يستخدم آليات مختلفة لتحقيق هذا المطلب
تحوّلات في نشاط تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»
بدأ تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» في إجراء تغييرات عدة على المستوى التنظيمي والعملياتي خلال المرحلة الماضية، بشكل بات يفرض تهديدات عدة للعديد من دول منطقة الساحل والصحراء، حيث يسعى، وفقاً لاتجاهات عدة، إلى ملء الفراغ الناتج عن تراجع نفوذ ونشاط تنظيم «داعش». إلا أن ثمة اتجاهات أخرى تقلص من أهمية ذلك، وترجح أن يكون الهدف الأساسي للتنظيم من هذه التغييرات هو تجنب تكرار ما حدث مع تنظيم «داعش»، حيث ترى أن بعض القيادات داخل تنظيم «القاعدة» تتوقع أن يصبح الهدف التالي بعد الأخير.
عقبات محتملة سوف تواجه مساعي التنظيم للتمدد داخل مناطق جديدة عقبات عديدة لا تبدو هيّنة، إذ إن العمليات الإرهابية التي قام بها التنظيم إلى جانب المجموعات الإرهابية الأخرى دفعت دول المنطقة إلى رفع مستوى التنسيق الأمني في ما بينها، للتعامل مع التداعيات السلبية التي تفرضها على أمنها واستقرارها. كما أن التنظيمات الأخرى المنافسة، وفي مقدمتها تنظيم «داعش» مازالت لديها القدرة على استقطاب بعض العناصر المتطرفة في هذه المناطق، والحفاظ على مصادر تمويلها التقليدية، بشكل قد يقلص من قدرة التنظيم على استغلال تراجعها في الفترة الأخيرة، من أجل تكريس نفوذه في المناطق التي كانت تسيطر عليها، وهو ما يوحي في النهاية بأن المنطقة تبدو مقبلة على مرحلة جديدة من الصراع بين التنظيمات الإرهابية الرئيسة، لاسيما تنظيمي «القاعدة» و«داعش». - لم تقتصر تحالفات «القاعدة» في منطقة الساحل والصحراء على التنظيمات الإرهابية، وإنما امتدت أيضاً إلى إقامة شبكة علاقات مع بعض المجموعات القبلية التي تحظى بنفوذ واسع داخل هذه المناطق. - حرص التنظيم، خلال العامين الماضيين، على التمدد جغرافياً ودعم نفوذه في مناطق عدة بشكل تنظيمي أو عملياتي. |
وقد دفع ذلك قوى دولية مختلفة إلى اتخاذ إجراءات سريعة من أجل احتواء تأثير هذه التغييرات على مصالحها، فقد أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب مرسوماً تنفيذياً جديداً، في 24 سبتمبر 2017، وضع قيوداً غير محددة على جميع الرحلات القادمة إلى الولايات المتحدة الأميركية من ثماني دول كان من بينها تشاد، التي أشار المرسوم إلى وجود تنظيمات إرهابية عدة بها، كان في مقدمتها تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي».
وفي السياق ذاته، أعلنت وزارة الدفاع الألمانية، في 22 سبتمبر الماضي، منح النيجر معدات تقنية تصل قيمتها إلى نحو خمسة ملايين يورو لمساعدتها في مكافحة الإرهاب. كما دعمت فرنسا الجهود الحثيثة التي بذلتها دول منطقة الساحل والصحراء، من أجل إنشاء قوة إقليمية مشتركة لمكافحة المجموعات «القاعدية» المنتشرة في المنطقة، تتألف من 5000 عنصر.
