«إعلان مراكش» يدعو إلى اعتماد «وثيقة المدينة» صيغة للمواطنة
دعا «إعلان مراكش لحقوق الأقليات في الديار الإسلامية»، الذي صدر أمس، إلى اعتماد «وثيقة المدينة» صيغة مواطنة تعاقدية، ودستوراً عادلاً لمجتمع تعددي ــ أعراقاً وديانةً ولغةً ــ متضامن، يتمتع أفراده بالحقوق نفسها، ويتحملون الواجبات نفسها، وينتمون، على الرغم من اختلافهم، إلى أمة واحدة.
إنصاف الآخر طالب أمين عام «مجلس حكماء المسلمين»، الدكتور علي راشد النعيمي، في كلمته بختام أعمال المؤتمر، بضرورة تشريع «وثيقة المدينة» قانونياً وحقوقياً وتربوياً وثقافياً، في جميع البلدان العربية والإسلامية «لأن إنصاف الآخر هو إنصاف لله»، مؤكداً استعداد دولة الإمارات لاستضافة مؤتمر آخر، يركز على حماية حقوق الأقليات الإسلامية في مختلف بلدان العالم، بالتشاور مع الشيخ عبدالله بن بيه «هادينا بأفكاره النيرة، ومبادراته الخيِّرة، جزاه الله كل خير». السلم مبدأ أساسفي الإسلام قال رئيس «منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة»، الشيخ عبدالله بن بيه، في ختام أعمال المؤتمر، إن السلم مبدأ أساس في الإسلام وجميع الأديان، بغرض عمارة الأرض بالخير والمسرة والجمال. وأضاف أن مقولة «الدين سبب الحروب»، التي راجت في القرنين 18 و19، ثبت بطلانها، وهذا ما يحفزنا للعمل والاجتهاد لجعل السلام بساطاً للعدل، والعدل أساس المواطنة والأمان للجميع من دون تمييز عرقي أو تفريق ديني، لأننا «نريد أن يحيا الإنسان مكرماً في كل مكان أو زمان». وأوضح أن «إعلان مراكش» يؤصل شرعياً مفهوم المواطنة التعاقدية، كما وردت في «صحيفة المدينة»، التي تعتبر أن البشر جميعاً، على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم، كرّمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام، باعتبارهم إخوة في الإنسانية، وهو تكريم يقتضي منحهم حرية الاختيار على أساس العدل، كونه معيار التعامل بين البشر جميعاً، منعاً للكراهية والحقد، لأن السلم عنوان دين الإسلام، وأعلى مقصد من مقاصد الشريعة في الاجتماع البشري. |
ووجه الإعلان دعوته إلى علماء ومفكري المسلمين لكي ينظروا إلى تأصيل مبدأ المواطنة الذي يستوعب مختلف الانتماءات، بالفهم الصحيح والتقويم السليم للموروث الفقهي، والممارسات التاريخية، وباستيعاب المتغيرات التي حدثت في العالم. ودعا المؤسسات العلمية والمرجعيات الدينية إلى القيام بمراجعات شجاعة ومسؤولة للمناهج الدراسية، للتصدي لأخلال الثقافة المأزومة التي تولد التطرف والعدوانية، وتغذي الحروب والفتن، وتمزق وحدة المجتمعات.
كما دعا السياسيين وصناع القرار إلى اتخاذ التدابير السياسية والقانونية اللازمة لتحقيق المواطنة التعاقدية، وإلى دعم الصيغ والمبادرات الهادفة إلى توطيد أواصر التفاهم والتعايش بين الطوائف الدينية في الديار الإسلامية. كما دعا المثقفين والمبدعين وهيئات المجتمع المدني إلى تأسيس تيار مجتمعي عريض، لإنصاف الأقليات الدينية في المجتمعات المسلمة، ونشر الوعي بحقوقها، وتهيئة التربة الفكرية والثقافية والتربوية والإعلامية الحاضنة لهذا التيار.
وأكد الإعلان أن مختلف الطوائف الدينية التي يجمعها نسيج وطني واحد، وتمثل مختلف الملل والديانات، مدعوة كذلك إلى معالجة صدمات الذاكرة الناشئة من التركيز على وقائع انتقائية متبادلة، ونسيان قرون من العيش المشترك على أرض واحدة، وإلى إعادة بناء الماضي بإحياء تراث العيش المشترك، ومد جسور الثقة، بعيداً عن الجور والإقصاء والعنف، والتصدي لجميع أشكال ازدراء الأديان، وإهانة المقدسات، وكل خطابات التحريض على الكراهية والعنصرية.
وشدد المشاركون في المؤتمر على أنه «لا يجوز توظيف الدين في تبرير أي نيل من حقوق الأقليات الدينية في البلدان الإسلامية»
واستند المشاركون في المؤتمر الذي نظم بالتعاون بين وزارة الشؤون الإسلامية المغربية ومنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، في إصدار «إعلان مراكش»، إلى الأوضاع المتردية التي تعيشها مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، بسبب اللجوء إلى العنف والسلاح لحسم الخلافات وفرض الآراء والاختيارات.
وأشار المشاركون إلى أن هذه الأوضاع أدت إلى ضعف أو تلاشي السلطة المركزية في بعض المناطق، وشكلت فرصة سانحة لاستقواء مجموعات إجرامية ليست لها أي شرعية علمية ولا سياسية، أعطت لنفسها حق إصدار أحكام تنسبها إلى الإسلام، وتطبيق مفاهيم أخرجتها عن سياقاتها ومقاصدها، وتوسلت بها إلى ممارسات اكتوت بنارها مختلف شرائح المجتمع.
