هجمات سبتمبر جسّدت شكل الحرب في القرن الـ 21
عندما حطمت الطائرات مبنى التجارة العالمي في مدينة نيويورك في 11 سبتمبر 2001، وهاجمت مبنى وزارة الدفاع الأميركية، (بنتاغون)، أحدثت حالة من الفوضى، وقضت على ما يقرب من 3000 شخص. ويكشف السكرتير الصحافي السابق للبيت الأبيض، اري فلايشر، ما شاهده من حالات الرعب الذي بدأ يتكشف أمامه خلال ذلك اليوم المشهود، عندما كان بمعية الرئيس الأميركي آنذاك، جورج بوش الابن، الذي كان في زيارة لإحدى المدارس في فلوريدا. وقدم فلايشر بياناً مفصلاً عن وقائع ذلك اليوم.
• أفراد الخدمة السرية طلبوا من مسؤولي البيت الأبيض أن يسرعوا في مشيهم، بل عليهم أن يركضوا، وطلبوا من النساء أن يخلعن أحذيتهن ويجرين. • بعد أن علم أن أميركا تتعرض للهجوم ظل بوش في غرفة الصف لبضع دقائق يستمع للأطفال، ثم جمع أفكاره، ولم يكن لدى المعلم والأطفال أي فكرة عما يجري. • من الجبهة اليسرى للمروحية، استطاع الرئيس بوش أن يرى بوضوح البنتاغون، وقال معلقاً: أعظم مبنى في العالم يشتعل بالنيران، هذه هي الحرب في القرن الـ21. |
ويروي فلايشر أنه استيقظ في نحو السادسة صباحاً، وكان يعمل لوقت متأخر في ليلة ذلك اليوم، وكان من المقرر أن يستقل الموكب الرئاسي في الساعة الثامنة. ويتذكر أنه كان يوماً رائعاً في فلوريدا عندما ذهب مع الرئيس إلى هناك لزيارة المدارس المحلية، وكان من المتوقع أن يزور في صبيحة ذلك اليوم مدرسة في ساراسوتا. يقول فلايشر «بدأ الرئيس بوش يومه بممارسة رياضة الركض، وخلال ممارسته لهذه الرياضة شاهد مراسل بلومبيرغ، ديك كيل، الذي كان أيضاً عدّاء، وطلب منه الانضمام إليه». ويواصل فلايشر حديثه قائلاً «ثم قدمت له وكالة المخابرات المركزية (سي آي ايه) الإيجاز اليومي، وكانت الانتفاضة الثانية لاتزال مستمرة، وركز معظم الإيجاز على العنف في الضفة الغربية».
في هذه الأثناء، غادرت رحلة «أميركان ايرلاينز» رقم 11 مطار لوغان، متوجهة إلى لوس أنجلوس، وعلى متنها 92 مسافراً، وكانت الساعة نحو 8:15 صباحاً، وغادرت رحلة «يونايتد ايرلاينز» رقم 175 بوسطن متوجهة إلى لوس أنجلوس، وعلى متنها 65 راكباً. وبعد نحو خمس دقائق، غادرت الرحلة 77 لطائرة تابعة لخطوط أميركان ايرلاينز مطار دالاس بواشنطن، وعلى متنها 64 مسافراً، متجهة إلى لوس أنجلوس.
ويروي فلايشر إن الموكب غادر الفندق الذي يقيمون به في نحو الساعة 8:30 صباحاً وتوجه إلى مدرسة «إيما إي بوكير» الابتدائية، وفي الساعة 8:40 صباحاً اقلعت رحلة «يونايتد ايرلاينز» رقم 93 من مطار نيويورك، نيوجيرسي، متجهة إلى سان فرانسيسكو، وعلى متنها 44 راكباً.
أخبار عاجلة
تعرضت رحلة «أميركان ايرلاينز» رقم 11 للاختطاف في 8:46 وتلقى فلايشر رسالة من خلال جهاز البيجر، علم منها أن الطائرة اصطدمت ببرج مركز التجارة العالمي، ما أسفر عن موت جميع من كانوا على متنها، ومئات الآخرين الذين كانوا في البرج. ويقول «كان البيجر أسرع وسيلة لنقل الرسائل في ذلك الوقت»، ويمضي قائلاً «وصلتني رسالة البيجر عن طريق مساعد شاب بالمكتب الصحافي بالبيت الأبيض يدعى بريان برافو، وسمع بتلك الحادثة عن طريق صديق له في مدينة نيويورك تحدث معه هاتفيا»، وأضاف: «لم تكن لدينا معلومات أكثر من تلك، لم نكن نعرف ما إذا كان ذلك حادثاً أو شيئاً آخر».
