تحرير المدينة من «داعش» يثير نزاعاً إقليمياً
حسم معركة «تلعفر» يعجّل فـي وقوف العراق أمام استحقاقات كبيرة
على نقيض توقّعات قيادات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، تمكنت القوات العراقية من حسم معركة تحرير تلعفر سريعاً وبخسائر محدودة للغاية، مقارنة بالمواجهات مع قوات تنظيم «داعش» الإرهابي في المدن والبلدات العراقية الأخرى، التي فرض التنظيم سيطرته عليها منذ يونيو 2014، إذ لم تستمر معركة تلعفر سوى أيام معدودة عقب إعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي بدء العمليات العسكرية في 20 أغسطس 2017، بعد مرور أكثر من شهر على انتهاء معركة تحرير الموصل. وعلى الرغم من اختراق الجيش العراقي لغالبية أحياء ومناطق تلعفر، إلا أن تنظيم «داعش» لايزال يتحصن ببعض المناطق على الحدود العراقية ــ السورية، البالغ طولها 605 كلم، بالإضافة إلى احتمالات تنفيذ عناصر «داعش» هجوماً مفاجئاً ضد القوات العراقية المتمركزة في تلعفر.
القوات المشاركة: دفعت أهمية تحرير تلعفر إلى مشاركة عدد كبير من الفصائل والوحدات، في عملية تحرير المدينة، ضمن إطار الاستفادة من خبرات تحرير مدينة الموصل، وتطويق تواجد عناصر تنظيم «داعش» في المدينة، وتمثلت أهم الفصائل والقوات المشاركة في العمليات العسكرية في ما يلي: 1- الجيش العراقي، وتشمل مشاركته الفرقة المدرعة التاسعة، والفرقة الخامسة عشرة، والسادسة عشرة، وقوات المدفعية، والهندسة العسكرية، والطبابة العسكرية. 2- قوات مكافحة الإرهاب التابعة للعمليات الخاصة الأولى والثانية. 3- عدد من أفراد الشرطة الاتحادية التابعين للفرقة الآلية وفرقة الرد السريع والفرقة السادسة. 4- ألوية الحشد الشعبي، ومن ضمنها قوة من 5000 مقاتل من تلعفر نفسها. 5- القوات الجوية العراقية بالتعاون مع طيران التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية. • الخبرة المتزايدة والدروس التي اكتسبتها القوات العراقية خلال خوضها المعارك السابقة، لاسيما معركة الموصل، هي ما أسهمت في حسم معركة تلعفر بشكل أسرع من سابقتها. • يرجّح أن تكون تلعفر ركناً أساسيّاً في التوترات بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان، باعتبارها ضمن المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، والتي تطالب القوى السياسية الكردية بتبعيتها للإقليم جغرافيّاً، وهو ما يجعل التصعيد حول السيطرة على المدينة مطروحاً بقوة. قطر تدعم «داعش» في العراق وليبيا خلال نوفمبر من العام الماضي، أعلن مؤسس موقع «ويكيليكس»، جوليان أسانغ، أن رسائل هيلاري كلينتون تكشف أن واشنطن كانت على علم بتمويل حكومة قطر ودولة أخرى تنظيم «داعش» الإرهابي. وقال أسانغ، في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم»: «عثرنا على رسالة كتبتها هيلاري كلينتون لمدير حملتها الرئاسية، جون بوديستا، في مطلع عام 2014، أي بعد مغادرتها منصب وزيرة الخارجية بقليل. وجاء في الرسالة أن الحكومة القطرية تموّل تنظيم (داعش). وفي الحقيقة اعتبرت هذه الرسالة أكثر أهمية من جميع التسريبات، نظراً إلى أن الأموال القطرية قد امتدت الى جميع أنحاء العالم، خصوصاً داخل عدد كبير من المؤسسات الإعلامية». وأكد أسانغ أن الأشخاص الذين يمنحون الأموال لصندوق كلينتون هم ذاتهم الذين استثمروا في تنظيم «داعش» الإرهابي. كما قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية، في أكتوبر عام 2015، إنه تم تسريب دفعة ثانية من الرسائل الإلكترونية، بين المرشحة السابقة للانتخابات الأميركية هيلاري كلينتون ورئيس حملتها جون بودستا، تقول فيها إن قطر «تدعم (داعش) مالياً ولوجستياً بشكل سري». كما قالت صحيفة «صنداي تليغراف» إن قطر هي الراعي الرئيس لجماعات التطرف