إسرائيل تجاهر بدعمها انفصال كردستان
كشفت تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» لدعم انفصال إقليم كردستان، عن مخالفة الموقف الإسرائيلي لغالبية القوى الإقليمية والدولية الرافضة لإجراء الاستفتاء؛ إذ تسعى تل أبيب للاعتماد على كردستان للضغط على الداخل الإيراني، وتحفيز الأكراد في إيران وسورية وتركيا على الانفصال، وتأسيس نطاق جغرافي عازل في مواجهة إيران، كما لا ينفصل الموقف الإسرائيلي عن تاريخ التعاون الوثيق بين إسرائيل وأكراد العراق.
رعاية الانفصال:
يتضح الدعم الإسرائيلي لاستقلال كردستان من خلال مؤشرات عدة:
1- التصريحات الرسمية:
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، أكثر من مرة، تأييده لانفصال إقليم كردستان العراق، وإنشاء دولة كردية في شمال البلاد، حيث صرّح في عام 2014، خلال كلمته بمعهد دراسات الأمن القومي بتل أبيب، بأن «الأكراد شعب مقاتل وعصري على الصعيد السياسي، ولهم الحق في استقلال سياسي»، ما أثار حفيظة بغداد آنذاك.
كما جدد موقفه خلال استقباله وفداً من الكونغرس الأميركي، في 13 أغسطس 2017، وأكد أنه يدعم استقلال الإقليم عن العراق، لأن الشعب الكردي شجاع ومُوَالٍ للغرب، ويتقاسم القيم نفسها مع إسرائيل، وقد احتفى الأكراد بهذه التصريحات عبر رفع علم إسرائيل في تظاهراتهم المؤيدة للاستقلال بأربيل، وعدد من العواصم الأوروبية التي توجد فيها جاليات كردية، مثل باريس وبروكسل وبرلين.
هذا وقد قام عددٌ من السياسيين الإسرائيليين بالدفاع عن استقلال إقليم كردستان العراق؛ حيث أجرى وزير الخارجية الإسرائيلي السابق «أفيغدور ليبرمان» في عام 2014 اتصالاً هاتفيّاً بنظيره الأميركي آنذاك «جون كيري»، يحثه فيه على تغيير موقف واشنطن من استقلال كردستان، على اعتبار أن العراق مقسم عمليّاً، بينما اعتبرت وزيرة القضاء الإسرائيلية «إيليت شكيد» (القيادية بحزب البيت اليهودي) في سبتمبر 2017، أن من مصلحة إسرائيل والولايات المتحدة قيام دولة للأكراد في المنطقة، على أن تكون بداية في العراق.
• تشير بعض التحليلات إلى احتمال قيام إسرائيل بدعم الحركات الانفصالية في إيران وتركيا، وتأمين الدعم لها. • أصبح إقليم كردستان العراق إحدى ساحات العمل النشطة لعناصر الأمن والمخابرات الإسرائيلية، حيث يُمكِّن موقع الإقليم المرتفع - بفعل طبيعته الجبلية - من مراقبة الأوضاع في إيران وسورية وتركيا. |
2- الاتصالات المستمرة:
هناك علاقات تاريخية ممتدة بين أربيل وتل أبيب تؤكد دعم كلٍّ منهما للآخر، حيث بدأت دولة إسرائيل في إجراء اتصالات سرية مع أكراد العراق منذ عام 1948، ومع حلول عام 1965 أصبحت العلاقات مباشرة بين قيادة الحركة الكردية بالعراق و«ديفيد كمحي»، أحد أبرز الدبلوماسيين الإسرائيلين، الذي أكد استعداد إسرائيل لتقديم الدعم العسكري والمالي للأكراد للاستقلال عن العراق.
