض أن الرئيس باراك أوباما سيحسم قراره بهذا الشأن «وفقاً للمصالح الأميركية» بمعزل عن رفض مجلس العموم البريطاني أي ضربة عسكرية وعدم الحصول على تفويض من الأمم المتحدة.
فيما أعلن الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، أمس، عزمه على التحرك عسكرياً في سورية إلى جانب الأميركيين على الرغم من الرفض البريطاني في تصويت طغى عليه هاجس الخوف من تكرار السيناريو العراقي وشكل صفعة كبرى لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون الذي تعهد الاستمرار في الدعوة إلى رد قوي ضد النظام السوري. في حين أكدت موسكو، أنها ستعارض أي قرار في مجلس الأمن الدولي قد يبرر استعمال القوة في سورية، معتبرة أن تدخلاً عسكرياً في سورية سيوجه «ضربة خطيرة» للنظام العالمي.
وقال مساعدون لأوباما إن الرئيس على قناعة بأن سورية يجب ان تدفع الثمن لانتهاكها القوانين الدولية التي تحظر استخدام اسلحة كيماوية، وهو ما يشكل بنظره تهديداً خطيراً للأمن القومي الأميركي.
وتلقت المساعي الأميركية لتشكيل ائتلاف دولي لشن عمل عسكري «محدود» ضد النظام السوري ضربة قوية حين صوت مجلس العموم البريطاني في لندن ضد استخدام القوة لمعاقبة النظام السوري على هجوم كيماوي اتهم بشنه في 21 أغسطس في ريف دمشق موقعاً مئات القتلى.
وكان مسؤولون اميركيون أفادوا في وقت سابق بأن أوباما سيتحرك بشكل أحادي ان كان ذلك ضرورياً، لكن هذا الاحتمال أصبح واقعاً مفروضاً عليه مع التصويت البريطاني الذي كان له وقع كبير عبر الأطلسي.
وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي كيتلين هايدن «لقد رأينا نتيجة التصويت في البرلمان البريطاني». وأضافت أن «الولايات المتحدة ستواصل التشاور مع الحكومة البريطانية، احد اقرب حلفائنا وأصدقائنا».
لكنها اكدت «كما سبق وقلنا، ان الرئيس اوباما سيتخذ قراره بناء على ما هو افضل لمصلحة الولايات المتحدة. انه يعتقد ان هناك مصالح اساسية للولايات المتحدة على المحك وأن الدول التي تنتهك القواعد الدولية المتعلقة بالأسلحة الكيماوية يجب أن تحاسب».
وبموازاة التصويت في لندن، قام مسؤولون كبار في الادارة الأميركية بمن فيهم وزيرا الخارجية جون كيري والدفاع تشاك هاغل بعرض الردود المحتملة على الهجوم في ريف دمشق على الكونغرس. ومن المرجح ان يتذرع البيت الابيض بأن التحرك المزمع ضد سورية سيكون «محدوداً» ما يغنيه عن الاستحصال على اذن من الكونغرس المخول بموجب الدستور اعطاء الضوء الأخضر لإعلان الحرب.
وقال مساعد المتحدث باسم البيت الابيض جوش ايرنست بهذا الصدد ان «الرئيس عليه أولاً ان يقدم حسابات إلى الأميركيين الذين انتخبوه لحمايتهم. والرئيس مقتنع بالكامل بأن التحديات المتعلقة بهذا الوضع تشمل اجراءات ضرورية لحماية مصالحنا الحيوية على صعيد الامن القومي».
بدورها أكدت مساعدة المتحدث باسم الخارجية ماري هارف «اننا نتخذ قراراتنا الخاصة تبعا لجدول زمني خاص بنا».
وأضافت ان «استخدام اسلحة كيماوية من قبل النظام السوري ضد شعبه يمثل وضعاً يهدد مصالح الامن القومي الاميركية. من مصلحتنا ألا يبقى هذا الاستخدام من دون رد». كذلك ألمحت ادارة اوباما إلى انها لا ترى ضرورة لانتظار تقرير المفتشين الدوليين الذين اجروا تحقيقات في موقع الهجوم الكيماوي المفترض في سورية.
وقال جوش ارنست إن هذا التقرير لن يغير كثيراً في موقف الرئيس أوباما، موضحاً ان «هؤلاء المفتشين التابعين للأمم المتحدة مهمتهم ليست تحديد من هو المسؤول عن استخدام هذه الاسلحة، بل فقط تقييم ما اذا كانت هذه الاسلحة قد استخدمت ام لا».
بموزاة ذلك، أعلن وزير الدفاع الأميركي، أمس، أن الولايات المتحدة لاتزال تسعى إلى تشكيل «تحالف دولي» للرد على الأسد. ورفض مجلس العموم البريطاني مساء أول من أمس، السماح للحكومة بتوجيه ضربة عسكرية إلى النظام السوري بأكثرية ضئيلة، اذ صوت ضدها 285 نائباً مقابل 272 أيدوها. وإذا كان نواب حزب العمال المعارض قد صوتوا ضد المذكرة فإن عدداً لا يستهان به من نواب حزب المحافظين بزعامة رئيس الوزراء، بلغ 30 نائباً، انضموا إلى هؤلاء وصوتوا ضد المذكرة الحكومية.
