مغارة الكتان.. معلم كنعاني يتعـرَّض لخطر التهويد

بين ثنايا الظلام تضاء كشافات ضخمة متفرقة تنير المكان، ليختلط الضوء بصدى صوت قطرات الماء المتساقطة من الصخور العملاقة، هذا فقط ما يمكن مشاهدته حالياً في مغارة الكتان أسفل المسجد الأقصى المبارك، بعد أن تلاشت معالمها التاريخية، بفعل ممارسات الاحتلال التهويدية.

فإسرائيل تعمل بكل الأساليب والطرق على تهويد تلك المغارة، إذ يفرغ الاحتلال المغارة من الأتربة والحجارة، لإقامة مسرح ومتحف يعرض من خلاله روايته المزعومة، كما تجري حفريات في المغارة باتجاه المسجد الأقصى، والمنطقة القريبة من باب الساهرة.

وتتسع الحفريات وإنشاء الأنفاق في المغارة، بهدف ربطها بشبكة أخرى من الأنفاق التي تحفر أسفل المسجد الأقصى وفي محيطه، من أجل تنفيذ مطامع وخطط الاحتلال للسيطرة على المدينة المقدسة وبناء الهيكل المزعوم، ما يشكل خطراً كبيراً على السكان المقدسيين، في البلدة القديمة بالقدس.

وتقع «مغارة الكتان»، التي تسمى أيضاً «مغارة القطن»، و«مغارة سليمان»، بين بابي العامود والساهرة من أبواب البلدة القديمة في القدس، وتبلغ مساحتها 9000 متر مربع، إلا أن 250 متراً فقط منها مفتوحة أمام الزوار، فيما تمتد في عمق الأرض 3000 متر أسفل سور البلدة القديمة، ومنازل المواطنين بالقدس.

تهويد تاريخ

وتعد «مغارة الكتان» معلماً تاريخياً أثرياً، وقد تعددت الروايات حول أصل وتاريخ المغارة، لكنّ باحثين مقدسيين يؤكدون أنها تعود للعهد الكنعاني، واستخرجت منها حجارة البناء في العصور الإسلامية، وقد كانت مصدراً لحجارة البناء التي شيدت عمران القدس من مبانٍ وقصور وأسوار، منذ مئات السنين في عصور النهضة العربية الإسلامية.

إلا أن الاحتلال أطلق عليها اسم مغارة «صدقياهو»، نسبة إلى أحد ملوك إسرائيل قديماً، ويسعى حالياً إلى إزالة تاريخ «مغارة الكتان»، واستبداله برواياته المزعومة.

وكانت تقارير عبرية قد كشفت، أخيراً، عن شروع الاحتلال في تكوين مدينة يهودية تحت الأرض، تمتد من وسط بلدة سلوان جنوباً، وتخترق الجدار الغربي للمسجد الأقصى وأسفل البلدة القديمة، وتمر أسفل المدرسة العمرية في الجهة الشمالية من الأقصى، وتصل إلى منطقة باب العامود، وتحديداً إلى «مغارة الكتان»، شمال القدس القديمة.

ويؤكد أستاذ الهندسة المعمارية في جامعة بيرزيت، والمختص بشؤون القدس، جمال عمرو، شروع الاحتلال في تنفيذ مشروعات بعناوين مختلفة، هدفها الرئيس تهويد أنفاق ومغارات كنعانية موجودة أسفل البلدة القديمة من القدس المحتلة.

ويوضح أن النفقين اللذين تجري فيهما التوسعات، هما جزء من شبكة أنفاق عربية كنعانية يزيد طولها المكتشف على 1600 متر، وكانت قد استخدمت في الماضي كجداول لنقل وتجميع مياه الأمطار.

يقول عمرو، لـ«الإمارات اليوم»، إن «أحد النفقين يتجه من (مغارة الكتان) باتجاه الجنوب، إلى ما يسمونه نفق (الحشمونئيم)، وهو النفق الممتد من حائط البراق وحتى المدرسة العمرية، وسيوصل هذا النفق الإسرائيليين من ساحة البراق مباشرة إلى خارج المدينة، دون المرور ببوابات المدينة الأصلية».

