الدوحة تواجه سيناريوهات خطرة باتخاذ مزيد من إجراءات التصعيد ضد اقتصادها
مركز قطر المالي مهدد بالتراجع مع استمرار الأزمة الخليجية
أدت إجراءات دول الرباعية العربية لمواجهة التمويل القطري للإرهاب، إلى تراجع ملحوظ في أداء الاقتصاد القطري وتذبذب قيمة العملة، حيث خفض عدد من مؤسسات التصنيف الائتماني تقييمه للسندات القطرية، عقب تراجع الودائع الخليجية لدى بعض البنوك القطرية، بجانب خروج تدفقات استثمارية من البورصة القطرية، ما اضطر مصرف قطر المركزي إلى سحب جزء من أصوله لدعم النظام المصرفي وسوق الأوراق المالية.
بحسب وكالة التصنيف الائتماني (موديز)، فقد تسارعت وتيرة الدَّين العام القطري بشكل كبير في عام 2016، ليصل إلى ما يقارب 150% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع ما يقدر بنحو 111% في عام 2015. تشير توقعات (بنك أوف أميركا) إلى أنه لايزال هناك احتمال بخروج 35 مليار دولار من النظام المصرفي القطري خلال عام، في ما لو سحبت دول عربية أخرى ودائع وقروضاً من السوق القطرية. يشير عدد من التقييمات الاقتصادية العالمية، إلى أن قطر قد لا تكون قادرة على استخدام إلا جزء من أصولها الداخلية أو الخارجية، لأغراض دعم شركاتها الحكومية أو تنفيذ مشروعات كأس العالم 2022 أو الحفاظ على ربط عملتها بالدولار الأميركي. |
وتواجه الدوحة سيناريوهات أكثر خطورة، تتمثل في اتجاه الدول الأربع، بالتعاون مع المجتمع الدولي، إلى اتخاذ مزيد من إجراءات التصعيد ضد الاقتصاد القطري، وهو الأمر الذي سيزيد من الصعوبات الاقتصادية التي تتعرض لها قطر، مثل انكماش السيولة لدى البنوك القطرية، بالإضافة إلى خروج مزيد من الاستثمارات خارج البلاد، وهو ما سيضطرها حتماً إما إلى تسييل مزيد من أصولها بالخارج، أو التخلي عن سياسة دعم عملتها مقابل الدولار، ما سيؤدي في النهاية إلى ضعف المركز المالي لقطر، ويضعف من آفاق نمو الاقتصاد القطري.
تصحيح التقديرات
قبل اندلاع الأزمة القطرية الخليجية في الخامس من يونيو الماضي، تطابقت إلى حد كبير التقييمات الصادرة عن المؤسسات الاقتصادية والمالية العالمية حول الأوضاع المالية والمصرفية القطرية، التي أكدت في تقاريرها على الدوام تماسك مركزها المالي، على الرغم من تراجع الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي منذ منتصف 2015.
وقد بنيت هذه التقييمات انطلاقاً من احتياطاتها المالية الكبيرة التي كونتها عبر السنوات الماضية، والتي بلغت قبل الأزمة قرابة 370 مليار دولار، هي مجموع احتياطات النقد الأجنبي لدى مصرف قطر المركزي، بجانب أصولها لدى جهاز قطر للاستثمار.
والأرصدة السابقة جعلت المسؤولين القطريين يشيرون إلى أن الاقتصاد القطري قادر على الصمود في مواجهة الضغوط الاقتصادية، وفي هذا الصدد أشار محافظ مصرف قطر المركزي، في يوليو الماضي، إلى أن الدوحة بإمكانها توظيف نحو 340 مليار دولار لمواجهة الأزمة.
وفي المقابل تكشف مراجعة حجم الاحتياطات المالية القطرية وهيكلها عن صورة مغايرة، إذ إن المركز المالي لقطر ربما ليس بالقوة المطلوبة للصمود أمام التداعيات السلبية للأزمة القطرية الخليجية. ويشير عدد من التقييمات الاقتصادية العالمية إلى أن قطر قد لا تكون قادرة على استخدام إلا جزء من أصولها الداخلية أو الخارجية، لأغراض دعم شركاتها الحكومية، أو تنفيذ مشروعات كأس العالم 2022، أو الحفاظ على ربط عملتها بالدولار الأميركي.
وفي واقع الأمر، ليس بإمكان قطر التعويل بشكل كامل على أصولها بالخارج لدعم موقفها المالي. وبحسب التقديرات الغربية، على الأرجح ستتمكن قطر من تسييل ما بين 45 و55% من أصولها في الخارج، بما يعادل 150 - 180 مليار دولار من إجمالي أصولها في الخارج، البالغة 335 مليار دولار في يونيو 2016، مع العلم بأن الأصول العقارية والمالية قد يصعب تسييلها بسرعة كبيرة. ولدى جهاز قطر للاستثمار حصص في شركات أجنبية كبيرة مدرجة في بورصات لندن وباريس وهامبورغ، يمكن بيعها بسهولة، ربما مع قليل من الخسارة. ولن يكون بإمكان الدوحة أيضاً تسييل جزء كبير من الأصول المحلية في ظل الأزمة الحالية، التي رفعت من منسوب النظرة السلبية للاستثمار في السوق القطرية، علماً بأن قيمة محفظة أصولها الداخلية تراوح بين 80 و105 مليارات دولار، وتضم شركات رئيسة مثل «الديار القطرية» للاستثمار العقاري، والخطوط الجوية القطرية.
