وسائل عدة لتوظيف «إعــــــلام اللوبيات» لخدمة أهداف الدول
أدركت العديد من الدول أهمية وجود جماعات ضغط تابعة لها تعمل في الخارج لتحقيق مصالحها وتحسين صورتها، من خلال امتلاك أدوات إعلامية خاصة بها أو عبر شراء مساحات من الهواء، وتقديم دعم مالي لوسائل إعلام بالشراكة مع جهات أخرى.
وقد مكّن التطور الهائل الذي شهدته وسائل الاتصال حول العالم جماعات الضغط من امتلاك وسائل إعلام خاصة بها بسهولة أكبر من ذي قبل، وبكلفة لا تُقارن بالسابق، وذلك من خلال المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما «تيلغرام» و«يوتيوب»، وهي المواقع التي يمكن أن تصبح بديلاً عن الإعلام المرئي عالي الكلفة، والذي يتطلب شبكة علاقات واسعة تربط جماعة الضغط بمحيطها في الخارج.
وقد اقتصر نشاط جماعات الضغط إعلامياً على الدول الغربية لسنوات طويلة، وبصفة خاصة الولايات المتحدة الأميركية، فيما كان اللوبي الإسرائيلي أول أنماط جماعات الضغط تلك، إلى أن ظهر نمط جديد من جماعات الضغط التابعة للدول، التي تنشط في محيطها الإقليمي ومناطق نفوذها، لتحقيق مصالحها.
أنماط مختلفة
اعتُبرت الولايات المتحدة لسنوات طويلة الوجهة الأساسية والساحة الأولى لنشاط لوبيات العديد من الدول، وذلك منذ عام 1948 عندما بدأ اللوبي الإسرائيلي في تشكيل نفسه في واشنطن، قبل أن يتخذ صورته الحالية في لجنة الشؤون العامة الأميركية - الإسرائيلية «أيباك» American Israel Public Affairs Committee التي تأسست عام 1959، إلى أن امتد نشاطه إلى دول عدة غربية، لاسيما بريطانيا وفرنسا، وهو النهج ذاته الذي تبناه اللوبي الأرميني الذي يُعد ثاني أكبر لوبي بعد اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وينشط أيضاً في العديد من الدول الأوروبية.
• مكّن التطور الهائل الذي شهدته وسائل الاتصال حول العالم جماعات الضغط من امتلاك وسائل إعلام خاصة بها بسهولة أكبر من ذي قبل، وبكلفة لا تُقارن بالسابق، وذلك من خلال المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي، لاسيما «تيلغرام» و«يوتيوب»، وهي المواقع التي يمكن أن تصبح بديلاً عن الإعلام المرئي عالي الكلفة، والذي يتطلب شبكة علاقات واسعة تربط جماعة الضغط بمحيطها في الخارج. • استطاع اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة التأثير على القرار الأميركي حيال الملف النووي الإيراني، بحسب العديد من المراقبين، من خلال عدد كبير من المؤسسات الإيرانية العاملة في الولايات المتحدة، لعل أهمها وأنشطها المجلس الوطني للإيرانيين الأميركيين «ناياك» National Iranian American Council الذي يترأسه المحلل السياسي ذائع الصيت في وسائل الإعلام الأميركية تريتا بارسي. |
وعلى الرغم من حداثة اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة، فإنه استطاع التأثير في بعض القضايا التي تحظى باهتمام خاص من جانب إيران، كما اتجه في مرحلة تالية إلى توسيع نشاطه ليشمل عدداً من دول الإقليم مثل العراق ولبنان وسورية.
ويُلاحظ أن هدف وآليات اللوبي الإعلامي لدولة ما عادة ما يتشابك مع أنماط أخرى من نشاطات جماعات الضغط للدولة ذاتها، التي عادة ما تمتلك أسهماً في شركات إعلان أو مكاتب محاماة أو مؤسسات بحثية، والتي تعمل جميعها لخدمة أهدافها، فيما يكون اللوبي الإعلامي هو المعبر عن صوت الدولة، والمعلن عن وجودها في المجتمع الخارجي.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن اللوبي الإعلامي ليس بالضرورة أن يكون قادراً على امتلاك وسائل إعلام تقليدية خاصة به من صحف وقنوات تلفزيونية، وإنما يشترط امتلاكه كوادر قادرة على التأثير في الرأى العام، وتأسيس شبكة علاقات واسعة مع القائمين على وسائل الإعلام في الدولة التي ينشط بها، فيكون تأثيره من خلال حضور كوادره في الإعلام عن طريق استضافتهم في البرامج، وكتاباتهم في الصحف، كما هي الحال مع اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة.
أهداف عدة
تتعدد أهداف اللوبيات الإعلامية في الخارج لتشمل:
1- تحسين الصورة
وهو الدور الأساسي الذي أُنشئ من أجله - على سبيل المثال - اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة؛ حيث يأخذ هذا اللوبي المكون من عدد غير محدود من المؤسسات الاجتماعية والطبية والتعليمية والتجارية على عاتقه مسؤولية تحسين صورة الداخل الإيراني، وتكوين صورة ذهنية إيجابية عن الإيرانيين، واستثمار نجاحاتهم الفردية لاسيما في ظل اهتمام الإيرانيين في الداخل والخارج بالتعليم، وهو ما يؤهلهم، في بعض الأحيان، لتولي مناصب رفيعة في الخارج.