الإسلامي في الشرق الأوسط، وكشف اثنان من كبار مراسليها، ديفيد بلير وريتشارد سبنسر، عن علاقة وطيدة بين الدوحة والجماعات المتطرفة التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس، وأجبروا المسؤولين الحكوميين على الفرار، وهذه هي نفسها الجماعة التي أعلنت ولاءها لتنظيم «داعش» في ما سمّته ولاية طرابلس التي قتلت قبل سنوات قليلة 20 مصرياً نحراً، وهم أيضاً حلفاء لجماعة أنصار الشريعة المتطرفة التي يشتبه في وقوفها وراء مقتل السفير الأميركي في ليبيا، كريستوفر ستيفنز، ومحاولة قتل نظيره البريطاني دومينيك أسكويث. وذكرت الصحيفة أن قطر أرسلت طائرات شحن محملة بالأسلحة إلى ما يسمى «فجر ليبيا»، مشيرة إلى أن مسؤولين غربيين تتبّعوا رحلات الأسلحة القطرية التي تهبط على مدينة مصراتة، على بعد 100 ميل من شرق طرابلس، حيث توجد معاقل الميليشيات. |
لماذا «تلعفر»؟
يقع قضاء تلعفر في محافظة نينوى في شمال العراق، غرب مدينة الموصل بمسافة تقدّر بنحو 70 كلم، كما أنها قريبة للغاية من حدود العراق مع سورية، ويتبع قضاء تلعفر ثلاث نواحٍ إدارية، هي: زُمار، وربيعة، والعياضية، ويحدّه من الشرق قضاء الموصل، ومن الشمال قضاء دهوك، ومن الغرب قضاء سنجار، ومن الجنوب قضاء الحضر.
ويُعد من أكبر أقضية المحافظة بعد مدينة الموصل، ويمثل سكانه تركيبة اجتماعية متنوعة، حيث يتوزعون قوميّاً بين العرب والتركمان، ومذهبيّاً بين السنة والشيعة، والتركمان هم الأكثر عدداً في المدينة، وقد سيطر تنظيم «داعش» على مدينة تلعفر في يونيو 2014.
وتأتي أهمية تحرير المدينة من سيطرة «داعش»، كونها آخر معاقل التنظيم في محافظة نينوى، فضلاً عن أن مدينة تلعفر تُعد من أهم معاقل التنظيم، وتقع على طريق إمداده بين الموصل وسورية، وستؤدي السيطرة عليها إلى تمكّن القوات العراقية من السيطرة على الحدود بين العراق وسورية.
كما أن عدداً من قيادات «داعش» ينتمي إلى هذه المدينة بالأساس، وبعد تحرير الموصل انتقل المئات من عناصر التنظيم إليها، فضلاً عن أن المدينة تُعد محوراً للصراع الإقليمي الإيراني التركي على النفوذ في شمال العراق.
التطورات الميدانية:
انطلقت عملية تحرير تلعفر في 20 أغسطس 2017، وأحرزت القوات العراقية المشتركة تقدماً في بعض المناطق منذ اليوم الأول للعملية، وصارت على بعد 30 كلم من حدود المدينة؛ حيث هدفت الخطة إلى كسر خطوط الصد الأولى لـ«داعش»، حتى تتمكن القوات من التوغل إلى مركز المدينة، وتمكنت قوات الشرطة الاتحادية من تحرير منطقة العبرة الصغيرة بدعم من طيران الجيش العراقي.
وبعد مرور ثلاثة أيام على انطلاق عملية تلعفر تمكنت قوات الجيش العراقي من اقتحام مركز قضاء تلعفر من الجهات الشرقية والغربية والجنوبية للمدينة؛ حيث صرح قائد عمليات «قادمون يا تلعفر»، الفريق الركن عبدالأمير رشيد يارالله، بأن قوات الفرقة المدرعة التاسعة والألوية 2 و11 و26 التابعة للحشد الشعبي، تمكنت من اقتحام مركز مدينة تلعفر من جهتها الشرقية، وأن قوات جهاز مكافحة الإرهاب اقتحمت حي الكفاح أول أحياء المدينة.
بينما تولت بعض القوات الأخرى من جهاز مكافحة الإرهاب اقتحام المدينة من الجهة الجنوبية الغربية، وذلك بدعم من قوات المدفعية والقوات الجوية.
كما تمكنت قوات الشرطة الاتحادية والحشد الشعبي من تأمين طريق حيوي للقوات شمال تلعفر، واقتحام حي التنك. وبحلول اليوم السادس واصلت القوات المشتركة تقدمها إلى مركز المدينة، وسيطرت على العديد من القرى المحيطة بمركز قضاء تلعفر وحي المعلمين، واستطاعت تحرير أجزاء كبيرة من حي الربيع، وحي السعد، واقتحام حي الطليعة، في ظل انسحاب عناصر «داعش» إلى أحياء أخرى من المدينة، وإقامة سواتر ترابية، ووضع كتل خرسانية لمنع تقدم القوات العراقية باتجاه مركز المدينة.