ولاحقا أقر وزير الدفاع فيليب هاموند بأن رئيس الوزراء اصيب بـ«خيبة امل»، مؤكدا ان نتيجة التصويتستكون لها حتما تداعيات على العلاقة المميزة» بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
وغداة رفض المجلس للتدخل في سورية تعهد كاميرون، أمس، الاستمرار في الدعوة إلى رد قوي ضد النظام السوري. وقال إنه «سيحترم ارادة البرلمان»، بعد فشله في مسعاه لإقناع النواب البريطانيين بدعم العمل العسكري في سورية، مبدياً أسفه لعدم تمكنه من حشد التأييد لموقف حكومته بشأن كيفية الرد على الهجوم المزعوم بالأسلحة الكيماوية في ريف دمشق الأسبوع الماضي.
وأصرّ على أن المملكة المتحدة «لاتزال منخرطة بقوة على المسرح العالمي، وتعتبر أن من المهم تكوين رد قوي على استخدام الأسلحة الكيماوية في سورية، وترى أن هناك سلسلة من الأشياء التي ستستمر في القيام بها».
وشدد على أهمية «التمسك بالمحرمات الدولية على استخدام الأسلحة الكيماوية»، مجدداً التأكيد على أنه لن يجيز استخدام القوات البريطانية من دون دعم النواب.
وفي باريس، أعلن الرئيس الفرنسي، عزمه على التحرك عسكرياً في سورية إلى جانب الاميركيين، على الرغم من الرفض البريطاني لتدخل عسكري محتمل، ما يجعل فرنسا في موقع غير مسبوق كحليفة رئيسة للولايات المتحدة.
ففي مقابلة نشرتها صحيفة «لوموند»، أمس، قال هولاند ان رفض مجلس العموم البريطاني المشاركة في عملية عسكرية ضد سورية لن يؤثر في موقف فرنسا الداعي إلى تحرك «متناسب وحازم» ضد دمشق.
ورأى أن «كل بلد سيد قراره في المشاركة او عدم المشاركة في عملية. وأن هذا ينطبق على بريطانيا كما على فرنسا».
وأضاف «سأجري محادثات معمقة مع باراك اوباما (اليوم) الجمعة». واستبعد الرئيس الفرنسي اي تدخل قبل مغادرة خبراء الامم المتحدة الذين يحققون في سورية في هجمات مفترضة بأسلحة كيماوية. لكنه لم يستبعد توجيه ضربات جوية إلى نظام دمشق قبل الاربعاء، اليوم الذي تعقد فيه الجمعية الوطنية الفرنسية اجتماعاً لمناقشة الموضوع السوري.
وهذا التحالف الهجومي الاميركي الفرنسي الذي لم تتصور باريس في البداية حدوثه يشكل «وضعاً غير مسبوق في الزمن المعاصر»، على قول المحلل برونو تيرتري الذي يعمل في مؤسسة الابحاث الاستراتيجية. ويأتي هذا التحالف لفرنسا مع الاميركيين بعد 10 سنوات من الازمة العراقية التي أدت إلى توتر لا سابق له بين واشنطن وباريس التي عارضت بشدة الغزو الأميركي البريطاني للعراق.
وقال تيرتري «نحن في وضع عكس الوضع الذي كان في 2003 تماماً». وأضاف ان «الولايات المتحدة لا تحتاج لأحد على الصعيد العسكري. لكن من المهم جدا لهم الا يكونوا وحيدين على الصعيد السياسي».
في سياق متصل، أكدت موسكو، أمس، أنها ستعارض أي قرار في مجلس الأمن الدولي قد يبرر استعمال القوة في سورية. ونقلت وكالة (إيترتاس) عن نائب وزير الخارجية الروسي، غينادي غاتيلوف، قوله إن «روسيا ضد أي قرار في مجلس الأمن الدولي قد يتضمن خيار استعمال القوة». وأضاف أنه «في المرحلة الراهنة يجب اتخاذ جميع الخطوات الضرورية للحيلولة من دون تراجع الوضع أو أي استعمال للعنف ضد سورية». وقال «نعمل حالياً على تحقيق ذلك، وترمي جهودنا إلى هذا الهدف».
وكان مجلس الأمن الدولي، عقد أول من امس، اجتماعاً ثانياً له على مستوى المندوبين بمبادرة من روسيا، لبحث الأوضاع حول سورية، لكنه انتهى من دون التوصل إلى أية نتائج. وحذرت روسيا، أمس، على لسان المستشار الدبلوماسي للكرملين يوري أوشاكوف، من ان تدخلاً عسكرياً في سورية سيوجه «ضربة خطرة» للنظام العالمي القائم على الدور المركزي للأمم المتحدة، مشيدة برفض البرلمان البريطاني مثل هذه العملية.
وقال أوشاكوف للصحافيين ان «مثل هذه التحركات التي تتجاوز مجلس الامن الدولي، اذا جرت ستشكل مساساً خطيراً للنظام القائم على الدور المركزي للامم المتحدة وضربة خطرة للنظام العالمي». وأضاف «يبدو لي ان الناس بدأوا يدركون مدى خطورة هذه السيناريوهات».