«فكر 16» يناقش في يومه الأخيـــر دور الإعلام التقليدي والرقمي في صناعـة الاستقرار
تحت عنوان «صناعة الاستقرار: مساهمات القطاعات المؤثّرة»، تواصلت أعمال مؤتمر «فكر 16» لليوم الثالث والأخير، حيث عُقدت ثلاث جلسات متزامنة حملت عناوين مختلفة، شارك فيها 17 متخصّصاً من أرجاء الوطن العربي، وتناولت القطاعات المؤثّرة في العقل العربي ووجدانه، وكذلك في تكوين القيم والاتجاهات المجتمعية.
الإعلام
ناقشت جلسة «الإعلام» أدوار الإعلام المرئي والمكتوب، التي تراوح بين السلبيّة كترويج أخبار كاذبة، والتحريض على الانقسام والفوضى والتطرف، والإيجابية كتصحيح المفاهيم، وغرس قيم التكامل الوطني وتنميتها.
تحدث وزير الإعلام اللبناني، ملحم رياشي، عن المتغيّرات الحاصلة في قطاع الإعلام، وأكد أن الإعلام اليوم أصبح إعلاماً أفقياً وحاداً لا يتعامل مع الأحداث بدقة وعمق، وأصبح إعلام النتيجة من دون قراءة معمقة للأسباب، وهو إعلام خاضع لتوتاليتارية وسائل التواصل الاجتماعي، الذي تملكه شريحة كبرى لا تهتمّ بالدقة، وذلك يعود لسببين: ضيق الوقت بسبب الطبيعة الاستهلاكية للحياة، وفقدان قيمة ولذّة الجدل بطبيعته الفلسفية والثقافية والاجتماعية، إذ لم يعد هناك مكان لهذا الجدل وصولاً إلى تبسيط الأمور وتسطيحها.
ورأى الوزير رياشي أنّ صحافة اليوم في أغلبها نمطية تخدم مجتمعاً ينفعل الانفعالات نفسها ويخضع للمؤثرات نفسها، ويسعى إلى تعليب العقول الذي يتمّ وفق آلية خطرة، عبر حشرجة صالونات السياسة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي. وأكد أن الحل يكون بإعادة المشهد إلى أصله، إلى القيم المشرقية التي يمكن تصديرها إلى العالم.
وتحدّث مدير عام أبوظبي للإعلام، الدكتور علي بن تميم، عن دور الإعلام الثقافي في أربع مجالات، هي: محاربة التطرّف والإرهاب، وتشكيل الوعي المجتمعي، وبناء القيم، وبناء الهوية، وأكّد أنّ الإعلام في أبسط تعريفاته هو النقل الموضوعي للأخبار والوقائع، وقد يسعى هذا الإعلام إلى تزويد المتلقّي بأكبر قدر من المعلومات الدقيقة والوقائع الواضحة لغايات التثقيف والتنوير، وقد يقوم على التزييف والأكاذيب التي تُسهم في بثّ الفتن وإحياء عوامل التفرقة داخل المجتمع.
وأكّد الدكتور بن تميم على الدور المعرفي والتنويري الذي يجب أن يضطلع به الإعلام في التصدّي للإرهاب، ومحاولة تأسيس وعي يقوم على العقلانية، داعياً إلى الاستثمار بقوّة في الإعلام الرقمي ليصبح إعلاماً معرفياً ثقافياً تنويرياً، يُحدث الأثر الإيجابي المطلوب.
وشدّد على أنّ هذا النوع من الإعلام يقف بالمرصاد لإعلام الفتنة، ويعمل على تقوية التماسك المجتمعي في وجه الحركات الدينية المتطرفة.
واعتبر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات في مصر، الدكتور ضياء رشوان، أن الإعلام لطالما حظي باهتمام خاص لدى الجماعات المتشددة، خصوصاً جماعة «الإخوان المسلمين»، وازداد هذا الاهتمام أكثر على أثر ثورة 30 يونيو 2013، حيث تملك الجماعة اليوم ما يقارب 12 قناة، موجّهة إلى مصر والمغرب العربي. ولفت إلى أنّ الجماعة التفتت مبكراً إلى مواقع الإنترنت، وكان النائب الأوّل لمرشد الجماعة، خيرت الشاطر، أول من أنشأ موقعاً إلكترونياً للتعبير عن مواقف «الإخوان»، غير أنه لاحظ أن هذه القنوات لم تَصف يوماً أيّ جماعة متشدّدة بالإرهابية، حتى تنظيم «داعش».
وأكد أن الجماعة تستخدم الإعلام كأداة لتحقيق أهدافها، ومن بينها خلخلة الوضع الداخلي في مصر والسعودية والإمارات، وخلق حالة غضب شعبي على الأنظمة الحاكمة في هذه الدول.
