«توافق الضرورة» العنوان الرئيس للعلاقات بين الدولتين رغم وجود خلافات
تطورات إقليمية متسارعة وراء زيارة رئيس الأركان الإيـــرانـي لتركيا
تتجه إيران وتركيا إلى رفع مستوى التنسيق السياسي والأمني في ما بينهما للتعامل مع التطورات التي تشهدها الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبهما، وهو ما بدا جلياً في الزيارة التي قام بها رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، اللواء محمد باقري، إلى تركيا في 15 أغسطس الماضي، والتي استمرت ثلاثة أيام، بشكل يشير إلى أن «توافق الضرورة» أصبح هو العنوان الرئيس للعلاقات بين الدولتين، رغم وجود بعض الخلافات العالقة.
تفاهمات مؤقتة رغم ما يبدو من تفاهمات وتسويات لمعظم القضايا العالقة بين أنقرة وطهران، فإن تلك التفاهمات ربما تكون مؤقتة، بانتظار تبلور ظروف إقليمية ودولية قد تؤدي إلى عودة ظهور الخلافات القائمة بين الطرفين، لاسيما أن تلك الخلافات لا تبدو هيّنة، ولا يمكن تسويتها بسهولة، بما يعني أن جهود احتوائها ستواجه اختبارات صعبة في المستقبل، خصوصاً مع اتضاح المسارات التي ستتجه إليها الأزمة السورية، واستشراف ما سوف يؤول إليه التصعيد الحالي بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، حول الاتفاق النووي ودور إيران في المنطقة. باقري يمثل البعد المؤسسي للقوات المسلحة الإيرانية الذي لا يمكن أن يثير أية أزمة دولية خلال زيارته لتركيا، على عكس سليماني أو أي شخصية أخرى من الحرس، التي تمثل البعد الراديكالي الأيديولوجي الأكثر فاعلية في التحركات العسكرية والسياسية الإيرانية في الخارج. |
ومن دون شك، فإن هذا التوافق لا يمكن فصله عن استعداد إقليم كردستان العراق لإجراء استفتاء على الانفصال في 25 سبتمبر 2017، وعن استمرار محادثات الآستانة الخاصة بالأزمة السورية، والتي تقوم الدولتان، إلى جانب روسيا، برعايتها، إلى جانب تصاعد حدة الحرب ضد تنظيم «داعش» في مدينة الرقة حالياً، وربما في مدينة دير الزور في مرحلة تالية، بعد هزيمته في مدينة الموصل العراقية، وقد يتسع نطاقها أيضاً لتشمل مدينة إدلب التي سيطرت «جبهة النصرة» أو «جبهة فتح الشام» على أجزاء رئيسة فيها.
ملاحظات أولية:
كان لافتاً أن باقري هو من ترأس وفد الزيارة، التي تعتبر الأولى لرئيس الأركان الإيراني إلى تركيا منذ اندلاع الثورة في عام 1979، حيث يبدو أنه كان هناك حرص من جانب الطرفين على أن يكون رئيس الوفد أحد قيادات القوات المسلحة الإيرانية وليس الحرس الثوري، رغم أن الأخير هو الذي يقوم بالدور الأهم على الساحة الخارجية من خلال «فيلق القدس» التابع له الذي يقوده قاسم سليماني، أو عبر الميليشيات الحليفة له في كل من العراق وسورية، على غرار «الحشد الشعبي» و«حزب الله»، وغيرهما.
وبالطبع، فإن ذلك يمكن تفسيره في أن ترؤس أحد قيادات الحرس الثوري، لاسيما قاسم سليماني، الوفد كان من الممكن أن يتسبب في مشكلات لتركيا، التي سوف تُتهم في هذه الحالة بأنها تتعامل مع شخصيات فرضت عليها عقوبات بعدم السفر إلى الخارج، ودائماً ما تثير تحركاتها في مناطق الأزمات، خصوصاً في سورية والعراق، حيث ظهر سليماني في مدينة حلب وعلى الحدود العراقية - السورية، تحفّظات وانتقادات شديدة من جانب القوى التي تبدي اهتماماً خاصاً بالأدوار التي تقوم بها إيران في المنطقة.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن باقري يمثل البعد المؤسسي للقوات المسلحة الإيرانية الذي لا يمكن أن يثير أية أزمة دولية خلال زيارته لتركيا، على عكس سليماني أو أي شخصية أخرى من الحرس، التي تمثل البعد الراديكالي الأيديولوجي الأكثر فاعلية في التحركات العسكرية والسياسية الإيرانية في الخارج.
ولذا من المرجح أن يكون ذلك تم بناءً على طلب من تركيا، خصوصاً أن باقري التقى بالرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي يتوقع أن يقوم بزيارة قريبة لإيران، ووزير الدفاع نورالدين جانيكلي، ورئيس الأركان الجنرال خلوصي آكار، حتى لا تواجه أنقرة موقفاً حرجاً أمام الولايات المتحدة الأميركية، وحتى لا توجه بذلك رسائل خاطئة تتوازى مع اتساع نطاق الخلافات التركية - الأميركية حول بعض الملفات، على غرار الدعم الأميركي لميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية في سورية، وعزوف واشنطن عن تسليم فتح الله غولن الذي تتهمه أنقرة بتدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو 2016.
لكن إيران استعاضت عن ذلك بضم بعض قادة الأفرع الرئيسة في الحرس الثوري في الوفد، مثل العميد محمد باكبور قائد القوات البرية في الحرس، وهو ما يعني أنها حاولت إشراك الحرس في المحادثات التي أجراها باقري مع أركان الدولة التركية على مدى ثلاثة أيام، فضلاً عن أنه لا يمكن إغفال أن باقري نفسه كان أحد كوادر الحرس قبل تعيينه في منصبه الجديد، حيث تولى مهام عدة في الاستخبارات التابعة لـ«الباسدران».
