منهم من دفن مع من سبقوهم في قبر واحد.. وآخرون ينتظرون
مقابر غزة تضيق أمام شهداء العدوان
أشكال المعاناة، والمآسي المؤلمة التي يتعرض لها الغزيون، بفعل المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حربه المفتوحة ضد قطاع غزة، التي تجاوز فيها كل المبادئ الإنسانية، لم تقتصر على المواطنين الأحياء الذين أصيبوا بجراح مختلفة، جراء الصواريخ والقذائف التي هدمت منازلهم فوق رؤوسهم، وأبادت الآلاف من المدنيين، بل طالت الأموات منهم، والذين ودعوهم شهداء.
فالأعداد الكبيرة للشهداء الذين ارتقوا خلال الحرب والذين بلغ عددهم (1868) شهيداً، لم تتسع لها القبور، فمقبرة الشهداء الواقعة في منطقة خطرة على الشريط الحدودي، يحظر الاقتراب منها في جميع الأوقات، بالإضافة إلى المقابر الواقعة في المناطق التي تعرضت لعمليات التوغل البري، وما يوجد من مقابر ضاقت مساحتها أمام شلال الدم النازف، حيث وضعت لافتة على أبوابها مكتوب عليها المقبرة مملوءة.
وهذا ما دفع أهالي الشهداء إلى دفن أكثر من شهيد في قبر واحد، أو دفنهم في قبور من سبقوهم من الأموات قبل سنوات ماضية، وهناك من اضطر لوضعهم في ثلاجات الخضار والآيس كريم، وهذا ما شهدته مدينة رفح التي ودعت في يوم واحد 130 شهيداً، حيث لم تتسع لهم ثلاجات الموتى في المستشفى الكويتي، بالإضافة إلى تدمير مستشفى أبويوسف النجار من قبل الطائرات الحربية، ليصبح عاجزاً عن استقبال ضحايا الحرب.
الشهيد طارق زهد من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، الذي استهدفته الطائرات الإسرائيلية خلال الحرب الحالية، لم تجد عائلته قبراً تدفنه فيه، حيث جميع القبور ملئت بالأعداد الكبيرة للشهداء، بالإضافة إلى سوء الأوضاع الميدانية، واشتداد عمليات القصف التي قيدت حركتهم إلى أماكن أخرى، وهذا ما دفع العائلة إلى فتح قبر عمه حسن زهد الذي استشهد عام 2004 خلال تصديه للقوات الإسرائيلية التي اقتحمت مخيم النصيرات.
ولم تكن هذه الطريقة خياراً سهلاً لعائلة زهد، ولكن بعد أن عجزت عن إيجاد قبر يتسع لشهيدها طارق، وضاقت بها السبل، اضطرت إلى أن تفتح قبر عمه، وذلك بحسب والد الشهيد طارق.
ومن المفارقات الغريبة في هذه الحادثة، أن الشهيد حسن كان قد فارق الحياة وزوجته تحمل في أحشائها ابنه أحمد، الذي حرم رؤية والده حيا، ولكن عندما كان يشارك في دفن ابن عمه، قدر الله أن يشاهد جثمان والده وهو ميت.
وكان الاحتلال الإسرائيلي خلال عدوانه على غزة، استهدف العديد من مقابر القطاع، ما تسبب في نبش بعض القبور، وخروج الجثامين من أماكنها، وهذا يزيد من الأزمة التي يتعرض لها أهالي الشهداء في غزة.
الشهيد إبراهيم أبوعجوة من سكان حي الشجاعية بمدينة غزة، قدر له أن يدفن في قبر جده الذي ودع الدنيا بينما كان هو طفلاً صغيراً لا يدرك شيئاً.
واضطرت العائلة لدفن إبراهيم على عجالة، حيث إن استحالة الوصول إلى مقبرة الشهداء الحدودية، دفعتهم للبحث عن قبر فارغ داخل مقبرة البلتاجي المملوءة، ولكن بعد أن فشلت كل المحاولات، لم يكن أمامهم أي خيار آخر سوى حفر قبر جده الذي استشهد قبل عشرات الأعوام، ودفنه إلى جانبه.
وأظهرت هذه الحادثة جانباً آخر من معاناة أهالي الشهداء التي تسببت فيها أعدادهم المتزايدة، هو امتلاء ثلاجات الموتى بجثثهم، ليوضعوا على الأرض في انتظار أن تتسلم العائلات جثامين أبنائها، وهذا ما دفع ذوي بعض الشهداء إلى حفر قبور من سبقوهم، ودفنهم إلى جانبهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news