مصير 45 عائلة في الخان الأحمر تقرّره «جرافات الاحتلال»
ما إن يسدل الليل ستاره، حتى يبدأ فصل جديد من المعاناة التي تتعرض لها عائلات التجمع البدوي في منطقة الخان الأحمر شرق القدس المحتلة، فبعد أن يغادر المتضامنون الفلسطينيون والأجانب المنطقة، تبقى العائلات وحيدة أسيرة خيامها ومنازلها، لتقضي ليلة جديدة من مصيرها المجهول، والخوف يسيطر على أفرادها من إقدام الجرافات الإسرائيلية على هدمها وهم بداخلها.
عائلات التجمع البدوي التي تعرف بعشيرة أبوداهوك القاطنة بين مدينتي القدس وأريحا، عادت لتواجه خطر التهجير - الذي يترصدهم منذ 65 عاماً - مرة ثانية خلال أربعة أشهر، وذلك بعد أن أمهلتهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي أسبوعاً حتى اليوم الأول من شهر أكتوبر المقبل، لإخلاء وهدم المنازل ذاتياً، وإلا ستنفذ قرار محكمة الاحتلال العليا بشأن الهدم. وسلمت قوات الاحتلال، أمس، لسكان القرية خطابات لإبلاغهم بضرورة هدم المنازل طواعية وإلا ستنفذ الهدم، فيما أعلنت هيئة مقاومة الجدار والاستيطان رفض خطوة الاحتلال والاستعداد للتصدي ومقاومة تنفيذ هذه الجريمة، واعتبار بيان أصدرته الهيئة أمس، بمثابة «إعلان للنفير العام».
حياة بائسة
«الإمارات اليوم» زارت التجمع البدوي في الخان الأحمر، وتواجدت في أحد المنازل المكونة من الصفائح والعرائش المهددة بالهدم. ذلك المنزل الذي يترقب أهله كبقية الأفراد البدو قيام الجرافات الإسرائيلية بهدم التجمع في أي لحظة، هو نسخة متكررة لكل منازل الخان الأحمر، حيث ملامح الفقر المدقع، وحالة البؤس التي يعيشها الأهالي، فهم يقطنون ما يشبه المنازل التي لا يتوافر فيها أدنى مقومات الحياة الإنسانية، فلا توجد بنية تحتية ولا كهرباء ولا ماء، فإسرائيل تمنعهم منذ سنوات إدخال أي مواد بناء أو إمكانات أخرى لتحسين ظروف الصفيح والعرائش التي تؤويهم.
ما يزيد الوضع سوءاً، أن قوات الاحتلال منذ الموافقة على قرار الهدم لم تسمح للأهالي بإدخال احتياجاتهم ومستلزمات الحياة التي تمكنهم من الصمود والبقاء، وذلك بحسب يوسف أبوداهوك، أحد سكان القرية.
يقول أبوداهوك، إن «قوات إسرائيل شددت الخناق على الخان الأحمر منذ صدور قرار المحكمة الإسرائيلية العليا، إذ تمنعنا من إدخال أي مستلزمات من شأنها تخفيف حرارة الصيف على أهالي التجمع البدوي، وتفتش كل المركبات التي تدخل وتخرج بدقة». ويضيف: «بعد صدور القرار زادت ظروف الحياة قسوة في الخان الأحمر، فالقوات انتشرت في كل مداخل التجمع البدوي، الذي تحول إلى منطقة عسكرية، فقد شرعت السلطات بشق الطرق بين منشآت التجمع والطرق الفرعية والطريق الرئيس المؤدي إلى مستوطنة كفار أدوميم المقامة على أراضي الخان». وسخر أبوداهوك من سوء الأوضاع التي يمر بها هو وعائلته وأفراد الخان الأحمر، قائلاً: «لا يوجد أحلى من الحياة التي نحياها، فالقوات الإسرائيلية تمنعنا من سقف العرائش التي نقطن فيها، وتمنع إمداد خطوط الكهرباء والماء، لنضطر للاعتماد على الآبار التي نحفرها في الشتاء، والتي أيضاً يتم هدمها ومنعنا من حفرها». ويصف المواطن البدوي مشاهد شظف العيش وانعدام الحد الأدنى من مقومات الحياة ومكونات المنازل غير اللائقة بالحياة الآدمية، قائلاً: «ننام ونقضي يومنا داخل المنزل على التراب، وكل مكونات المنزل من غرف ومطبخ مكونة من أخشاب متهالكة».
اقتلاع
من جهته، يقول الناطق باسم تجمعات خان الأحمر عيد أبوغالية: «الخان الأحمر يضم 10 تجمعات تعود لعرب الجهالين، وأولى خطوات التهجير القسري ستبدأ من تجمع عشيرة أبوداهوك، التي يبلغ عدد أفرادها 200 فرد».
وتابع: «البديل الذي توفره إسرائيل لنا، وتنوي نقلنا إليه، سيكون أسوأ حالاً من الحياة التي نحياها في الخان الأحمر، فنحن سنقلع من أرضنا وننقل إلى منطقة محاذية لمكب نفايات في بلدة العيزرية شرقي القدس، فذلك بالإضافة إلى أنه سلوك غير إنساني، لا يتناسب مع طبيعة عيشنا، فنحن نريد مساحات واسعة ومفتوحة، لرعي المواشي التي تعد مصدر دخلنا الوحيد».
وكانت إسرائيل، قد هدمت في الأشهر الأولى من العام الجاري 33 منشأة في الخان الأحمر، منها 28 منزلاً وأربع حظائر للحيوانات ومدرسة واحدة في المنطقة، ونتيجة لذلك شرد 147 فلسطينياً، ضمنهم 77 طفلاً، وذلك بحسب أبوغالية.
مشروع استيطاني
قال مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية في القدس، خليل تفكجي، إن إسرائيل تسعى من خلال مخطط هدم الخان الأحمر إلى تدشين أكبر مطار في منطقة النبي موسى بين القدس وأريحا، الذي سيمر عبره 34 مليون مسافر سنوياً، كما تطمح لزيادة عدد السياح سنوياً إلى 12 مليون سائح، إضافة إلى مشروعات أخرى من فنادق ومناطق تجارية دون وجود عرب في المنطقة.
وأوضح تفكجي، أن إسرائيل لا تكتفي من وراء هدم الخان الأحمر إلى حد هذه الأهداف فقط، وإنما تواصل تنفيذ مخطط (E1) الاستيطاني، الذي يكسر الوحدة الجغرافية للضفة الغربية والقدس، من خلال الاستيلاء على أراضٍ ممتدة من القدس الشرقية حتى البحر الميت، لغرض توسيع مستوطنتي معاليه أدوميم وكفار أدوميم في محيط القدس، وربطهما ببعض، مشكلة حزاماً استيطانياً من شأنه فصل شمال الضفة عن جنوبها.
وتابع أن الاحتلال يؤسس كذلك إلى المشروع الإقليمي الأوسع الذي ينوي تنفيذه حتى عام 2050، وهو إخلاء المناطق كافة التي تتبع لسيطرته من الوجود الفلسطيني والعربي.