ويبدو أن قطر ستكون مضطرة إلى استخدام جزء كبير من هذه الاحتياطات المالية، لسداد التزاماتها الخارجية، ولاسيما قصيرة الأجل منها. وبحسب وكالة التصنيف الائتماني موديز، فقد تسارعت وتيرة الدَّين العام القطري بشكل كبير في عام 2016 ليصل إلى ما يقارب 150% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع ما يقدر بنحو 111% في عام 2015.
ضغوط متصاعدة
بدت الأوضاع المالية والاقتصادية القطرية أقل استقراراً عقب مرور شهرين من اندلاع الأزمة التي صاحبها إجراءات ضد قطر، إذ شهدت العملة والبورصة القطريتان أداء متذبذباً في الفترة الماضية، فيما أعاد عدد من المؤسسات التصنيف الائتماني تقييمه للسندات القطرية مثل ستاندرد آند بورز التي خفضت تقييم الديون القطرية لـ«-AA» مقارنة بـ«AA» سابقاً. وتعليقاً على التخفيض قالت الوكالة «نتوقع أن يتباطأ النمو الاقتصادي، ليس فقط من خلال تراجع التجارة الإقليمية بل أيضاً تضرر ربحية الشركات بسبب توقف الطلب الإقليمي وتعرقل الاستثمارات وضعف الثقة في الاستثمار».
وفي هذه الأثناء أيضاً، شهد النظام المصرفي القطري ضغوطاً تزايدت مع تناقص السيولة المتوافرة لديه، وذلك نتيجة انخفاض ودائع غير المقيمين لديها بنسبة 7.5% من نحو 184.5 مليار ريال في مايو 2017 إلى 170.6 مليار ريال خلال يونيو من العام نفسه، أي بانخفاض 13.9 مليار ريال (3.7 مليارات دولار). فيما تشير التقديرات القطرية نفسها إلى أن هناك ستة مليارات دولار خرجت من سوق المال القطري في شهر يونيو الماضي، جراء ارتفاع وتيرة عمليات بيع الأسهم القطرية ولاسيما في الأسابيع الأولى من اندلاع الأزمة.
واضطر مصرف قطر المركزي، إثر هذا الفاقد، إلى ضخ سيولة كبيرة من النقد الأجنبي لدى البنوك القطرية، وكذلك سوق الأوراق المالية، وهو ما انعكس على تراجع الاحتياطات الأجنبية المتاحة لدى المصرف بنحو 10.5 مليارات دولار، لتصل إلى 24 مليار دولار في يونيو الماضي، أي بما يعادل 30% من قيمتها السابقة لتصل إلى أدنى مستوى في خمسة أعوام على الأقل، وليبدو بذلك أن الحيز المالي المتاح لقطر يتناقص بفعل الأزمة التي لم يمر عليها سوى شهرين.
استنزاف محتمل
يُرجح أن تواجه قطر صعوبات أكثر حدة في حال استمرار الأزمة، إذ من المتوقع أن يكون هناك نزوح أكبر، سواء لودائع العملاء غير المقيمين من البنوك القطرية أو رؤوس الأموال الأجنبية من السوق القطري. وفي هذا الصدد تشير توقعات «بنك أوف أميركا» إلى أنه لايزال هناك احتمال بخروج 35 مليار دولار من النظام المصرفي القطري خلال عام، في ما لو سحبت دول عربية أخرى ودائع وقروضاً من السوق القطرية.
وستتعرض الأصول بحوزة صندوق الثروة السيادية القطرية، أو الاحتياطات لدى مصرف قطر المركزي، لهبوط أكبر في الفترة المقبلة، بما قد يدفعها إلى التخلي عن سياستها الحالية لدعم الريال القطري مقابل الدولار، خصوصاً في ظل احتمالية تزايد معدلات تخارج الاستثمارات الأجنبية من قطر، ولاسيما قصيرة الأجل منها، علاوة على سداد مستحقات الديون الخارجية.
وختاماً، من المُحتمل أن تتصاعد معدلات استنزاف الاحتياطات وتتراجع قيمة الأصول القطرية في حال قيام دول الرباعية العربية، بالتعاون مع المجتمع الدولي، بفرض إجراءات ضاغطة ضد قطر لوقف تمويل الإرهاب، ما سيتسبب في تراجع الاستقرار الاقتصادي، وإضعاف المركز المالي للدوحة عالمياً.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news