البعض في دول اللجوء يضيق ذرعاً باللاجئين
دوافع التحريض ضد اللجـوء السوري في الشرق الأوسط
أضحت معضلة اللاجئين السوريين تستعصي على أي حلول عملية في المستقبل المنظور، وقد تكون مرشحة لمزيدٍ من التعقيد والتفاقم، لاسيما في سياقات إقليمية ودولية صراعية استقطابية، تحكمها حسابات المصالح، حيث كشفت الحملات المتزايدة التي تستهدف اللاجئين السوريين، عن تصاعد الاحتقان ضدهم، وتزايد الدعوات لإعادة اللاجئين إلى دول الصراعات، وقد بدأت هذه الحملات بصورة كبيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، ثم انتقلت إلى الشارع في دول اللجوء، بالتوازي مع خطاب إعلامي بات يرى في اللاجئين تهديداً أمنيّاً وعبئاً اقتصاديّاً، وهو ما يزيد من انتشار الحملات الشعبوية، وخطاب الكراهية والعنف ضد اللاجئين، ليس فقط في أوروبا، وإنما في الشرق الأوسط أيضاً.
تصاعد حملات العنف يمكن القول إن هناك تصاعداً ملحوظاً في حملات العنف تجاه اللاجئين السوريين في عددٍ من دول الإقليم، وما يزيد من تعقيد الوضع أن تنامي النزعات اليمينية في المزاج الأوروبي العام يجعل مستقبل اللاجئين مظلماً، بالنظر إلى حالة الرفض التي يخلقها خطاب الكراهية الذي تروّج له أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا. وقد يزيد من قتامة المشهد استمرار الجرائم الإرهابية التي يقوم بها منحدرون من أصول إسلامية في بلدان القارة الأوروبية المختلفة، وفقاً لاستراتيجيات «الدهس»، وتفجيرات من باتوا يُعرفون إعلاميّاً بـ«الذئاب المنفردة»، وهو ما يعني بالتالي مزيداً من معاناة اللاجئين السوريين، الذين باتوا مهدّدين ما بين البقاء في أوطانهم بلا أمن، واللجوء إلى أوروبا بلا أمل. • احتدمت حملات التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان، نهاية يونيو الماضي، إثر قيام انتحاريين بتفجير أنفسهم خلال قيام قوات من الجيش اللبناني بتفتيش مخيمات للاجئين في بلدة عرسال الحدودية، وعلى إثر ذلك تم اعتقال 150 سوريّاً من مخيمات عرسال. • تصاعدت الحملات المُحرِّضة ضد اللاجئين السوريين في تركيا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشر «هاشتاغ» في يوليو 2017، يطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم، وكتب عليه عدد كبير من الأتراك تعليقات معادية للاجئين السوريين. • معظم اللاجئين السوريين لن يكون باستطاعتهم العودة إلى أراضيهم في وقت قريب، بالتوازي مع إعادة إعمار وبناء الدولة التي مزقتها الحرب، خصوصاً أن معضلة الأزمة السورية تكمن في أنها باتت ساحة مفتوحة لحروب بالوكالة. |
مؤشرات التحريض
تُشير تقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين الصادرة في مارس 2017، إلى أن إجمالي عدد اللاجئين السوريين الفارّين إلى دول الشرق الأوسط قد تجاوز الخمسة ملايين شخص، يتركز معظمهم في دول، مثل: تركيا، ولبنان، والأردن، والعراق، ومصر.
ووفقاً لآخر تحديثات للمفوضية على موقعها الإلكتروني الرسمي، يصل عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها في تركيا إلى ما يعادل 2.7 مليون لاجئ، يعيشون بالمناطق الحضرية، ونحو 260 ألف لاجئ، يقيمون في 23 مخيماً للاجئين في محافظات: هاتاي، وغازي عنتاب، وكيليس، وسانليورفا. في حين يستضيف لبنان أكثر من مليون لاجئ سوري في أكثر من 1700 موقع في أنحاء البلاد كافة، ويعيش نحو 70% من اللاجئين السوريين في لبنان تحت خط الفقر، بأقل من 3.84 دولارات يوميّاً للفرد.