إلى جانب ذلك، كان لافتاً أن باقري حرص على تأكيد أن زيارته إلى تركيا كانت بضوء أخضر من المرشد الأعلى للجمهورية، علي خامنئي، وهي إشارة لها مغزاها، لا تهدف فقط إلى إضفاء مزيد من الأهمية على الزيارة، باعتبار أنها تحظى باهتمام خاص من جانب المرشد، وإنما تهدف أيضاً إلى توجيه رسالة بأن المؤسسة العسكرية تتلقى تعليماتها من المرشد، وأنها تحظى بنوع من الاستقلالية عن الرئيس حسن روحاني، الذي تزايدت حدة الخلافات بينه وبين تلك المؤسسة خلال الفترة الأخيرة، بعد أن دعاها إلى الابتعاد عن السياسة، وانتقد نفوذها الواسع في المجال الاقتصادي.
ملفات شائكة:
تكشف تشكيلة الوفد الإيراني، فضلاً عن الظروف التي جرت فيها الزيارة، عن طبيعة الملفات الثنائية والإقليمية التي كانت محور المحادثات بين الطرفين. أول هذه الملفات يتمثل في الحدود المشتركة بين الطرفين التي كانت مصدراً لانتشار تجارة التهريب، وتسلل العناصر الإرهابية والمسلحين الأكراد، حسب بعض التقارير. ويبدو أن ذلك كان سبباً ثانياً لضم محمد باكبور إلى الوفد المرافق لباقري، إلى جانب قائد قوات حرس الحدود، العميد قاسم رضائي.
وبالطبع، فإن ذلك يتصل باتجاه تركيا في الوقت الحالي إلى إقامة جدار أمني على الحدود مع إيران، مثل الجدار الذي تقيمه على الحدود مع سورية، حيث ترى أن ذلك سيدعم جهودها لمواجهة الاضطرابات الأمنية التي تصاعدت في الفترة الماضية، نتيجة وقوع بعض العمليات الإرهابية واستمرار الصراع مع حزب العمال الكردستاني.
وينصرف الملف الثاني، إلى التفاهمات المستمرة حول الملف السوري، خصوصاً في ما يتعلق بالجهود التي يبذلها الأكراد من أجل الحصول على مكاسب سياسية بارزة في ظل الدور الذي قاموا به في إطار الحرب ضد تنظيم «داعش». وهنا، فإن الدولتين حريصتان، في الغالب، على مواصلة التفاهمات السياسية والأمنية حول تطورات الصراع بين قوات النظام السوري وحلفائها من الميليشيات الموالية لإيران، وبين قوى المعارضة التي تعتبر تركيا أحد الأطراف الإقليمية الداعمة لها.
لكن الملاحظ أن تلك التفاهمات ربما لا تقتصر على القضايا التي طرحت في محادثات الآستانة، خصوصاً في ما يتعلق باتفاقيات خفض التصعيد، وإنما قد تمتد إلى التنسيق حول التعامل مع التطورات الميدانية التي قد تشهدها مدينة إدلب السورية في المرحلة الحالية، بعد أن سيطرت «جبهة النصرة» أو «جبهة فتح الشام» على أجزاء واسعة منها.
وقد برزت مؤشرات عدة تفيد بأن تركيا تسعى إلى التنسيق مع كل من إيران وروسيا حول ضرورة منع استمرار سيطرة «النصرة» على إدلب، وعدم التعويل على أي دور كردي في العملية العسكرية المحتملة، خصوصاً مع إعلانها عن زيارة مرتقبة سيقوم بها رئيس الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، إلى أنقرة قريباً.
أما الملف الثالث، فيتعلق بالتطورات الميدانية والسياسية التي تشهدها الساحة العراقية، إذ يبدو أن الدولتين تسعيان إلى تخفيف حدة التوتر التي تصاعدت بينهما في السابق بسبب الخلاف حول وضع مدينة تلعفر، التي حررتها القوات العراقية من تنظيم «داعش»، وهو ما يحظى باهتمام خاص من جانب أنقرة التي سبق أن حذرت من قيام ميليشيا «الحشد الشعبي» بارتكاب جرائم ضد التركمان القاطنين بها، على غرار ما حدث في بعض المدن التي سبق تحريرها من التنظيم. وقد تسبب هذا التوتر، في بعض الأحيان، في شن المسؤولين في طهران وأنقرة حملة تصريحات متبادلة انتقدت السياسة الخارجية التي تتبناها كلٌ منهما.
ومن دون شك، فإن الاستفتاء الكردي المزمع إجراؤه في 25 سبتمبر الجاري، كان على قمة أجندة المباحثات التي جرت بين المسؤولين العسكريين الإيرانيين والأتراك، في ضوء تطلّع الدولتين إلى الحيلولة دون إقدام أكراد العراق على تلك الخطوة، التي ستفرض تداعيات سلبية، سواء على التوازنات الداخلية أو على الحسابات الإقليمية.
وقد انعكس هذا الموقف في التصريحات التي أدلى بها باقري، بعد لقائه الرئيس أردوغان، حيث قال إن «استفتاء إقليم كردستان يجب ألّا يحدث» في إشارة ضمنية تفيد بأن إيران قد تسعى بالفعل إلى العمل على منع الأكراد من مواصلة استعداداتهم لإجرائه، وربما تعوّل في هذا السياق على اتساع نطاق الرفض والتحفظ الذي تبديه العديد من القوى الإقليمية والدولية، ومنها الولايات المتحدة الأميركية، إزاء تلك الخطوة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news