وأضافوا أن ما تعانيه الأقليات الدينية بسبب هذه الأوضاع من تقتيل واستعباد وتهجير وترويع وامتهان للكرامة، مع أنها عاشت في كنف المسلمين وذمتهم قروناً، في جو من التسامح والتعارف والتآخي، سجل التاريخ تفاصيله، وأقر به المنصفون من مؤرخي الأمم والحضارات.
وأوضحوا أن هذه الجرائم ترتكب باسم الإسلام وشريعته، افتراء على الباري جل وعلا، وعلى رسول الرحمة عليه الصلاة والسلام، وافتياتاً على أكثر من مليار من البشر، تعرض دينهم وسمعتهم للوصم والتشويه، وأصبحوا عرضة لسهام الاشمئزاز والنفور والكراهية، مع أنهم لم ينجوا من هذه الجرائم، ولم يسلموا من ويلاتها.
وأشار الإعلان في سياق تذكيره بالمبادئ الكلية والقيم الجامعة التي جاء بها الإسلام، إلى أن البشر جميعاً، على اختلاف أجناسهم وألوانهم ولغاتهم ومعتقداتهم، كرّمهم الله عز وجل بنفخة من روحه في أبيهم آدم عليه السلام، وأن تكريم الإنسان اقتضى منحه حرية الاختيار
وأضاف أن البشر ــ بغض النظر عن كل الفوارق الطبيعية والاجتماعية والفكرية بينهم ــ إخوة في الإنسانية.
وأوضح أن الله عز وجل أقام السماوات والأرض على العدل، وجعله معيار التعامل بين البشر جميعاً، منعاً للكراهية والحقد، ورغّب في الإحسان جلباً للمحبة والمودة، وأن السلم عنوان دين الإسلام، وأعلى مقصد من مقاصد الشريعة في الاجتماع البشري.
ولفت إلى أن الله عز وجل أرسل سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، وأن الإسلام يدعو إلى البِرّ بالآخرين وإيثارهم على النفس دون تفريق بين الموافق والمخالف في المعتقد.
وأضاف الإعلان، أن الشريعة الإسلامية حريصة على الوفاء بالعقود والعهود والمواثيق التي تضمن السلم والتعايش بين بني البشر.
وفي سياق اعتبار «وثيقة المدينة» الأساس المرجعي المبدئي لضمان حقوق الأقليات الدينية في العالم الإسلامي، أوضح الإعلان أن «وثيقة المدينة» التي أقرها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لتكون دستوراً لمجتمع متعدد الأعراق والديانات، كانت تجسيداً للكليات القرآنية والقيم الإسلامية الكبرى، وأن هذه الوثيقة ثابتة عند أئمة الأمة الأعلام.
وأوضح أن تفرد «وثيقة المدينة» عما قبلها وما بعدها في تاريخ الإسلام والتاريخ الإنساني نابع من:
أولاً نظرتها الكونية للإنسان باعتباره كائناً مكرماً، فهي لا تتحدث عن أقلية وأكثرية، بل تشير إلى مكونات مختلفة لأمة واحدة (أي عن مواطنين). ثانياً كونها لم تترتب عن حروب وصراعات، بل هي نتيجة عقد بين جماعات متساكنة ومتسالمة.
ولفت إلى أن هذه الوثيقة لا تخالف نصاً شرعياً، وليست منسوخة، لأن مضامينها تجسيد للمقاصد العليا للشريعة والقيم الكبرى للدين، فكل بند منها إما رحمة أو حكمة أو عدل أو مصلحة للجميع. وأن السياق الحضاري المعاصر يرشح «وثيقة المدينة» لتقدم للمسلمين الأساس المرجعي المبدئي للمواطنة، لأنها صيغة مواطنة تعاقدية، ودستور عادل لمجتمع تعددي، أعراقاً وديانة ولغة، متضامن، يتمتع أفراده بالحقوق نفسها، ويتحملون الواجبات نفسها، وينتمون، على الرغم من اختلافهم، إلى أمة واحدة.
وأوضح أن مرجعية هذه الوثيقة لعصرنا وزماننا لا تعني أن أنظمة أخرى كانت غير عادلة في سياقاتها الزمنية. مشيراً إلى أن «وثيقة المدينة» تضمنت بنودها كثيراً من مبادئ المواطنة التعاقدية، كحرية التدين، وحرية التنقل والتملك، ومبدأ التكافل العام، ومبدأ الدفاع المشترك، ومبدأ العدالة والمساواة أمام القانون. وتابع أن مقاصد «وثيقة المدينة» هي إطار مناسب للدساتير الوطنية في البلدان ذات الأغلبية المسلمة، وينسجم معها ميثاق الأمم المتحدة ولواحقه، كإعلان حقوق الإنسان، مع مراعاة النظام العام.
وحول تصحيح المفاهيم وبيان الأسس المنهجية للموقف الشرعي من حقوق الأقليات، أفاد الإعلان بأن الموقف الشرعي من هذا الموضوع ــ كما في غيره ــ مرده إلى مجموعة من الأسس المنهجية التي يسبب جهلها أو تجاهلها الخلط والالتباس وتشويه الحقائق.
وأشار الإعلان إلى أن من الاجتهادات الفقهية في العلاقة مع الأقليات الدينية ما كان متأثراً بممارسات تاريخية في سياق واقع مختلف عن الواقع الراهن، الذي سمته البارزة غلبة ثقافة الصراعات والحروب.