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية في اليوم السابع لإعلان انطلاق المعركة عن السيطرة على مركز مدينة تلعفر، وقلعتها التاريخية الواقعة وسط المدينة، وبساتين تلعفر، والعديد من القرى، وفرض السيطرة بشكل كامل على جبل شيخ إبراهيم، وسلسلة جبال زمبر، وتحرير حي العروبة الثانية، والسلام، ومنطقتي حسن كوي والبواري، وإحياء القادسية الأولى والثانية والربيع، ليعلن بذلك جهاز مكافحة الإرهاب، الذي اقتحم المدينة من محورها الجنوبي، انتهاء مهامه القتالية.
سرعة الحسم:
تبدو معركة تحرير تلعفر من سيطرة تنظيم «داعش» أكثر سرعة وحسماً إذا ما قورنت بالمعارك التي خاضتها القوات العراقية من أجل تحرير المدن الأخرى التي سيطر عليها «داعش»، لاسيما معركة تحرير الموصل الأقرب إلى تلعفر.
وقد تعود سرعة تحرير المدينة إلى أن تلعفر تعد أصغر كثيراً من حيث المساحة والسكان، مقارنةً مع مدينة الموصل التي تُعد ثاني أكبر مدن العراق، وإذا كان تحرير الجانب الأيسر من المدينة قد تحقق في وقت قصير، فإن المعضلة كانت في جانبها الأيمن، أو ما يُعرف بالمدينة القديمة ذات الطرق الضيقة، والبيوت المتلاصقة والأحياء المكتظة بالسكان، خصوصاً عندما حاصر عناصر «داعش» الآلاف من المدنيين في هذه الأحياء، واستغلّهم كدروع بشرية في المعركة.
من جانب آخر، فإن تنظيم «داعش» قد قاتل باستماتة في معركة الموصل، نظراً لأنها المدينة التي أعلن من خلالها «دولته المزعومة»، إذ حاول بمختلف الطرق والوسائل تجنيد المئات من المقاتلين، واستخدم حرب الشوارع والكمائن والألغام والسيارات المفخخة والقناصين للحفاظ على الموصل؛ إلا أن القوات العراقية استطاعت تحقيق نصر كبير في تحرير المدينة، وقامت باستعادة السيطرة عليها، بينما كان الحال بالنسبة لتلعفر مختلفاً، فهي أقل أهمية بالنسبة لـ«داعش» في ظل تلقّيه الهزيمة تلو الأخرى.
يُضاف إلى ذلك تلك الخبرة المتزايدة والدروس التي اكتسبتها القوات العراقية خلال خوضها المعارك السابقة، لاسيما معركة الموصل، وهي ما أسهمت في حسم معركة تلعفر بشكل أسرع من سابقتها.
ما بعد التحرير
يثير التحرير السريع لمدينة تلعفر من قبضة تنظيم «داعش» تساؤلات عدة حول كيفية إدارة مرحلة ما بعد التحرير، والتعامل مع التعددية القومية والمذهبية بالمدينة، ومعالجة المشكلات التي تسببت في ضعف المناعة المجتمعية للمدينة في مواجهة التمدّد الداعشي.
وعلى الرغم من أن المعطيات الأولية لمرحلة ما بعد التحرير لا تنطوي على دلالات واضحة على مستقبل المدينة؛ إلا أن بعض المؤشرات تؤكد أن تلعفر ستكون محوراً للصراع على النفوذ الإقليمي، في ظل الحجم الضخم لمتطلبات إعادة الإعمار، وعدم توافر الموارد الكافية لإدارة هذه العملية في ظل السياسات الاقتصادية التقشفية وتراجع أسعار النفط.
ومن المرجّح أن تكون تلعفر ركناً أساسيّاً في التوترات بين الحكومة العراقية المركزية وحكومة إقليم كردستان، باعتبارها ضمن المناطق المتنازع عليها بين الطرفين، والتي تطالب القوى السياسية الكردية بتبعيتها للإقليم جغرافيّاً، وهو ما يجعل التصعيد حول السيطرة على المدينة مطروحاً بقوة.
كما أن السيطرة على تلعفر تثير صراعاً إقليميّاً بين كلٍّ من تركيا وإيران؛ حيث تسعى تركيا للسيطرة على المدينة لحماية التركمان فيها، وهو ما دفعها إلى التدخل العسكري في العراق ونشر قواتها في معسكر بعشيقة. في المقابل، تتمسك إيران بالسيطرة على المدينة لحماية الشيعة، وتأمين الممر الرابط بين طهران وبيروت، ما يزيد من احتمالات تجدّد الصراع على السيطرة على تلعفر بين الفصائل العراقية والقوى الإقليمية الرئيسة وثيقة الصلة بالشأن العراقي.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news