أما الأردن فيوجد فيه أكثر من 600 ألف لاجئ سوري، ويقيم نحو 80% منهم في المناطق الحضرية، بينما يُقيم أكثر من 100 ألف آخرين في مخيمي الزعتري والأزرق.
وعلى الرغم من الصراعات المذهبية والإثنية التي يشهدها العراق، بالإضافة إلى أنشطة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى المنتشرة على الأراضي العراقية؛ فإنه يستضيف نحو 25 ألف لاجئ من سورية.
وتصاعدت الحملات المُحرِّضة ضد اللاجئين السوريين في تركيا (المستضيف الأكبر للاجئين السوريين) على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث انتشر «هاشتاغ» في يوليو 2017، يطالب بإعادة السوريين إلى بلادهم، وكتب عليه عدد كبير من الأتراك تعليقات معادية للاجئين السوريين، وتطور الأمر من الواقع الافتراضي إلى كتابة بعض العبارات المعادية تجاه اللاجئين على الجدران، وقد أدى هذا إلى حدوث سلسلة من الاعتداءات تعرّض لها اللاجئون السوريون في مناطق عدة، لاسيما في العاصمة أنقرة.
وشهد مطلع يوليو 2017 اشتباكات بين المواطنين الأتراك والسوريين اللاجئين في منطقة ينيماهال بأنقرة، ما أدى إلى إصابة شخصٍ واحدٍ على الأقل، وتضرر عددٍ من أماكن العمل التابعة للاجئين السوريين والتركمان العراقيين.
إزاء تلك الظاهرة في تركيا، ألقت تصريحات حكومية باللوم على جهات خارجية، حيث صرّح نائب رئيس الوزراء التركي، ويسي كايناك، في يوليو 2017، بأن «هناك تحريضاً اجتماعيّاً ضد السوريين»، مضيفاً: «إنها مبادرة خبيثة يجري التحريض عليها من الخارج».
في حين حذرت الداخلية التركية من أن هذا الأمر «هو فتنة ونفاق، ومحاولة لاستثمار موضوع السوريين في تركيا كأداة من أدوات السياسة الداخلية».
أما في لبنان (ثاني أكبر مستقبل للاجئين السوريين)، فظهر عدد من الميليشيات التي تُطلق على نفسها «حماة الديار» تنشر مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، تتوّعد فيها اللاجئين السوريين، وتهدّدهم في حال القيام بأي فعاليات احتجاجية لمواجهة ما يتعرضون له من ممارسات مسيئة، مع تزايد الممارسات العنصرية وتفاقمها ضد اللاجئين في لبنان.
وقد احتدمت حملات التحريض ضد اللاجئين السوريين في لبنان، نهاية يونيو الماضي، إثر قيام انتحاريين بتفجير أنفسهم خلال قيام قوات من الجيش اللبناني بتفتيش مخيمات للاجئين في بلدة عرسال الحدودية، وعلى إثر ذلك تم اعتقال 150 سوريّاً من مخيمات عرسال.
وصرّح وزير الخارجية اللبناني، جبران باسيل، في يوليو 2017 قائلاً: «نبّهنا من اليوم الأول بأن ملف النازحين يُشكِّل هاجساً أساسيّاً لدينا، وأصبح حقيقة، كونه يُشكّل ملجأ ومأوى لبعض الإرهابيين».
أما الرئيس اللبناني، ميشيل عون، فقد سارع إلى تهدئة الوضع، داعياً إلى نبذ التحريض ضد السوريين في الأراضي اللبنانية، مؤكداً في يوليو 2017 أن «حلّ أزمة النازحين السوريين، والحد من أعبائها السلبية على الوضع العام في البلاد، لا يكون من خلال نشر الكراهية وتعميمها بين الشعبين الشقيقين والجارين».
