المصريون يواصلون اختيار رئيسهم بعد يوم شهد إقبالاً كثيفاً
يواصل المصريون الإدلاء بأصواتهم، اليوم، في الانتخابات الرئاسية المصرية التي تجري على يومين، بعد أن بدأوا، أمس، التصويت بشكل مكثف، وفي طوابير طويلة، وسط توقعات بأن يفوز فيها القائد العام السابق للجيش، عبدالفتاح السيسي، وقال شيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب، إن «التقاعس عن المشاركة في التصويت يعتبر عقوقاً للوطن»، وحذر المصريين من الوقوع في فخ الفتاوى الشاذة المغرضة.
وتفصيلاً، تشكلت طوابير طويلة من الرجال والنساء، خصوصاً كبار السن، منذ الصباح الباكر، أمس، أمام العديد من مكاتب الاقتراع في القاهرة، بحسب صحافيين من «فرانس برس». وأدلى السيسي بصوته في مركز في منطقة مصر الجديدة (شمال شرق القاهرة). وداخل المركز قال للصحافيين «الدنيا كلها تشاهدنا لترى كيف سيصنع المصريون التاريخ والمستقبل (أمس واليوم)»، مضيفاً «المستقبل سيكون جميلاً وعظيماً».
وقالت له سيدة مسنة، كانت تدلي بصوتها «كنا نعتزم ترك البلد، لكنك أنقذتنا من الدمار الشامل»، فرد عليها السيسي «ستظلون في البلد، وستعيشون في أمان».
واتخذت إجراءات أمنية مشددة حول مركز الاقتراع هذا، إذ أغلقت الطرق المؤدية إليه بالأسلاك الشائكة، وكانت هناك كلاب بوليسية تطوف حوله، كما حلقت مروحية فوق المدرسة التي أقيم بها مركز الاقتراع، إلا أن أجواء احتفالية سادت في الوقت نفسه حول المركز، إذ كانت سيدات يزغردن، وآخريات يصفقن ويلوحن بأعلام مصر.
وأكد عدد من الناخبين أنهم جاءوا ليعطوا أصواتهم للسيسي. وقال ميلاد يوسف (29 عاماً)، وهو محام مسيحي، أعطى صوته لصباحي في انتخابات 2012، وشارك في ثورة يناير 2011، وفي تظاهرات 30 يونيو ضد مرسي «نحن بحاجة إلى رجل قوي، رجل عسكري».
أما عمر عبدالحليم، وهو مهندس متقاعد (74 عاما)، فقال «السيسي رجل المرحلة المقبلة، فقد أنقذ البلد من عصابة الإخوان، ووقف موقفاً بطولياً إلى جانب الشعب».
وتغطي صور السيسي جدران العاصمة منذ أشهر عدة. وهو يعد بالنسبة لغالبية المصريين الرجل القوي القادر على إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد، بعد ثلاث سنوات من الفوضى والاضطرابات، أدت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية، وغلاء الأسعار، وارتفاع نسبة البطالة.
وتعد نسبة المشاركة الرهان الرئيس في هذه الانتخابات التي يريد السيسي إن يجعل منها دليلاً على شعبته الكبيرة، وعلى شرعيته التي تشكك فيها جماعة الاخوان المسلمين.
وطلب السيسي نفسه الجمعة الماضية من المصريين التصويت بكثافة. وقال في مقابلة تلفزيونية «عليكم النزول الآن أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البلاد. انزلوا واظهروا للعالم كله أنكم 40 أو 45 مليوناً وحتى أكثر»، في حين يبلغ إجمالي عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية في مصر 53 مليوناً.
وتشهد البلاد حملة تعبئة واسعة من أجل تحفيز الناخبين على المشاركة. وتذيع التلفزيونات الخاصة والعامة منذ أيام أغاني وكليبات قصيرة تدعو المصريين إلى «النزول» يومي الانتخابات.