ويقول فلايشر كان الرئيس السابق بوش يصافح مسؤولين في المدرسة، عندما قام كبير مستشاري الرئيس بوش ورئيس موظفي البيت الأبيض، كارل روف، باطلاعه على الخبر. ويقول فلايشر «ذهب الرئيس مباشرة إلى غرفة آمنة للاطلاع على مزيد من الأخبار»، ويضيف «في كل مكان يذهب إليه رئيس الولايات المتحدة، يقيم الجيش غرفة آمنة مع هواتف سرية، و لم أشهد أبداً استخدام تلك الهواتف حتى ذلك الصباح».
وتحدث بوش على الهاتف مع وزيرة الخارجية آنذاك، كوندوليزا رايس، لكن لم يدرك أي شخص ما إذا كان الحادث عملاً إرهابياً أم غير ذلك. وفي 09:03، تحطمت الطائرة الثانية، الرحلة 175 لـ«يونايتد ايرلاينز» في البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي، ما أسفر عن مقتل جميع الركاب على متن الطائرة وكثيرين في البرج.
أميركا تتعرض للهجوم
كان الرئيس بوش في فصل دراسي يستمع إلى الأطفال يقرأون له عندما تلقى فلايشر رسالة ثانية بالبيجر. ثم قاطع رئيس موظفي البيت الأبيض السابق، اندرو كارد، الجلسة الاستماعية لبوش ليعلن له «أميركا تتعرض للهجوم». يقول فلايشر «ظل بوش في الغرفة لبضع دقائق يستمع للأطفال، ثم جمع أفكاره، ولم يكن لدى المعلم والأطفال أي فكرة عما يجري». ويسترسل «ذهب الرئيس للغرفة الآمنة للتحدث مع نائبه، ومع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، وكوندوليزا رايس وغيرهم»، وأضاف «تم جلب تلفزيون إلى الغرفة ورأى رئيس الولايات المتحدة إعادة لمشهد الطائرات وهي تصطدم بالبرجين».
ويقول فلايشر «في نحو الساعة 9:30 صباحاً، تحدث بوش إلى المدرسين والأطفال في صالة الألعاب الرياضية المدرسية، حاولت المخابرات أن تنقله خارج المدرسة لكنه أراد أن يخاطب أميركا»، وأضاف أن «بوش وصف ما حدث بأنه هجوم إرهابي واضح، لكن الصحافة حرفت عباراته في وقت لاحق، قائلة إنه لم يكن مستقراً على رأي».
وبعد نحو 30 دقيقة، تلقت المخابرات مكالمة تفيد بأن البيت الأبيض مهدد أيضاً بالهجوم. ثم غادر بوش المدرسة، كانت هناك سيارة معينة أقلت الرئيس، لكنها أيضاً كانت سيارة وهمية، حتى لا يعرف الناس أين هو بالضبط.
كانت رحلة «أميركان ايرلاينز77 » تتجه نحو البيت الأبيض، وتم إنزال نائب الرئيس، ديك تشيني، في مخبأ.
واصطدمت الطائرة بالبنتاغون في الساعة 9:37 صباحاً، ما أسفر عن مصرع 59 شخصاً على متنها و125 داخل البنتاغون. ويقول فلايشر «تم إبلاغ الرئيس عن الهجوم على البنتاغون وهو بالسيارة في طريقه إلى الطائرة الرئاسية، اير فورس ون، وسمعت عن ذلك عندما دخلت الطائرة». وتم تفتيش أمتعة موظفي البيت الأبيض قبل أن يستقلوا الطائرة.
نحو الساعة 9:45 صباحاً، تم تأجيل جميع الرحلات المغادرة والقادمة إلى الولايات المتحدة. كانت هذه هي المرة الأولى في التاريخ التي يحدث فيها مثل هذا الإجراء، وتم إجلاء جميع من كانوا في مبنى الكابيتول الأميركي والبيت الأبيض. وقال مسؤولون في البيت الأبيض لوكالة «فرانس برس» إن «مسؤولي البيت الأبيض أُبلغوا من قبل أفراد الخدمة السرية أن يسرعوا في مشيهم، بل عليهم أن يركضوا، وطلبوا من النساء أن يخلعن أحذيتهن ويجرين»، وفقاً لما رواه فلايشر.
