الاحتلال حاصر أشلاءها 12 يوماً
غدير.. كرسيها المتحرك شاهد على مجزرة خزاعة
قبل شهر يوليو الماضي، ومع شروق شمس كل يوم جديد، كانت تستيقظ الطفلة غدير أبورجيلة (17 عاماً)، التي تعاني إعاقة حركية وشللاً دماغياً، لتطل من نافذتها على الطبيعة الخضراء التي تزين قريتها الريفية، حيث الورد المتفتح، ورائحته الفواحة في أرجاء المكان، بالإضافة إلى الأشجار الزاهية التي تمنحها الحيوية والنشاط، فيما يشق والدها طريقه لفلاحة أرضه.
هذه المشاهد التي اعتادتها عائلة أبورجيلة، وجميع سكان قرية خزاعة الواقعة شرق مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، باتت صورة من الماضي، فغدير تحولت إلى جثة متحللة، وكرسيها المتحرك أصبح مهشماً لم يتبق منه إلا الحطام، فيما أضحت قريتها الريفية الخضراء تشبه الصحراء، أما منزلها فلم يتبق منه سوى بقايا الحجارة الشاهدة على مجزرة حرب تجاوز فيها الاحتلال الإسرائيلي كل القيم الإنسانية.
وبقيت غدير وحيدة داخل القرية لمدة تزيد على 12 يوماً، دون أن يعرف أحد من أهلها عن مصيرها، فالاحتلال تركها تنزف حتى الموت، بعد أن أطلق عليها القذائف المدفعية، التي أصابتها بشكل مباشر، فيما منع طواقم الإسعاف من دخول خزاعة، وإنقاذ المعاقة غدير، وانتشال جثمانها، على الرغم من مناشدة عائلتها وتواصلها مع جميع المؤسسات الدولية والحقوقية.
«الإمارات اليوم» التقت شقيق الطفلة غدير، غسان، أحد الناجين من المجازر التي ارتكبت في قريته، وذلك بعد أن تمكنت طواقم الإسعاف من الدخول إليها، وانتشال جثمان شقيقته خلال ساعات الهدنة الإنسانية، الأحد الماضي، لتكون هذه اللحظات هي الأقسى والأصعب بالنسبة له، فقد وجدها جثة متفحمة ومقطعة إلى أشلاء متناثرة في قارعة الطريق عند مدخل خزاعة، فيما تحطم كرسيها المتحرك نتيجة إطلاق القذائف المدفعية على غدير.
ويسرد غسان تفاصيل الفجيعة التي أصابت عائلته قائلاً، «في اليوم الأول للعملية البرية اتصلنا بالصليب الأحمر الدولي كي ينقذنا من القوات المتوغلة، وكانت الطائرات الحربية قسمت القرية إلى ستة أقسام، وأخبرنا الصليب أننا نوجد عند مدخل القرية، ولكننا لم نتمكن من ذلك في اليوم ذاته، لنقضي الليل في الشارع، لأن القوات الخاصة اقتحمت منازل السكان لتنفيذ عملياتها، وكان أولها منزلنا، لقربه من الشريط الحدودي».
ويضيف «في صباح اليوم الثاني للتوغل، وفي تمام الساعة الـ10 صباحاً، تجمع ما يقرب من 8000 من سكان القرية، من بينهم 10 معاقين، من بينهم شقيقتي غدير، وتقدمنا جميعاً للخروج منها، لنفاجئ بإطلاق المدفعيات قذائفها علينا مباشرة».
وبينما كان شقيقها الأكبر، بحسب غسان، يدفعها أثناء خروجهم من القرية، أصابته شظايا القذائف المدفعية بشكل مباشر، لتسقطه أرضاً.
ويقول أبورجيلة لـ«الإمارات اليوم»، بصوت خافت «لم نتمكن من العودة لإخراج شقيقتي، لأن الطائرات كانت تطلق الصواريخ بشكل عشوائي، ومضى يومان ولم نعرف مصيرها، لنتلقى خبراً من أحد شهود العيان بأن القذائف أصابتها مباشرة في منتصف جسدها، ما تسبب في استشهادها على الفورـ بعد تناثر أشلائها في المكان».
ويضيف «بعد 10 أيام أخرى من حصار أشلاء شقيقتي، سمح الاحتلال لطواقم الإسعاف بالدخول إلى خزاعة، وقد رافقتهم بنفسي، لأرى مشهداً مؤلماً جداً، فلم أتمالك نفسي من البكاء، وشعرت بالذنب، لأن المؤسسات الدولية لم تتمكن من حمايتها وإخراجها».
وانتشل غسان جثمان شقيقته غدير أشلاء متناثرة، غير مكتملة، حيث كان وزنها في السابق 60 كيلوغراماً، ولكن اليوم بعد استشهادها لم تزن أشلاؤها أكثر من 20 كيلوغراماً.
عائلة غدير أبورجيلة واحدة من بين مئات العائلات التي تعرضت للإبادة الجماعية، والقتل المتعمد، وسياسة التدمير الهمجية في خزاعة، فقد حاصرت القوات الإسرائيلية القرية لمدة تزيد على 20 يوماً، ومنعت إدخال طواقم الإسعاف إلى داخلها، رغم كل المناشدات التي أطلقتها المؤسسات الدولية، كما توغلت آليات الاحتلال إلى داخل القرية، واعتلت قوات الجيش وعناصر القناصة المنازل لتمعن في قتل الأبرياء.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news