وانضمت مؤسسة الازهر إلى هذه الدعوة. وقال الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أحمد الطيب، إن «التقاعس عن المشاركة في التصويت عقوق للوطن». وأضاف في ما سماه «نداء الأزهر الشريف إلى الشعب المصري»، أنه يدعو «كل مصري ومصرية إلى تلبية نداء الوطن بالمشاركة والنزول للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات».
وفي إشارة إلى دعوات لمقاطعة الانتخابات، صدرت عن شيوخ مقربين من الإخوان المسلمين، ومن بينهم الشيخ يوسف القرضاوي، قال الأزهر إن «ما يصدر عن بعض المغرضين بالداخل والخارج من آراء مضللة واستدلال خاطئ بنصوص القرآن والسنة لتحريم المشاركة في الانتخابات الرئاسية إنما هي آراء شاذة ومضلة».
وطالب شيخ الازهر المصريين «بألا يستمعوا إلى الفتاوى الشاذة المغرضة ممن خانوا أوطانهم، وقالوا ان النزول إلى الانتخابات حرام، فهذا كلام باطل، ووصف مثل هذا الحديث بأنه ليس فتاوى وإنما تهريج».
وحذر الطيب الشعب من «الوقوع في هذا الفخ الذي يحاول البعض ان يوقعهم فيه»، ووصف الإمام الاكبر أصحاب الفتاوى المغرضة بأنهم «خانوا أوطانهم، وباعوا دينهم للشيطان».
وأضاف شيخ الأزهر أن «النزول إلى المشاركة مسؤولية وواجب وطني مقدس، ومن يرد ان تبرأ ذمته ويخلي مسؤوليته عليه بالنزول إلى صناديق الاقتراع». ووجه رسالة إلى الأئمة والوعاظ أكد فيها أنهم «قاموا بدورهم في إظهار حقيقة تلك الدعاوى المغرضة»، مشيراً إلى أن «المصريين يمتلكون حساً وطنياً عالياً، يجعلهم قادرين على التمييز بين الفتاوى الحقيقة والفتاوى المغرضة».
وأضاف الشيخ أن «مصر اجتازت (أمس) الاختبار، وليست في مرحلة الاختبار، كما يقول البعض»، مشيراً إلى أن المصريين في الخارج أثبتوا أن «المصريين أصحاب قرار».
وقتل نحو 500 من أفراد الجيش والشرطة في اعتداءات مسلحة ضد قوات الأمن عبر البلاد، بحسب الحكومة.
ومع استمرار تلك الهجمات، بات معظم المصريين يعولون على السيسي لإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد التي تعاني تراجع السياحة، ونقص النقد الأجنبي، وارتفاع معدلات البطالة والتضخم، وانحسار الاستثمارات الأجنبية.
في المقابل، يقدم القيادي اليساري، حمدين صباحي، نفسه باعتباره المرشح المعبر عن مبادئ وأهداف ثورة 25 يناير التي عكسها الشعار الرئيس «عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية».
وصباحي، الذي أكد أنه قرر الترشح بناءً على إلحاح الشباب الذين يخشون عودة نظام مبارك الاستبدادي، لعب دوراً مركزياً في جبهة الإنقاذ الوطني التي تشكلت في نوفمبر 2012 لمعارضة مرسي، ونظمت تظاهرات واحتجاجات عديدة ضده، مهدت لخروج الملايين في 30 يونيو الماضي للمطالبة برحيله.
وأعلن العديد من النشطاء السياسيين البارزين، من بينهم علاء عبدالفتاح، أنهم سيصوتون لمصلحة صباحي، لأنهم يعتقدون أن حكم السيسي سيكون عودة إلى عهد مبارك.
وفي لقاء مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، أخيراً، قال السيسي «أنتم تكتبون في الصحف ألا صوت يعلو فوق صوت حرية التعبير. ما هذا؟». وأضاف «من السائح الذي سيأتي إلينا ونحن نتظاهر كل يوم بهذا الشكل؟ هل تنسون أن هناك ملايين من البشر والأسر غير قادرة على كسب قوت يومها بسبب توقف السياحة؟».
وفي اللقاء نفسه، قال السيسي إن مصر بحاجة إلى أكثر من 20 عاماً لتصبح ديمقراطية حقيقية.