وقد كشفت وسائل الإعلام الإسرائيلية في عام 2004 عن عقد اجتماعات بين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق «إرئيل شارون» وقياديين كرديين، هما «مسعود برزاني» و«جلال طالباني» لبحث التعاون بينهما، كما أعلن «مسعود برزاني» في عام 2006 عن ترحيبه بفتح قنصلية إسرائيلية في أربيل عاصمة كردستان. وتشير بعض التقديرات إلى أن كردستان تضم ما يراوح بين 400 و730 عائلة يهودية، وخلال عامي 2014 و2015 قدمت وكالة الغوث الإسرائيلية مواد إغاثة للاجئين بإقليم كردستان، ورحبت أربيل بذلك.
3- الدعم الإعلامي:
بدأت الصحف ووسائل الإعلام الإسرائيلية، أخيراً، حملات واسعة للإعلان عن تأييد انفصال كردستان العراق، حيث أكدت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية أن كردستان هي المكان الوحيد في الشرق الأوسط الذي أصبح يرفع علم إسرائيل، وعلى تل أبيب دعمهم حتى الحصول على استقلالهم.
كما أن الصحافة الإسرائيلية قد بدأت شن هجوم حادٍّ على تركيا لرفضها انفصال إقليم كردستان العراق؛ حيث اتهمتها صحيفة «جيروزاليم بوست» بأنها دولة «غير ديمقراطية لا تحترم مبدأ تقسيم السلطة»، لذلك تعارض بشدة استقلال الإقليم.
وقد انقسم الأكراد حول الدعم الإسرائيلي لمطلبهم الانفصال عن العراق؛ حيث رفض البعض التدخل الإسرائيلي في المسألة الكردية، لأنه سيُضعف الموقف الكردي، وسيعمل على استعداء الدول العربية ضد الدولة الكردية، بينما رحب به آخرون، ووجدوا في إسرائيل حليفاً مستقبلياً داعماً لهم.
مصالح تل أبيب:
توجد العديد من الدوافع التي تحفز إسرائيل على تأييد انفصال إقليم كردستان العراق، ومنها:
1- توسيع النفوذ الإقليمي:
تسعى تل أبيب دائماً إلى بسط نفوذها الإقليمي في مناطق جديدة، ومن هذا المنطلق تدعم استقلال كردستان الذي سيضمن لها وجود دولة شرق أوسطية حليفة دائمة لإسرائيل، فلا توجد أي دولة عربية أو شرق أوسطية تؤيد استقلال الإقليم سوى إسرائيل.
ويُنذر هذا الدعم الإسرائيلي بوجود تحالف مستقبلي بين أربيل وتل أبيب، ما يصبُّ في مصلحة الطرفين، حيث تسعى إسرائيل للارتباط مع الدولة الكردية الجديدة - حال إعلانها - بشراكة استراتيجية تُقلص من عزلتها، وتزيد من أوراق الضغط بيدها على القوى العربية والإقليمية، وستضمن لها محاصرة سورية والعراق، وكذلك محاصرة تركيا وإيران.
2- استمرار التعاون الاستخباراتي:
تشير بعض التحليلات إلى وجود تعاون استخباراتي وأمني بين أكراد العراق وجهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) منذ فترة الستينات، الذي كان يهدف لاستخدامهم كمنطقة عازلة تفصل بين إسرائيل والدول العربية، واستمر ذلك التعاون على مدى العقود الماضية، وأصبح إقليم كردستان العراق إحدى ساحات العمل النشطة لعناصر الأمن والمخابرات الإسرائيلية، حيث يُمكِّن موقع الإقليم المرتفع - بفعل طبيعته الجبلية - من مراقبة الأوضاع في إيران وسورية وتركيا.
وتشير بعض الصحف الإسرائيلية إلى أن العديد من الشركات الإسرائيلية في كردستان يديرها ضباط متقاعدون في الاستخبارات الإسرائيلية، وقد كشفت مجلة «إسرائيل كورد» التي تصدر في أربيل، ولها مقر في إسرائيل، عن إبرام اتفاق بين زعيم الإقليم «مسعود برزاني» و«نتنياهو» تقوم إسرائيل بموجبه بنقل 200 ألف يهودي كردي للإقليم فور إعلان استقلاله عن العراق للاستثمار والعمل في بناء الدولة.
