اتفاق «بريكست» يضع تيريزا ماي في مواجهة مع «المحافظين»
أدى تمسك رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي باتفاق الخروج من الاتحاد الأوروبي «بريكست»، وتوقيعها عليه مع زعماء الاتحاد دون أن تحظى بتوافق حزب المحافظين الحاكم في بلادها، إلى تعرضها لأزمة حجب الثقة عن زعامتها للحزب، وبالتالي تعريض منصبها الحكومي للخطر، وفي الوقت ذاته تخلى عنها الاتحاد الأوروبي وأكد زعماؤه أنه لا عودة إلى التفاوض، وأنه ليس لهم علاقة بما يجري داخل بريطانيا.
وتولت ماي منصبها بعد تصويت المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، وواجهت انتقادات من داخل حزبها بسبب خطة الخروج التي توصلت إليها مع الاتحاد، كما أنها فقدت ثقة نواب حزبها بعد إرجاء تصويت برلماني على الاتفاق، كان مقرراً له، أول من أمس.
وكانت ماي قد أرجعت سبب تأجيل التصويت على الاتفاق في البرلمان البريطاني، إلى الانقسامات العميقة في صفوف النواب الذين هدّدوا برفض الاتفاق، موضحة أنها طلبت من حكومتها تسريع الاستعدادات تحسباً للخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق، لافتة إلى أنها استمعت إلى المخاوف التي تم التعبير عنها، وهي مستعدة لمناقشتها مع نظرائها الأوروبيين عشية قمة بروكسل غداً وبعد غدٍ.
وقد تم التوصل للاقتراع على حجب الثقة، بعدما قدم 15% من نواب المحافظين، خطابات مكتوبة طلبوا فيها التصويت على حجب الثقة عن ماي إلى رئيس لجنة في الحزب تعرف باسم «لجنة 1922»، التي تمثل النواب الذين لا يتقلدون مناصب حكومية.
ويمتلك حزب المحافظين 315 نائباً في البرلمان البريطاني، لذا اقتضى الأمر أن يقدم 48 نائباً مثل هذه الخطابات حتى يُجرى التصويت.
وعندما قرر رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون الاستقالة من منصبه، ومن زعامة المحافظين بعد الاستفتاء على الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016، تقدم خمسة مرشحين للمنافسة، وانحصرت المنافسة عندئذ بين ماي ووزيرة الدولة آنذاك أندريا ليدسوم، التي انسحبت قبل تصويت أعضاء الحزب، ما ترك الساحة خالية أمام ماي لتولي زعامة الحزب.
من جانبها، أكدت ماي أنها ستدافع عن قيادتها لحزبها بكل ما لديها، وقالت في كلمة لها من أمام 10 داوننغ ستريت، مقر إقامتها ومكتبها: «سأكافح هذا التصويت بكل ما لدي».
وأضافت أن أي تغيير في القيادة الحزبية أو الوطنية من شأنه «إضاعة اتفاق بريكست الموجود بين يدينا الآن»، لافتة إلى أن هذا يخلق أيضاً «حالة من الغموض لا نستطيع تحملها في الوقت الحالي، وإضاعة أسابيع في تمزيق أنفسنا، ما سيؤدي فقط إلى مزيد من الانقسام»، بحسب وصفها.
وأعلنت ماي خلال الجلسة التي تعقدها أسبوعياً في البرلمان للرد على أسئلة النواب، أن إجراء انتخابات جديدة في بلادها لايزال مستبعداً، وفي ردها على سؤال حول ما إذا كان بإمكانها استبعاد إجراء استفتاء ثانٍ حول بريكست، قالت ماي: «أعتقد أن علينا احترام الاستفتاء الذي أجري في عام 2016».
وقامت ماي، أول من أمس، بجولة أوروبية شملت برلين ولاهاي وبروكسل، أملاً في الحصول على تنازلات من أوروبا، إلا أن القادة الأوروبيين أكدوا أنهم لن يعيدوا التفاوض على اتفاق الانسحاب، وأنهم في أحسن الأحوال سيقدمون إيضاحات للاتفاق للمساعدة في تمريره من البرلمان.
وقبل إعلان التصويت على حجب الثقة عن «ماي» بيوم، قال رئيس المفوضية الأوروبية، جان كلود يونكر، أول من أمس، إنه «صُدم» من عدم قدرة رئيسة الوزراء البريطانية على الحصول على موافقة البرلمان بشأن اتفاق الخروج من الاتحاد، مؤكداً أن الاتحاد مستعد لتقديم مزيد من التوضيحات لبريطانيا، بشأن اتفاق الخروج، لكنه لن يعيد التفاوض على المعاهدة أو البروتوكول الخاص بها، المتعلق بالحدود الإيرلندية، مضيفاً: «ليس هناك أي مجال لإعادة التفاوض».
وفي السياق ذاته، أكدت وزيرة الشؤون الأوروبية في فرنسا ناتالي لوازو، أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع لندن لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي هو «الاتفاق الوحيد الممكن»، والاتحاد يجب أن «يستعدّ لبريكست من دون اتفاق».
وتزامنت تصريحات المسؤولين الأوروبيين، مع تصريحات للعضو البرلماني البارز في حزب المحافظين البريطاني، ستيف بيكر، قال فيها إن «ماي يجب أن ترحل الآن»، وحثّ بقية أعضاء الحزب في البرلمان على إجراء تصويت بحجب الثقة عنها.
وقال بيكر أول من أمس: «ما أريده اليوم هو أن يدرك أعضاء حزب المحافظين في البرلمان، أننا لم نعد نستطيع المضي بهذا التعثر، ويؤسفني أن أقترح التصويت بحجب الثقة»، وبعد ذلك تم الإعلان عن الاقتراع على حجب الثقة عن ماي بالفعل.
من جانبها، أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، أمس، أنها لا تتوقع أن تقرر قمة دول الاتحاد الأوروبي، تغيير اتفاق الخروج مرة أخرى، وأكدت أن هذا هو الموقف العام لجميع الدول أعضاء الاتحاد.