دوافع الكراهية
مع تزايد تلك الظواهر المقلقة التي باتت تمسّ أمن وسلامة اللاجئين السوريين في دول اللجوء، فإن التساؤل يبدو منطقيّاً بشأن مستقبل حملات التحريض وخطاب الكراهية، الذي يستهدف هؤلاء اللاجئين لاعتبارات سيادية يتعلق بعضها بمحفزات داخلية في دول اللجوء، في حين يتعلق بعضها الآخر باستحقاقات الصراعات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.
وما يزيد من تعقيد الوضع الحالي أن معظم اللاجئين السوريين لن يكون باستطاعتهم العودة إلى أراضيهم في وقت قريب، بالتوازي مع إعادة إعمار وبناء الدولة التي مزقتها الحرب، خصوصاً أن معضلة الأزمة السورية تكمن في أنها باتت ساحة مفتوحة لحروب بالوكالة بين أطراف إقليمية ودولية عدة، ذات استراتيجيات متناقضة، ومصالح متقاطعة، الأمر الذي يُصعِّب من مهمة التقاء الجميع على كلمة سواء لإنهاء الأزمة، ويمكن توضيح أسباب الكراهية المتصاعدة للاجئين في ما يلي:
1- تدهور الأوضاع الاقتصادية
أدت الكثافة المرتفعة للسوريين في المحافظات التركية الواقعة في الجنوب والشرق، إلى ارتفاع معدلات البطالة بتلك المناطق، كما تسبب الإطار التشريعي الحالي بتركيا في تفاقم مشكلات سوق العمل في المنطقة، من خلال دفع القوة العاملة المحلية والسورية إلى التنافس على الوظائف غير الرسمية ذات الأجور المتدنية. وفي لبنان، وفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية في عام 2016، أدت تدفقات اللاجئين السوريين إلى تضاعف معدلات البطالة إلى نحو 20%، كما صرّح وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس، في أغسطس 2014، بأن تدفقات اللاجئين السوريين أدت إلى خسائر اقتصادية قُدِّرت بنحو 7.5 مليارات دولار خلال عام ونصف العام فقط. وفي الوقت نفسه، فإن ما يقارب من نصف اللاجئين السوريين ناشطون اقتصاديّاً، ويعمل العديد منهم في وظائف متدنية المهارات في الاقتصاد غير المنظم.
2- التهديدات الأمنية
على الرغم من أن تركيا تُعد من أكبر الدول المستضيفة للاجئين؛ إلا أن هناك عدداً من العمليات رصدتها منظمة العفو الدولية في تقريرها السنوي لعام 2016/2017، لإعادة قسرية جماعية للسوريين على أيدي قوات الأمن التركية، فضلاً عن الإجبار القسري غير المشروع لبعض السوريين على العودة إلى سورية قبل دخول الحدود التركية باستخدام أساليب العنف.
وربما يعود ذلك، وفقاً لكثير من المراقبين، إلى الهواجس التركية المتزايدة من تسلل بعض عناصر «داعش» أو عناصر حزب العمال الكردستاني وغيره من الأحزاب الكردية المحظورة تركيّاً، إلى داخل البلاد بين تدفقات اللاجئين السوريين.
3- اختلال التوازن الطائفي
على الصعيد اللبناني، يُعد تدفق اللاجئين السوريين ماسّاً بالتوازن الطائفي شديد الحساسية في البلاد، بين السنّة والشيعة والمسيحيين، ومن ثمّ فإن تداعيات بقاء النازحين السوريين في لبنان على المدى الطويل، ربما تكون كارثية على المستويات الديموغرافية والأمنية، بالشكل الذي بدا واضحاً في أزمة عرسال الأخيرة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news