استمرار المعارك في الغوطة المحاصرة وعشـرات الجـثـث تحـت أنقاض أبنيتها
استمرت المعارك العنيفة بين جيش النظام السوري والفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، أمس، مع دخول الحملة العسكرية ضد المدينة المحاصرة أسبوعها الرابع، وباتت المنطقة مجزأة فعلياً إلى ثلاثة أجزاء، وتنتشر تحت أنقاض مبانيها عشرات الجثث لضحايا سقطوا في القصف. وقالت الولايات المتحدة الأميركية، في تحذير لسلطات دمشق، إن استخدام الغاز سلاحاً سيكون «من الحمق الشديد»، واستشهدت بتقارير غير مؤكدة عن شن هجمات بغاز الكلور في الغوطة الشرقية، وانتقدت روسيا لدعمها النظام السوري.
وتفصيلاً، واصلت قوات النظام، أمس، تقدمها في الغوطة الشرقية، إذ سيطرت على بلدة مديرا، التي تتوسط الأجزاء الثلاثة التي قسمتها قوات النظام، وفق المرصد الذي أشار إلى اشتباكات تدور في محيطها، كما على جبهات أخرى بوتيرة أقل.
وكان جيش النظام السوري شن هجومه البري على الغوطة من الجهة الشرقية، وبسيطرته على مديرا، التقت قواته المتقدمة بتلك الموجودة عند الأطراف الغربية، وتحديداً قرب إدارة المركبات، القاعدة العسكرية الوحيدة لقوات النظام في الغوطة الشرقية.
ويضيّق الجيش السوري بشكل يومي الخناق أكثر على الفصائل المعارضة في الغوطة، حيث يعيش 400 ألف مدني محاصرين منذ عام 2013. ووثّق المرصد السوري، أمس، مقتل 12 مدنياً في القصف على الغوطة الشرقية.
ولاتزال جثث أكثر من 60 مدنياً عالقة تحت أنقاض الأبنية المدمرة في مسرابا وحمورية وسقبا، وفق ما نقل المرصد عن عائلات وجيران الضحايا.
وارتفعت بذلك حصيلة القتلى جراء القصف منذ بدء الحملة العسكرية في 18 فبراير إلى نحو 1111 مدنياً، بينهم 229 طفلاً. واستهدفت الفصائل المعارضة بدورها ضاحية جرمانا قرب دمشق.
وفي مدينة حمورية، شاهد مراسل «فرانس برس» شاباً يبحث بين الدمار عن عائلته. وقال إن والده ووالدته وأشقاءه الثلاثة قتلوا، ولاتزال جثثهم تحت الأنقاض.
وأفاد المراسل بانتشار رائحة كريهة في شوارع حمورية، ناتجة عن جثث لم يتم انتشالها منذ أيام.
وقال حسان (30 عاماً) من الخوذ البيضاء (الدفاع المدني في مناطق المعارضة) لـ«فرانس برس» إن عمليات الإغاثة التي حصلت تمت بجهد فردي، وبواسطة معدات خفيفة.
وأضاف «هناك حالياً أكثر من 20 عائلة تحت الأنقاض، ونحن بحاجة لآليات ثقيلة لانتشالهم، لكن ليس بمقدورنا استخدامها حتى لا يقصفها النظام. ليس بإمكاننا إسعاف أي أحد من تحت الأنقاض».
وفي مدينة دوما، أفاد مراسل «فرنس برس» عن جثث تتجمع في المشرحة، بسبب صعوبة دفنها، إذ بات من غير الممكن الوصول إلى المقبرة التي تقع عند الأطراف، نتيجة القصف.
وتمكنت قوات النظام، السبت، من عزل دوما بعد السيطرة على بلدة مسرابا إلى جنوبها، إثر حملة قصف عنيف مهدت لعملية اقتحام في مواجهة فصيل «جيش الإسلام».
ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا) أن الجيش، وبعد سيطرته على مسرابا، أخرج «عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال» من داخل أحد الأقبية، وتم نقلهم إلى «أحد مراكز الإقامة المؤقتة».
وتحدث مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، عن «إخراج قوات النظام بين 75 و100 شخص من مسرابا، التي باتت خالية من السكان، ويعمها دمار كبير جداً».