3- الضغط على تركيا وإيران:
تسعى إسرائيل للضغط على إيران عبر محاصرتها عن طريق كردستان، ودعم الحركة الكردية الإيرانية التي تعاني القمع المستمر في ظل نظام الحكم القائم بإيران، كما أن هناك عداء متصاعداً بين إسرائيل من جانب وإيران وحلفائها في المنطقة، خصوصاً «حزب الله» اللبناني من جانب آخر، وفي حالة تجدد الحرب بين إسرائيل و«حزب الله» فإن تل أبيب ستحصل على الدعم العسكري من الدولة الكردية الناشئة، وعلى الرغم من العلاقات الجيدة المعلنة بين أنقرة وتل أبيب، إلا أن التنافس بينهما مستمر في الخفاء.
وترفض إيران إقامة الدولة الكردية نظراً لسيطرة أكراد العراق على المناطق الحدودية بين إيران وسورية، وهي المناطق التي تسعى إيران للسيطرة عليها لجعلها ممرّاً أرضيّاً إيرانيّاً، بينما يأتي الرفض التركي لانفصال كردستان لعدم الرغبة في تصاعد المطالب الانفصالية لأكراد تركيا بدعم من حزب العمال الكردستاني التركي.
وتشير بعض التحليلات إلى احتمالية أن تقوم إسرائيل بدعم الحركات الانفصالية في الدولتين، وتأمين الدعم لها عبر الدولة الكردية الجديدة التي من المتوقع أن تعزز علاقاتها مع إسرائيل فور قيامها.
4- تأمين العمق الاستراتيجي:
ستعمل إسرائيل على تعزيز التعاون الأمني مع الدولة الكردية الناشئة، ما سيمكنها من تأمين حدودها، ومواجهة تهديدات التنظيمات الإرهابية الزاحفة من سورية والعراق، وربما تقوم إسرائيل بإنشاء قواعد أمنية ولوجستية وربما عسكرية في كردستان العراق، ما يتيح لإسرائيل قصف إيران وسورية بسهولة أكبر في حال نشوب حرب مع أيٍّ منهما.
5- تعزيز التعاون الاقتصادي:
تسعى إسرائيل لتعزيز الاستفادة من مشروعات التعاون الاقتصادي في مجالات: الزراعة، والتعدين، والتنقيب عن النفط، والسياحة، كما ترغب إسرائيل في تطوير البنية الصناعية بالإقليم، خصوصاً في الصناعات التحويلية.
وتقوم شركات إسرائيلية بتنفيذ مشروعات إسكانية، وأخرى خاصة بالبنية التحتية والمرافق العامة والطرق، في إقليم كردستان.
ويمكن القول إن استقلال إقليم كردستان العراق أصبح مسألة وقت، فالاستفتاء جرى في موعده المحدد، ويتوقع بدء مفاوضات بين بغداد وأربيل تمتد من عام إلى عامين تقريباً، كما أعلن «البرزاني»، وستتم برعاية أميركية لحل المشكلات والقضايا الخلافية، وهنا يتضح سبب إصراره على إجراء الاستفتاء في موعده، لأنه ضمن مسبقاً نتيجته بموافقة الشعب الكردي على الانفصال، ما سيمنحه ورقة ضغط جديدة على بغداد، وموقفاً قويّاً خلال التفاوض على وضع الإقليم مستقبلاً.
وبالتالي سيصبح أمام العراق حلان؛ أولهما نظام فيدرالي يتمتع فيه إقليم كردستان العراق بالمزيد من الحقوق والامتيازات في مواجهة الدولة المركزية، وثانيهما يتمثل في الانفصال وإعلان الدولة الكردية، ومن المتوقع أن يصب ذلك في مصلحة إسرائيل، ربما أكثر من الأكراد أنفسهم.