رفعت السعيد.. خصم «الإخوان» الأول وصاحب مصطلح «التأسلم السياسي»
نعت الرئاسة المصرية الزعيم اليساري رفعت السعيد، الذي توفي عن عمر ناهز 85 عاماً، في بيان رسمي، واصفة إياه بأنه «عبّر عن اليسار المصري باقتدار»، كما نعته احزاب وقوى سياسية مؤيدة ومعارضة، فيما ألقت مواقف السعيد المصادمة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية ولقوى الإسلام السياسي، وللجماعات المتطرفة والتكفيرية، بظلالها في أجواء رثاء الراحل المثير للجدل.
عاش رفعت السعيد حياة سياسية صاخبة مملوءة بالتعرجات امتدت لأكثر من 60 عاماً، حيث انضم في سن الخامسة عشرة لتنظيم «الحركة الوطنية للتحرر الوطني – حدتو»، اليساري، وواصل نشاطه السياسي ضمن موجة النضال الوطني والاجتماعي الذي انتهى بقيام ثورة 23 يوليو 1952 بمشاركة عناصر من «حدتو»، ثم تعرف السعيد بالضابط الحر، رفيق الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، المناضل اليساري خالد محيي الدين، والذي مثل وجوده منعرجاً كبيراً في حياة السعيد، وحين أسس محي الدين في نهاية السبعينات من القرن الماضي «حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي» عمل السعيد نائباً له، ثم رئيساً للحزب، ثم رئيساً لمجلسه الاستشاري.
عارض السعيد سياسات الزعيم الراحل أنور السادات واتفاقية كامب ديفيد، واعتقل في انتفاضة عام 1977، لكنه تراجع عن خط المعارضة في حقبة مبارك، وسخّر جل نشاطه وكتاباته السياسية لمواجهة جماعة الإخوان المسلمين، والجماعات الاسلامية المتطرفة، والقوى التكفيرية، واعتبر التصدي لها أولوية سياسية، وأوجد تعبير «التأسلم السياسي»، الذي أصبح لاحقاً شائعاً في الكتابات ضد التيارات المتشددة، واصدر كتباً عدة منها «حسن البنا – لماذا وكيف ومتى»، و«ضد الـتأسلم»، وعشرات المقالات اليومية، ثم قرن موقفه الفكري بالمواجهة العملية لـ«الإخوان» لدى توليهم السلطة، وكان أحد الوجوه البارزة في أحداث 30 يونيو.
وقال بيان الرئاسة المصرية في نعيه إن «مصر فقدت اليوم رمزاً من رموز العمل السياسي الوطني الذي أثرى الساحة السياسية المصرية بفكره ومواقفه، كما مثل الدكتور رفعت السعيد حركة اليسار السياسي المصري باقتدار، وكانت له إسهامات ممتدة على مدار تاريخه السياسي، الذي تكلل برئاسة حزب التجمع».
بدوره، قال حزب التجمع الوطني الوحدوي، الذي عاش السعيد أهم مراحله السياسية في صفوفه، في بيان نعيه: «إن السعيد قبل أن يكون أحد أهم رموز اليسار المصري، ومؤسسي حزب التجمع الوطني، كان وطنياً مصرياً مخلصاً خاض منذ صباه معارك شعبنا المصري ضد الاستبداد والتخلف والفساد والظلم الاجتماعي، وعندما عصفت الاهوال بمصر وشعبها، لم يفقد بوصلته الثورية مبشراً بحتمية انتصار الشعب ضد سلطة الإرهاب، والتمييز بين المصريين باسم الدين».
ونعته الكنيسة الأرثوذكسية في بيان قالت فيه: «لقد قضى السعيد حياته مدافعاً عن الطبقات الكادحة ومناضلاً صلباً من أجل وطنٍ عادل يحفظ حقوق كل أبنائه. كان فقيد الوطن مشاركاً دائماً في بناء ومساندة ودعم قيم المواطنة والعيش المشترك والوطن الواحد الذي لا يفرق بين أبنائه».
ونعت السعيد شخصيات تعبر عن أطياف مختلفة من الشعب المصري، بعضها خارج دائرة العمل الحزبي والسياسي.
فقد نعاه الفنان محمد منير، وقال: «كان صديقاً عزيزاً، وكنا على تواصل دائماً، وهو من الأسماء البارزة فى الحركة اليسارية المصرية، وندعو الله عز وجل أن يتغمده برحمته».
ونعاه الروائي رؤوف مسعد، وقال: «عرفت السعيد في سجن الواحات عام 1962، وظلت علاقتي به مستمرة ومتواصلة وطيبة حتى شهور مضت في فبراير لهذا العام حينما استضافني وحياة الشيمي، وهي صديقة مشتركة في زمن يعز فيه وجود أصدقاء إلا في ما ندر، استضافنا على غداء في نادي السيارات. وكانت جلسة مكاشفة طيبة ونادرة».
ونعاه الأمين العام لاتحاد القوى الصوفية، عبدالناصر حلمي، وقال: «نعزي انفسنا وجموع المصريين بوفاة الراحل الذي ترك لنا مسيرة وطنية عطرة ستظل نبراساً وعلماً من أعلام السياسة وحب الوطن».
على الصعيد الفلسطيني، نعت قوى وشخصيات سياسية عدة السياسي المصري الراحل، مشيرة إلى مواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية، فقد اصدرت حركة «فتح» بيان عزاء للسعيد، وقالت «فتح» على لسان الناطق باسمها د. حازم أبوشنب، إن السعيد شهيد من شهداء فلسطين، حيث إنه ناضل هو وكل رفاقه من الضباط الأحرار، وعلى رأسهم القائد الكبير جمال عبدالناصر، لأجل قضية العرب الاولى. وأن شعبنا لا ينسى كل من وقف معه لأجل نيل الحرية والاستقلال».
على صعيد موازٍ، شهدت صفحات مواقع ومنتديات التواصل الاجتماعي والصحف الورقية المصرية معارك فكرية حادة بين أنصار السعيد وخصومه، حيث شن أنصار «الاسلام السياسي» هجوماً على أفكاره، متّهمينه بـ«الشطط العلماني»، كما هاجمه ايضاً منتمون الى مدارس يسارية مختلفة، معتبرين أن نظرية «الأسقف المنخفضة» التي طرحها حولت حزب التجمع التقدمي من معارض الى حزب موالٍ، وجعلته أقرب للسلطة منه للشعب والطبقات الفقيرة.