ويضيف «النفق الآخر يتجه شرقاً من (مغارة الكتان) وحتى باب الساهرة، وتكمن خطورة هذا النفق في مروره أسفل عقارات عربية في الحي الإسلامي، ويصل بابي الساهرة والعامود ببعضهما بعضاً».

ويؤكد عمرو وجود خطة إسرائيلية محكمة ومعدة مسبقاً لتهويد هذه الأنفاق، رغم مخالفتها لكل القوانين الدولية ووثائق «اليونسكو»، التي تمنع التغيير الجذري في الآثار.

ويقول الأكاديمي الفلسطيني «إن الأعمال الجارية في النفقين تتمثل في التوسعة يميناً وشمالاً، ومن أعلى وأسفل، بحيث تصبح خارج إطار وظيفتها المعدة لها أصلاً، وبالتالي تصبح وظيفتها الجديدة نقل البشر، بدلاً من نقل المياه».

ويضيف «سعة النفقين تبدأ من متر واحد وربع إلى أربعة أمتار، فيما أوجد الاحتلال فجوات بمساحة غرفة كبيرة، لاستقبال المجموعات السياحية، وتقديم معلومات مضللة لها، بالإضافة إلى تقديم عروض إلكترونية عن أورشليم اليهودية التاريخية أيام الهيكل كما يزعمون، متجاهلين حقيقة هذه الأنفاق العربية الكنعانية».

من جهتها، نشرت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث صوراً لأعمال الحفريات الجارية في النفقين أسفل البلدة القديمة من القدس، ولوحات إرشادية بثلاث لغات، تحمل الرواية الإسرائيلية المزعومة عن «مغارة الكتان».

أساليب للسيطرة

تتبع إسرائيل أساليب عدة للسيطرة على مغارة الكتان، فقد نصبت بلدية الاحتلال في القدس داخل المغارة لافتات باللغتين العبرية والإنجليزية، تزعم من خلالها أن المغارة ظلت تستعمل ملجأ سرياً لأبناء الديانات السماوية الثلاث، وكثير من الجمعيات حتى منتصف القرن الـ19.

ويؤكد مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، زياد حموري، أن بلدية الاحتلال تسعى من وراء ذلك إلى تكثيف الزيارات السياحية الأجنبية والاستيطانية للمغارة، وتنظيم احتفالات داخلها، عبر عرض حكايات تربط المغارة بالتاريخ العبري القديم، لترسيخ روايتهم للتاريخ في عقول الزوار، ضمن مخطط طمس المعالم الأثرية في البلدة القديمة بالقدس.

وأدرجت بلدية الاحتلال، بحسب حموري، المغارة ضمن لائحة مواقع التراث الثقافي، بالإضافة إلى وضعها ضمن صياغة توراتية بعيدة عن الصياغة التاريخية الموضوعية للمدينة المقدسة، ما يسهم في تهويدها وطمس هويتها.

ويشير إلى أن إسرائيل تنظم حفلات موسيقية لأشهر الفنانين الإسرائيليين في المغارة، من بينها مهرجان الأنوار التهويدي، الذي يعقد في شهر يونيو من كل عام، في ساحة المغارة الواقعة بمنطقة باب العامود.

ويقول مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لـ«الإمارات اليوم»، إن «الاحتلال لم يستطع إثبات الوجود اليهودي في القدس، فلجأ إلى التزوير»، مردفاً «الحفريات وصلت إلى المخططات النهائية، ومحاولة تغيير الحقائق والتاريخ، من خلال إقامة قاعات ومزارات ومقابر وهمية، زرعوا خلالها قبوراً وهمية».

ويشير حموري إلى أن الاحتلال يركز على خفض نسبة السكان الفلسطينيين في القدس، على غرار ما فعل بمدينتي عكا ويافا.

الأكثر مشاركة