ويتزامن تقدم قوات النظام في الغوطة مع هدنة إنسانية أعلنتها روسيا، تنص على وقف الأعمال القتالية خمس ساعات يومياً، ويتخللها فتح «ممر إنساني» لخروج المدنيين، إلا أن أحداً لم يخرج منذ بدء تنفيذها قبل 12 يوماً، وفق المرصد.
وجراء التصعيد، يبحث مسؤولون محليون اتفاقاً لإجلاء جزئي من الغوطة الشرقية.
والتقت لجنة من مسؤولين محليين في مدينة حمورية ممثلين عن الحكومة السورية للتفاوض.
وقال عضو في اللجنة، فضل عدم الكشف عن اسمه، لوكالة فرانس برس «ناقشت اللجنة عرضاً للمصالحة يتضمن خروج المدنيين والمقاتلين الراغبين من حمورية إلى مناطق أخرى تسيطر عليها الفصائل المعارضة»، بينها إدلب (شمال غرب) أو درعا جنوباً. وأشار إلى أن «اللجنة ستعقد اجتماعاً لاتخاذ القرار».
وأوضح مدير المرصد السوري، رامي عبدالرحمن، لوكالة فرانس برس أن «المفاوضات مستمرة حول بلدات حمورية وجسرين وسقبا»، مشيراً إلى أن «القرار قد يُتخذ في أي لحظة».
ونفت الفصائل المعارضة مشاركتها في أي مفاوضات مع حكومة دمشق، مؤكدة رفضها سياسة الإجلاء.
في الأثناء، حذّر وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، سورية، أمس، من أن استخدام قوات النظام الغاز سلاحاً سيكون «من الحمق الشديد»، واستشهد بتقارير غير مؤكدة عن شن هجمات بغاز الكلور في الغوطة الشرقية، وانتقد روسيا لدعمها دمشق. ولم يصل ماتيس إلى حد التهديد بالرد على القوات السورية إذا تأكد شنها هجوماً بغاز الكلور، لكنه أشار إلى ضربة جوية على قاعدة جوية سورية في السادس من أبريل 2017، في أعقاب هجوم بغاز السارين. وقال إن الرئيس دونالد ترامب «لديه هامش مناورة سياسية كامل» لاتخاذ أي قرار يعتبره مناسباً.
وقال ماتيس للصحافيين، قبل هبوط طائرته في سلطنة عمان «سيكون من الحمق الشديد أن يستخدموا الغاز سلاحاً. وأعتقد أن الرئيس دونالد ترامب أوضح ذلك بشدة في بدايات حكمه».
وأضاف أنه ليس لديه حالياً أدلة واضحة على أي هجمات بغاز الكلور في الآونة الأخيرة، لكنه أشار إلى تقارير إعلامية عديدة عن استخدام ذلك الغاز.
وانتقد ماتيس روسيا لدعمها نظام الأسد، مشيراً إلى أنها ربما تكون حتى شريكة في ضربات القوات الحكومية السورية ضد المدنيين. وأضاف «إما أن روسيا عاجزة أو تتعاون عن كثب مع الأسد. هناك كثير من التقارير المروعة عن استخدام غاز الكلور أو الأعراض التي قد تنتج عن استخدامه». وقال البيت الأبيض، الأسبوع الماضي، إن الطائرات الحربية الروسية أقلعت من قاعدة حميميم الجوية في سورية، ونفذت ما لا يقل عن 20 مهمة قصف يومية في دمشق والغوطة الشرقية بين 24 و28 فبراير.
ورفض ماتيس توضيح ما إذا كانت الطائرات الروسية المقاتلة نفذت القصف بشكل مباشر، قائلاً إن موسكو شاركت على أي حال. وأضاف «هم شركاء الأسد، وأود ألا أفصح الآن عما إذا كانت الطائرة التي أسقطت القنبلة روسية أو سورية».
وكان مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان قال، هذا الشهر، إن الضربات الجوية التي تنفذها الحكومة السورية على الغوطة الشرقية وقصف دمشق من المنطقة التي تسيطر عليها المعارضة يشكل جرائم حرب.
ويتهم رجال إغاثة ونشطاء من المعارضة في الغوطة الشرقية الحكومة باستخدام غاز الكلور خلال الحملة.