إضراب عام ودعوات إلى العصيان المدني في العاصمة الليبية
نفذ سكان العاصمة الليبية طرابلس، أمس، إضرابا عاما وسط دعوات إلى العصيان المدني، وذلك للتنديد بأعمال عنف دامية، شهدتها المدينة في اليومين الماضيين، تنذر بإغراق البلاد في حرب أهلية.
وتفصيلاً، بدأ سكان العاصمة الليبية طرابلس، أمس، عصيانا مدنيا، دعا إليه المجلس المحلي للمدينة، احتجاجا على مقتل 43 متظاهرا، وجرح 461 آخرين برصاص مسلحين من مدينة مصراتة، بمنطقة غرغور يوم الجمعة الماضي.
وخلت شوارع العاصمة ووسطها من المارة، فيما شوهدت أعداد قليلة من السيارات تتحرك، وأقفلت المدارس والمصارف ومعظم المؤسسات الحكومية والمحال التجارية، باستثناء تلك التي تقدم خدمات يومية للسكان، مثل الصيدليات والمخابز.
وعلى الرغم من توصل مسؤولين محليين من منطقة تاجوراء ومدينة مصراتة، في ساعة متأخرة من الليلة قبل الماضية، إلى اتفاق لوقف الاقتتال الدائر بين ثوارهما شرق طرابلس، إلا أن معظم شوارع العاصمة ظلت مغلقة، خصوصا مداخلها الرئيسة من الشرق إلى الغرب.
ويقضي الاتفاق بوقف الاشتباكات، وعودة قوات مصراتة إلى مدينتها، وتبادل الأسرى بين الطرفين، غير أن شهود عيان تحدثوا عن تبادل لإطلاق النار بين الحين والآخر، في المنطقة الفاصلة بين الجانبين.
واندلعت أعمال العنف الجمعة، حينما أطلق عناصر ميليشيا من مصراتة، تتخذ من حي غرغور جنوب طرابلس مقرا، النار على متظاهرين سلميين، قدموا للمطالبة برحيل الميليشيا عن مدينتهم.
وفي رد فعل على ذلك، هاجم مسلحون مقر الميليشيا، لتندلع مواجهات خلفت 43 قتيلا على الأقل، وأكثر من 450 جريحا، بحسب وزارة الصحة. وقدم مسلحون من مجموعة مصراتة لاحقا السبت، لنجدة رفاقهم.
وتثير هذه المواجهات مخاوف من اندلاع حرب أهلية في بلاد توجد فيها ميليشيات عدة على أساس مناطقي، مثل مجموعة مصراتة، أو على أساس ايديولوجي مثل جماعة أنصار الشريعة. وأعلن المجلس المحلي لطرابلس (بلدية) الليلة قبل الماضية، إضرابا عاما لثلاثة أيام في العاصمة الليبية «حدادا»، وتضامنا مع أسر الضحايا الذين سقطوا الجمعة. وقبل ذلك، دعا سكان في العاصمة، ضاقوا ذرعا بممارسات الميليشيات، أول من أمس، إلى العصيان المدني، وركزوا حواجز على محاور طرق مهمة، وأحرقوا إطارات سيارات. ففي المدينة القديمة ووسط طرابلس وضواحي فشلوم وتاجوراء (شرق)، وجنزور (غرب)، لم تفتح المحال التجارية أبوابها باستثناء بعض المقاهي والمحال لبيع المواد الغذائية، كما أفاد مراسلون لـ«فرانس برس».
كما أغلقت المصارف أبوابها ومعظم المدارس والجامعات، رغم تحذير وزارة التربية، أول من أمس، من أن الحصص الدراسية يجب أن تستأنف بعد عطلة نهاية الأسبوع (الجمعة والسبت)، أي اعتبارا من أمس. وقال متحدث باسم وزارة التعليم «للأسف أغلقت مدارس عدة (أمس)»، من دون أن يدلي بتفاصيل عن نسبة المضربين.
واعتبرت ممثلة «هيومن رايتس ووتش»، في ليبيا، حنان صالح، أن «أحداث هذه الأيام الأخيرة تظهر اتساع الممارسات غير المسؤولة للميليشيات، وعجز الحكومة عن السيطرة عليها».
وبعد أن عبرت عن الأسف لإفلات هذه الميليشيات من العقاب، بسبب الخلل في الجهاز القضائي الليبي منذ انتفاضة 2011، رأت صالح أن «الأولوية بالنسبة للسلطات الآن، هي السيطرة على هذه المجموعات المتمردة، ونزع سلاحها ومحاسبتها على الجرائم المقترفة، وإلا فهناك خطر حقيقي لتصاعد العنف».
وعبرت الولايات المتحدة عن «قلقها العميق» لهذه المواجهات، وحثت «جميع الأطراف على ضبط النفس». ودعت الحكومة الليبية إلى وقف إطلاق النار بين الميليشيات، التي تجد صعوبة في السيطرة عليها، بسبب عدم وجود شرطة وجيش محترفين. ودعا المجلس المحلي لمدينة طرابلس، في بيان، السكان إلى «الهدوء وضبط النفس»، لإعطاء فرصة لجهود الوساطة، لإنهاء أعمال العنف.
وكان رئيس المجلس المحلي للمدينة، سادات البدري، أعلن أن هذه الهيئة ستدعو إلى «الإضراب العام والعصيان المدني»، حتى رحيل هذه الميليشيات. ويحتج سكان طرابلس بانتظام ضد وجود الفصائل المسلحة في المدينة. وهذه المجموعات قدمت من مدن أخرى للمشاركة في السيطرة على طرابلس، وطرد نظام القذافي في أغسطس 2011، لكنها لم تغادر العاصمة بعد ذلك.