ملامح عدة:
تتمثل أهم ملامح التغييرات الجديدة التي قام التنظيم بإجرائها خلال الفترة الأخيرة في ما يلي:
1- الانتشار الجغرافي:
حرص التنظيم، خلال العامين الماضيين، على محاولة التمدد جغرافياً، ودعم نفوذه في أكثر من منطقة، بشكل تنظيمي أو عملياتي، سواء عن طريق مجموعاته في منطقة الساحل والصحراء، أو عبر التنظيمات المتحالفة معه، حيث لم يعد نشاطه مقتصراً على مناطق نفوذه التقليدية في جنوب الجزائر وشمال مالي، وإنما امتد إلى دول مثل النيجر، التي أصبحت تمثل مصدراً لتجنيد عناصر جديدة، إضافة إلى بوركينا فاسو، التي ينشط فيها عبر تحالفه مع تنظيم «أنصار الإسلام» الذي يتزعمه مالام إبراهيم ديكو، الذي يوصف بأنه «العدو الأول» لبوركينا فاسو، فضلاً عن نيجيريا، التي سعى إلى تعزيز تمدّده فيها من خلال التحالف مع مجموعة عبدالله شيكاو، التي انفصلت عن حركة «بوكو حرام»، وعادت إلى «القاعدة» من جديد، بسب الخلاف على القيادة.
2- بروز قيادات غير تقليدية:
بدأت بعض الشخصيات، التي لم تكن معروفة على نطاق واسع، سواء داخل التنظيم أو حتى على مستوى التنظيمات الإرهابية بشكل عام، في تولي مناصب قيادية بارزة، سواء داخله أو في التنظيمات المتحالفة معه، أو القريبة من توجهاته، حيث أيّد التنظيم اختيار زعيم حركة «أنصار الدين» في شمال مالي، إياد آغ غالي، قائداً لجماعة «نصرة الإسلام والمسلمين»، التي أعلن عن تأسيسها في مارس 2017، وتعد بمثابة «مظلة قاعدية» تجمع حلفاء التنظيم في المنطقة، وهو ما بررته بعض القيادات في التنظيم، بأنه محاولة للتعامل بقدر أكبر من المرونة مع التطورات التي تشهدها تلك المنطقة، والابتعاد عن ما سمّته بـ«الجمود الفكري والتنظيمي».
3- التوسع في التحالفات التنظيمية:
حرص التنظيم على توسيع نطاق تحالفاته مع المجموعات الإرهابية الموجودة في منطقة الساحل والصحراء، لدعم مساعيه للانتشار في بؤر جديدة. وقد أشارت اتجاهات عدة إلى أنه يحاول عبر ذلك تكوين ما أطلقت عليه «هلال قاعدي»، وهو ما دفعه إلى دعم التحالف الأخير الذي أُعلن في مارس 2017، ويشمل جماعة «أنصار الدين» و«جبهة تحرير ماسينا»، و«إمارة منطقة الصحراء الكبرى»، و«المرابطون».
4- تنفيذ عمليات عابرة للحدود:
تعمّد التنظيم نقل نشاطه العملياتي إلى عدد من دول المنطقة، وعدم حصره في جنوب الجزائر وشمال مالي، حيث يقوم بشن هجمات إرهابية داخل دول الساحل الخمس (مالي وموريتانيا والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو)، مثل الهجوم الذي استهدف مطعم «عزيز إسطنبول» في مدينة واجادوجو، في 14 أغسطس 2017، وأسفر عن مقتل 17 شخصاً، والهجوم على القوات التابعة للأمم المتحدة في مدينة تمبكتو بشمال مالي بعد ذلك بيوم واحد، وأدى إلى مقتل سبعة أشخاص، منهم أحد عناصر تلك القوة، وخمسة حراس أمن ماليين، ومدني. وقد كشفت تقارير عدة عن أن هذه الهجمات تمثل مؤشراً إلى أن التنظيم يسعى إلى تعزيز تمدده في مناطق وسط إفريقيا خلال المرحلة المقبلة.
5- توسيع قاعدة المؤيدين:
لم تقتصر تحالفات «القاعدة» في منطقة الساحل والصحراء على التنظيمات الإرهابية، وإنما امتدت أيضاً إلى إقامة شبكة علاقات مع بعض المجموعات القبلية التي تحظى بنفوذ واسع داخل هذه المناطق، وقد مارست تلك المجموعات دوراً مهماً في دعم تنظيم «القاعدة»، عبر تقديم مساعدات لوجستية لمقاتليها، فضلاً عن نقلهم من جنوب الجزائر وشمال مالي، إلى بعض المناطق الأخرى التي سعى التنظيم إلى إقامة معسكرات فيها، والهروب من الضربات التي يتعرض لها من جانب بعض القوى المعنية بمحاربته.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news