كسر احتكار قطر لبث البطولات الـرياضية هدف قابل للتحقيق
أبرزت الأزمة القطرية مقترحاً، يتمثل في تدشين تكتل فضائي، بإمكانه الحصول على حقوق بث البطولات الرياضية الإقليمية والعالمية، لمواجهة الاحتكار القطري القائم في هذا المجال، عبر قنوات مجموعة «بي إن سبورت».
شراكة عربية
ظهرت بعض الاتجاهات، التي تؤيد إنشاء تكتل فضائي لكسر الاحتكار القطري لهذا الأمر، وذلك لتغطية البطولات الآسيوية والأوروبية والعالمية، من خلال التعاقد مع الاتحادات العالمية، صاحبة الحقوق الأصلية للبث. ومن الضروري على هذا التكتل شراء حقوق البث لكثير من البطولات، لاسيما مع سيطرة «بي إن سبورت» على حقوق البث لكثير منها حتى عام 2022.
كما أنه بالإمكان الضغط على الاتحادات العالمية والإقليمية، من أجل إعادة توزيع حقوق البث على أكثر من شركة في منطقة الشرق الأوسط، علاوة على الاستعداد لتأسيس هذا التحالف الفضائي لكسر احتكار «بي إن سبورت» مستقبلاً.
استثمارات مكثفة
بات الاستثمار في المجالات الرياضية المختلفة، منذ بداية العقد الماضي، أحد الاهتمامات الرئيسة لكثير من الحكومات في منطقة الشرق الأوسط، حيث يوفر هذا النوع من الاستثمار العديد من المزايا للدول، منها تحسين الصورة الذهنية لها في الخارج، لاسيما عن طريق استضافة الفعاليات الرياضية المختلفة، بالإضافة إلى اغتنام عوائد استثمارية وتسويقية مغرية، من خلال الاستثمار في مجال الرعاية الرياضية، أو الأندية الرياضية، لاسيما الأوروبية منها.
ومن هذا المنطلق، بدأت بعض الدول ضخ رؤوس أموال كبيرة في الأنشطة الرياضية، داخل تلك المنطقة أو خارجها، وتوزعت الاستثمارات على مجالات تنظيم الأحداث الرياضية، ورعاية الأندية الرياضية، إضافة إلى شراء حقوق بث البطولات الرياضية. فعلى سبيل المثال، تعتبر الإمارات حالياً واحدة من القوى البارزة في المنطقة، في تنظيم العديد من البطولات الرياضية، كسباقات السيارات أو الغولف، أو غيرها.
وبالنسبة لنشاط رعاية الأندية الرياضية، برزت الشركات الخليجية في السنوات الماضية، كأحد أهم الرعاة للأندية الرياضية في أوروبا، وتشمل القائمة على سبيل المثال نوادي: برشلونة (الخطوط الجوية القطرية سابقاً)، وريال مدريد، وباريس سان جيرمان، وأرسنال، وإنتر ميلان (طيران الإمارات)، فيما مانشستر سيتي (الاتحاد الإماراتية أيضاً).
وقد بدأ الاستثمار العربي، في الأندية الأوروبية، عندما اشترى رجل الأعمال المصري محمد الفايد «فولهام» الإنجليزي عام 1997، في صفقة قيمتها 30 مليون جنيه إسترليني، إلى أن تم بيعه عام 2013 لرجل الأعمال الأميركي شهيد خان. ثم شهد عام 2008 انطلاقة الاستثمار الخليجي بالأندية الرياضية، بعد قيام شركة أبوظبي القابضة بشراء 90% من أسهم نادي مانشستر سيتي.
احتكار حقوق البث
وكذلك بالنسبة لحقوق بث البطولات الرياضية، فهي لاتزال من المجالات الرئيسة الأخرى التي استقطبت استثمارات الدول، حيث اتجهت في السنوات الماضية لتكوين منصات إعلامية مدفوعة، لبث البطولات الرياضية الإقليمية والعالمية على حد سواء. وبالنظر إلى اللاعبين الرئيسين في هذا المجال، تعتبر قنوات «بي إن سبورت» الرياضية أكبر المهيمنين على هذا السوق في المنطقة العربية، حيث تسيطر وحدها على 42% من إجمالي حصة التلفزيون المدفوع في المنطقة العربية.
وأطلقت عام 2012 منصات إعلامية أخرى في فرنسا، عبر «بي إن سبورت» فرنسا، و«بي إن سبورت» بالأميركيتين، كما أطلقت عام 2013 قناة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وحالياً لدى «بي إن سبورت» خمس شركات في السوق العالمية، تتوزع على 34 قناة في 33 دولة.
ومن اللافت للانتباه أن تعاقدات «بي إن سبورت» الرياضية، لشراء حقوق البطولات الرياضية الإقليمية والعالمية، ستمتد للسنوات العشر المقبلة، حيث قامت خلال الأشهر الماضية بشراء حقوق بث بعض البطولات المهمة، مثل كأس العالم لكرة القدم، ومنافسات الأولمبياد حتى عام 2022، بقيمة مالية تقدر بنحو 10 مليارات دولار.