من جانبه، اعتبر رئيس مجلس إدارة شركة هيكل للإعلام، عبدالسلام هيكل، أنه من غير المُنصف الاستمرار في تحميل وسائل الإعلام وزر ما ليست مسؤولة عنه أصلاً، وأكد أن الأمانة الإعلامية كلمة مطاطة، وإذا كان مطلوباً من وسائل الإعلام أن تكون موضوعية وحيادية، فعلينا قبل ذلك أن نعرّف الموضوعية والحيادية لأنهما مفهومان خلافيان، كما أنه لا وجود لحقيقة كاملة في الإعلام.
الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي
وتناولت جلسة الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي، الواقع الجديد الذي أوجدته وسائل التواصل الاجتماعية، والطريقة المثلى للتعامل معه بشكل إيجابي يضمن عدم تحويل المستخدمين من مجرد تلقّي المعلومات إلى إعادة إنتاجها، وتعزيز الوعي كنوع من التحصين ضد الأفكار السلبية التي تنتشر على هذه الشبكات.
استهلّت مديرة الجلسة رئيسة تحرير صحيفة «البيان»، الأستاذة منى بوسمرة، بطرح السؤال الأساسي: كيف نستطيع الاستفادة من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي للتأثير إيجاباً في الشباب والإسهام في صناعة الاستقرار بالوطن العربي، وتوقفت عند ضرورة مواكبة الإعلام العربي للتطوّر التكنولوجي، وحُسن استخدام الأدوات الجديدة التي يتيحها الإعلام الرقمي.
ثم منحت الكلمة لأستاذ الألسنية المعلوماتية والإعلام الرقمي في لبنان، الدكتور غسّان مراد، الذي أوضح أنّ شبكات التواصل الاجتماعي ليست وسائل إعلام بالمفهوم العلمي للإعلام كعلم، بل هي وسائل للتواصل، فهي لا تصنع المضمون بل تصنع المعلومات والبيانات. ورأى أنّ الشباب في الوطن العربي لا يشعر بالانتماء إلى وطنه وما يعزّز هذا الشعور لديه هو تعامل أصحاب القرار معه على أساس أنه شريحة منسلخة عن المجتمع، وهذا ما يجعله ضحيّة سهلة للأفكار السلبية وحتى المتطرفة.
هذا الرأي لقيَ صدى لدى الأكاديمية في جامعة الملك محمد الخامس، الدكتورة زهور كرّام، التي اعتبرت أنّ الوعي يجعلنا نفهم موقعنا الجديد والأدوات الجديدة المتاحة لنا، ورأت أن المدخل إلى فهم الواقع الجديد يجب أن يكون مدخلاً ثقافياً قائماً على الوعي، كي يعرف المتلقّي أن المعلومة على مواقع التواصل هي مجرّد معلومة وليست معرفة، وعليه إعادة إنتاجها.
وشدّد الرئيس التنفيذي للابتكار في مختبرات الدبلوماسية بالأردن، أشرف زيتون، على أهمّية المعلومة، واعتبر أنّ القدرة على الوصول إليها، جعلت الفرد اليوم يملك قوّة لم يملكها في تاريخ البشرية.
واختار مؤسّس «شبكة نخوة» للتطوّع والتنمية، كامل الأسمر، تقديم عرض مفصّل عن «شبكة نخوة» كنموذج عن كيفية استخدام الشبكات الاجتماعية للتأثير إيجاباً في الشباب، الذي اعتبر أنّهم ضحية أنظمة التعليم الخاطئة، وعرض قصصاً واقعية عن فرص صنعها الإعلام الاجتماعي للشباب.
بدأت تجربة الأسمر من خلال إنشاء مجموعة على الـ«فيس بوك» لنشر الوعي عن فرص التطوّع في الأردن، ووصل عدد المتطوّعين خلال عام إلى 8000 شخص، واستطاعت الشبكة خلال سنوات أن تصبح منصّة تستطيع من خلالها المؤسّسات الوصول إلى الشباب لنشر الوعي حول عملها، ويستطيع الشباب من خلالها الحصول على فرص للتطوّع أو العمل، واليوم تضمّ «شبكة نخوة» 22 ألف متطوّع مسجّل، وتتيح أكثر من 1500 فرصة تطوّع في ست دول عربية، في أكثر من 20 مجالاً.
وفي المداخلة الأخيرة، عرض مدير مشاريع مكتب الدبلوماسية العامة في وزارة شؤون مجلس الوزراء والمستقبل، الأستاذ عبدالله النعيمي، تجربة الإمارات في كيفية استغلال الوجود الكثيف للمواطنين على شبكات التواصل الاجتماعي. وأوضح أنّ كلّ جهة حكومية لديها قسم خاصّ مسؤول عن منصّات التواصل، وذلك لقياس رضا الجمهور، وللاستجابة السريعة لدى نشر أي شكوى أو اقتراح، ولتقديم خدمات أفضل للناس، لافتاً إلى أنّ كلّ ذلك من خلال المعرفة الجيّدة التي يتيحها وجود هذه الأجهزة على الشبكات الاجتماعية.
وأوضح أنّ الحكومة الإماراتية عزّزت ثقافة التواصل بين الجمهور والجهات الحكومية، وقدّم على ذلك مثالاً على صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي يُعتبر أوّل قائد عربي أنشأ حساباً على «تويتر»، وتحوّلت قنواته الاجتماعية إلى مصادر رئيسة للأخبار، وجذب المتطوّعين، والتواصل مع الناس.