وبقي فلايشر في مقصورة «اير فورس ون» مع بوش، ليسجل ملاحظات الرئيس وما يفعله وما يقوله. ثم أمر بوش عناصر الخدمة السرية بحماية زوجته وبناته لأنه ليس لديه فرصة للاتصال بهن.
سنتعامل مع ذلك
وقال بوش لنائبه تشيني: «يبدو أن هناك حرباً طفيفة تجري حولنا، لقد علمت بما جرى في البنتاغون». ولاتزال هناك ثلاث طائرات أخرى مفقودة، ويبدو أنها تستعد لمزيد من الهجمات. وفي نحو الساعة العاشرة صباحاً، انهار البرج الجنوبي لمركز التجارة العالمي. يقول فلايشر «في هذه اللحظة التفت بوش إلى مسؤوليه وقال لهم: نحن في حالة حرب، هذا ما سنهتم به يا أصدقائي، سنتعامل مع ذلك، وعندما نعرف من الذي فعل ذلك فإن من فعلوه سيكرهونني كرئيس، شخص ما سيدفع الثمن غالياً». ويمضي فلايشر قائلاً «أقلعنا بسرعة عالية أعلى من المعتاد، وأخبرني قائد طائرة (اير فورس ون)، مارك تيلمان، في وقت لاحق أن هناك تقريراً يتحدث عن وجود قناص».
ومع ذلك، كان القناص المفترض يعمل في البيت الأبيض، وكان ذلك واحداً فقط من العديد من الإنذارات الكاذبة في ذلك اليوم. ويروي فلايشر «لم يكن لدينا تلفزيون مع قنوات فضائية على (اير فورس ون) عندما طرنا فوق المدن الكبرى، ويجيء استقبال التلفزيون ويذهب وفقاً لقوة برج البث». ويمضي قائلاً «بما أن الاستقبال يأتي ويذهب، استطعنا مشاهدة التلفزيون والحصول على أخبار ما كان يجري، وكان الأمر محبطاً، وفي الوقت الراهن تتمتع (اير فورس ون) بتلفزيون مع قنوات فضائية»، بعد ذلك انهار البرج الشمالي لمركز التجارة العالمي قبل الساعة 10:30 صباحاً.
«آنجل» هو التالي
يقول فلايشر «تم إبلاغ رئيس الولايات المتحدة بخبر ورد من خلال البدالة يفيد بأن «آنجل سيكون التالي»، وآنجل هو الكلمة السرية لـ(اير فورس ون)».
ثم بعد ذلك تحطمت الرحلة 93 في ولاية بنسلفانيا «بالقرب من كامب ديفيد»، على بعد نحو 160 كيلومتراً منها. وخاطب بوش تشيني: «نحن في حرب ديك، وسنعرف من فعل ذلك، وسوف نركلهم كما يستحقون».
وكان هناك قلق من أن تكون الهجمات عبارة عن محاولة لشل الحكومة من الداخل، وأن هناك مسؤولين متورطين في ذلك، ورفضت الخدمة السرية إعادة بوش لواشنطن. هبطت «اير فورس ون» في لويزيانا، وأنزلت الركاب الذين لم تكن هناك حاجة إليهم، وتزودت بالطعام، ولم يكن أحد يعرف أنهم هبطوا هناك. ثم صدرت الأوامر لطاقم البيت الأبيض الموجود في الطائرة بأخذ لقاح «سيبرو»، وهو مضاد حيوي يحارب البكتيريا بالجسم، في حالة تعرضه لهجوم بيولوجي.
وعلمت وسائل الإعلام أن بوش سيعقد مؤتمراً صحافياً في قاعدة باركسديل الجوية، لكن طلبت الحكومة الأميركية من وسائل الإعلام أن تبقي على الموقع سراً. ثم اتصل بوش مرة أخرى بتشيني وأخبره «أعتقد أنه من الأفضل أن يرى الشعب حكومته تعمل بكامل قوتها لأن التلفزيون أظهر أن أمتنا قد تعرضت للدمار والقصف»، ويضيف: «الحكومة لم تُصَب بالفوضى، إنها تعمل بسلاسة، ونحن في طريقنا لإصلاح الوضع».
وقد تعرض بوش للانتقاد لعدم عودته إلى واشنطن، وطالب الشعب الأميركي بمعرفة مكان رئيسه، وعندما عاد الرئيس أخيراً إلى العاصمة، صرح فلايشر لصحيفة بوليتيكو: «من الجبهة اليسرى للمروحية، استطاع الرئيس أن يرى بوضوح البنتاغون، وقال الرئيس «أعظم مبنى في العالم يشتعل بالنيران، هذه هي الحرب في القرن الـ21».