انعكاسات الأزمة
امتدت الأزمة القطرية لتطال مجال الإعلام الرياضي، حيث اتجهت الدول المكافحة للإرهاب لوقف عمل قنوات «بي إن سبورت» داخل أراضيها، في الوقت نفسه ظهرت بعض المقترحات، لإنشاء تكتل فضائي بديل لمواجهة احتكار الشبكة القطرية، وذلك على النحو الآتي:
1- إيقاف التعامل
حيث قررت وزارة الثقافة والإعلام السعودية حجب الموقع الإلكتروني الخاص بشبكة قنوات «بي إن سبورت» القطرية، في 12 يونيو 2017. وفي البحرين تم وقف استيراد أجهزة استقبال قنوات الشبكة، بجانب وقف بيع اشتراكاتها وتجديدها.
كما أعلن عدد من العاملين والمحللين من الجنسيات العربية في البلدان المكافحة للإرهاب، عن اعتذارهم عن العمل في «بي إن سبورت»، ومن أبرز هؤلاء المعلق السعودي فهد العتيبي، والمعلق الإماراتي علي سعيد الكعبي، ولاعب كرة القدم السابق المصري أحمد حسام، فيما أعلن الاتحاد المصري لكرة القدم في بيان رسمي، في 6 يونيو، مقاطعة قنوات «بي إن سبورت»، وامتد الأمر إلى رفض عدد من لاعبي كرة القدم المنتمين إلى الدول الرباعية، إجراء لقاءات مع تلك القناة.
2- مواجهة قانونية
أحد أوجه المواجهة مع «بي إن سبورت»، التي أثيرت أخيراً، هو إمكانية لجوء الدول المقاطعة لرفع دعوى قضائية عبر المحكمة الدولية للرياضة Court of Arbitration for Sport لإنهاء احتكار «بي إن سبورت» لحقوق بث البطولات الرياضية في منطقة الشرق الأوسط، ولتحصل أكثر من جهة على هذه الحقوق بالمنطقة، فيما يمكن أيضاً تحقيق ذلك عبر الضغط على الاتحادات الدولية والإقليمية، من أجل وقف بث البطولات تحت منصة إعلامية واحدة، كما كان عليه الوضع عام 2012، عندما ضغطت الدول الأوروبية على الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، من أجل إتاحة بث المباريات على قنوات مفتوحة، لاسيما تلك ذات الأهمية القومية، وبضغط إنجلترا وبلجيكا تحديداً وضعت لائحة تنص على بث جميع مباريات كأس العالم، وكأس الأمم الأوروبية على قناة واحدة مفتوحة على الأقل.
3- تكتل فضائي
أحد الحلول الأخرى، التي ظهرت في الآونة الأخيرة، هو إمكانية إنشاء بديل فضائي، على أن يسهم في توزيع حقوق البث محلياً، وبما ينهي احتكار «بي إن سبورت». والمقترح السابق يحاكي في الواقع تجربة اتحاد الإذاعات العربية، التي حصلت على حقوق بث الألعاب الأولمبية ريو 2016، بقيمة 32 مليون دولار، ثم منحتها بأسعار زهيدة للقنوات الحكومية العربية.
وحول هذا المقترح، صرح مدير قنوات دبي الرياضية، راشد الأميري، لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية، في 12 يونيو الماضي: «أنه لا مناص ولا مفر من التكتل، لإيقاف الاحتكار الذي تمارسه شبكة بي إن سبورت الرياضية على مستوى 21 دولة عربية»، موضحاً أنه حان الوقت كي يتدخل صانعو القرار في الدول العربية الكبرى، لإتاحة المجال للمشاهدين العرب للمشاهدة المجانية، أو بأسعار رمزية، كما يحدث في أوروبا».
ونظرياً، من المنتظر لهذا التكتل أن يقوم بتغطية البطولات الإقليمية والعالمية، من خلال التعاقد مع الاتحادات الأصلية للأنشطة الرياضية المختلفة، ما يتطلب منه أموالاً كثيرة، سواء لشراء حقوق البث أو التجهيزات الفنية اللازمة لإطلاق القنوات بجودة عالية، أو اجتذاب المواهب والكفاءات اللازمة لإدارة القنوات، وتقديم خدمات عالية الجودة في النهاية.
ويمكن القول إن طريق إنشاء تكتل فضائي، لمواجهة الاحتكار القطري، يحتاج إلى إجراءات عدة، بيد أن ذلك ينبغي ألا يمنع من الاستعداد لإنشاء هذه المنصة الجديدة، من أجل كسر الاحتكار القطري مستقبلاً، لإتاحة مشاهدتها للعديد من المواطنين العرب مجاناً، أو بأسعار رمزية.
أحد أوجه المواجهة مع «بي إن سبورت»، التي أثيرت أخيراً، هو إمكانية لجوء الدول المقاطعة إلى رفع دعوى قضائية عبر المحكمة الدولية للرياضة Court of Arbitration for Sport، لإنهاء احتكار «بي إن سبورت» لحقوق بث البطولات الرياضية في المنطقة، ولتحصل أكثر من جهة على هذه الحقوق.
يعد الاستثمار في المجالات الرياضية المختلفة، منذ بداية العقد الماضي، أحد الاهتمامات الرئيسة لكثير من حكومات الشرق الأوسط، حيث يوفر هذا النوع من الاستثمار العديد من المزايا للدول، منها تحسين الصورة الذهنية لها في الخارج، بالإضافة إلى اغتنام عوائد استثمارية وتسويقية مغرية، من خلال الاستثمار في مجال الرعاية الرياضية، أو الأندية، لاسيما الأوروبية منها.