جلسة التربية والتعليم والثقافة
وفي جلسة التربية والتعليم والثقافة، أكّد الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات العربية المتّحدة، الدكتور علي راشد النعيمي، أنّ الوصاية الكاملة في التعليم انتهت اليوم، ومن المهمّ أن نقدّم تعليماً مرناً وفق خطّة طويلة الأمد للطفل العربي، من دون تحديد خياراته أو ما عليه أن يعرفه، فهو سيتعلّم وحده من دون أيّ نظام متأطّر، ولفت إلى أنّ اﻟﻤﻨظوﻤﺔ اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ تأتي على رأس أوﻟوﯿﺎت اﻟﺤﻛوﻤﺔ اﻻﺘّﺤﺎدﯿﺔ، التي ﺴﻌت إﻟﻰ ﻤواءﻤﺔ اﻟﻤﻨﺎﻫﺞ واﻟﻌﻠوم اﻻﺠﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﺘرﺒﯿﺔ اﻟوطﻨﯿﺔ ﻤن ﺨﻼل اﻟﻤؤﺴّﺴﺎت اﻟﺘرﺒوﯿﺔ واﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ اﻟﻤﻌﻨﯿﺔ، ﻠتُلبّي اﻟﺤﺎﺠﺔ إﻟﻰ ﺘوﻋﯿﺔ اﻟطﻼب وﺤﻤﺎﯿﺘﻬم ﻤن اﻟوﻗوع ﻓﻲ براثن اﻟﺘطرّف واﻹرﻫﺎب، التي تعدّ ﻤطﻠباً مُتّسقاً مع اﻟﺨطط اﻟﺘﻌﻠﯿﻤﯿﺔ ﻟﻠدوﻟﺔ، التي تُشكّل جزءاً من رؤية 2021.
وتحدّث الناقد السينمائي والكاتب، إبراهيم العريس، في كلمته عن الفرص التي أضعناها على مدى تاريخنا الحديث، واستشهد بالمفكّر الكبير، هربرت ماركوزه، الذي بعدما استفاض في شرح أحوال العالم، وحرّض على انتفاضات عام 1968، وجد نفسه يتّجه صوب الفنون وقضايا الفكر، ليقول إنها ربما ستكون سبيل الإنسان، فرداً ومجتمعات، إلى التحرّر. وأكّد أنّ طريق الوعي الإبداعي دربٌ قد يقودنا، نحن العرب، أخيراً، إلى الخروج من الماضي ودخول التاريخ، والدخول في ديناميّة التاريخ الذي يتضمّن دخول زمن العالم وقبول الآخر والتفاعل مع العقل المنطقي.
واستشهد أمين مكتبة مركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي «إثراء»، الدكتور طارق خواجي، في مداخلته، بكتاب «نظرية علمية في الثقافة ودراسات أخرى» لبرونيسلاف مالينوسكي، الذي اعتبر فيه أنّ هناك بديهتين تكمنان وراء أيّ نظرية علمية للثقافة، هما: أوّلاً أن كلّ ثقافة يجب أن تُشبع الحاجات البيولوجية للإنسان، مثل التغذية والتناسل والحماية من قسوة الظروف المناخية ومن الحيوانات المفترسة، وثانياً أنّ الإنجاز الثقافي ما هو إلّا تدعيم آلي وتلقائي للفسيولوجيا البشرية، لأنّه مرتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بإشباع الاحتياجات البيولوجية.
وأشار إلى تأثير مشروع «إثراء» في المشهد الثقافي بالسعودية، وهو يقوم على ثلاثة محاور رئيسة، هي: نشر المعرفة، ورعاية الإبداع، والتواصل الحضاري والثقافي.
ورأى أستاذ الفلسفة والدراسات بجامعة نواكشوط، الدكتور عبدالله السيد ولد أباه، أن مطلب الاستقرار السياسي والاجتماعي أصبح اليوم الهدف الأسمى للفاعلين في الحقل العمومي، على اعتبار أن التحول الديمقراطي نفسه مشروط ببيئة الاستقرار والأمن.
ونبه إلى أننا نشهد ظاهرتين خطِرتين متلازمتين في الساحة العربية راهناً، وهما: انحسار التقليد الإسلامي في بنياته المذهبية والعقدية والمؤسسية من جهة، وتشتّت المرجعيات الدينية داخل النسق الإسلامي العام من جهة أخرى، بما يتجلى بوضوح في أنماط التدين الجديدة الشديدة الاختلاف والتمايز.
وخلص الفنان الدكتور، طلال معلا، إلى أن الصفعات التي تشتمل على حرارة التغيير، هي التي تجعل التفوق هدفاً أساسياً في الانقلاب على المفاهيم، وإعادة بناء الرموز التي تتجاوز الإمكانات الطبيعية لنسيج المكان والزمان والجاذبية والمادة لإعادة صياغة نبض الإبداع من جديد.