كما يسعى اللوبي الإسرائيلي إلى تحقيق الهدف ذاته من خلال وسائل الإعلام المتعددة التي يمتلكها ويشارك في تمويلها، لاسيما في ما يخص الهجمات المتكررة على قطاع غزة، والمواجهات مع حركة المقاومة الاسلامية «حماس».
2- التأثير على القرار السياسي
ويتم ذلك بصفة عامة عن طريق المساهمة في تشكيل الرأى العام، وخلق اتجاهات رأى داعمة لمصالح دول معينة، مستعينة بنفوذ سياسي واقتصادي واجتماعي. ويبرز في إطار هذا الهدف اللوبي الإسرائيلي على وجه الخصوص، يليه اللوبي الأرميني، اللذان يتمتعان بعلاقات جيدة وقوية مع دوائر صنع القرار في الولايات المتحدة، والدول الغربية بشكل عام، وكذلك مؤسسات الإعلام الأميركي التي يعد اللوبي الإسرائيلي مكوناً مهماً فيها من خلال رجال أعمال يمتلكون وسائل إعلام خاصة بهم، وحصصاً كبرى في كبرى مؤسسات الإعلام في البلاد.
وقد أسهم اللوبي الأرميني داخل بعض الدول الغربية في استمرار التوتر سمة رئيسة في علاقات أرمينيا مع تركيا، نظراً للملف الخلافي التاريخي الخاص بما يسمى «مذابح الأرمن»، حيث يحاول اللوبي الأرميني في هذا الإطار تكريس النظرة السلبية لتركيا، ويركز على ملفها الخاص بحقوق الإنسان، وذلك من خلال العديد من الصحف التي تمتلكها جماعات الضغط الأرمينية في الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية الأخرى، لاسيما فرنسا، وقد أثر ذلك بشكل مباشر - ولا يزال - على الجهود التي تبذلها تركيا للانضمام للاتحاد الأوروبي.
كما استطاع اللوبي الإيراني في الولايات المتحدة التأثير على القرار الأميركي حيال الملف النووي الإيراني، بحسب العديد من المراقبين، من خلال عدد كبير من المؤسسات الإيرانية العاملة في الولايات المتحدة، لعل أهمها وأنشطها المجلس الوطني للإيرانيين الأميركيين «ناياك» National Iranian American Council الذي يترأسه المحلل السياسي ذائع الصيت في وسائل الإعلام الأميركية تريتا بارسي، ويضم صحافيين وباحثين إيرانيين نافذين في وسائل إعلام دولية.
ونجحت جماعات الضغط الإيرانية على مدى السنوات الماضية في منع استصدار أي قرار بشن حرب على إيران، على الرغم من وصول الأزمة النووية في بعض الفترات إلى حافة الهاوية، خلال فترة حكم الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، وذلك بتوضيح مخاطر هذه الخطوة على المصالح الأميركية في المنطقة، وطرح المفاوضات كبديل فعال للخيار العسكري الذي أعلنت واشنطن مراراً عن إمكانية اللجوء إليه.
فيما كان النجاح الأكبر متمثلاً في توقيع الاتفاق الإطاري مع مجموعة «5+1» في أبريل 2015، ثم الوصول للاتفاق النهائي في يوليو من العام نفسه. كما تجدر الإشارة أيضاً في هذا الصدد إلى الدور الذي مارسه اللوبي الإيراني في عرقلة خطوة الضربات الجوية الأميركية على النظام السوري عقب اتهامه باستخدام الأسلحة الكيماوية في الهجوم على الغوطتين الشرقية والغربية لريف دمشق في سبتمبر 2013.
3- توسيع مناطق السيطرة والنفوذ
عملت إيران على نشر جماعات ضغط تابعة لها في العديد من دول المنطقة، بهدف الاستفادة من حالة عدم الاستقرار والفراغ السياسي الذي أعقب الحرب على العراق، لتفرض هذه الجماعات أنماطاً أخرى من التأثير تختلف عن اللوبي الخاص بها في الولايات المتحدة وكندا، حيث تعتمد في الأساس على البُعد المذهبي والمساعدات الإنسانية ومؤسسات الإيواء والإعانة التي عرفت طريقها إلى العراق عقب عام 2003، ولبنان، خصوصاً في ظل علاقتها القوية مع «حزب الله» الذي عمل على فتح الجنوب اللبناني أمام المؤسسات الشيعية الإيرانية، وامتدت هذه المحاولات إلى سورية أيضاً، لاسيما في مرحلة ما بعد عام 2011.
غير أن النشاط الأبرز لجماعات الضغط الإيرانية في هذه الدول يتمثل في اللوبي الإعلامي، وشبكة العلاقات الواسعة التي استطاع من خلالها إيرانيون السيطرة على وسائل إعلام مؤثرة في هذه الدول تعمل على الدفاع عن الرؤى الإيرانية وتتبناها، وتسعى إلى تجميل الصورة الإيرانية في الذهنية العربية، وكذلك توظيفها لشن حملات ضد بعض دول المنطقة.
كما تلجأ في السياق نفسه العديد من المؤسسات الإسرائيلية، لاسيما الإعلامية، لمخاطبة الرأي العام العربي من خلال إصدار عدد من الصحف الناطقة باللغة العربية، والتواجد على صفحات التواصل الاجتماعي بصفحات عربية، سواء لمؤسسات أو لأفراد بارزين في هذه المؤسسات، بهدف التواصل مع الجمهور العربي.
ويمكن القول في النهاية إن الأدوار التي تقوم بها تلك المؤسسات ربما تتزايد خلال المرحلة المقبلة، في ظل تصاعد حدة الصراعات التي تشهدها المنطقة، واتساع نطاق الخلافات بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بها.