في أول جمعة بعد استقالة بوتفليقة
الجزائريون يطالبون برحيل «الباءات الثـلاث» وبناء «جمهورية جديدة» بسواعد الشباب
احتشدت، أمس، أعداد ضخمة من المتظاهرين وسط العاصمة الجزائرية، وفي أنحاء عدّة من البلاد، في أول يوم جمعة بعد استقالة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، ورفعوا الشعارات المطالبة برحيل النظام، وبناء «جمهورية جديدة» بسواعد الشباب، ورددوا شعارات ترفض تولي المقربين السابقين من الرئيس المستقيل إدارة المرحلة الانتقالية، احتجاجاً على ما وصفوه بـ«مواصلة بقايا النظام بقائهم في المناصب المهمة بالسلطة»، المعروفين اختصاراً باسم «الباءات الثلاث»، وهم الوزير الأول، نور الدين بدوي، ورئيس مجلس الأمة عبدالقادر بن صالح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز.
وتباينت الشعارات بين ساخرة وصريحة وشديدة اللهجة، حملها المحتجون لتصب جميعها في مطلب رحيل «الباءات الثلاث».
وطالب المحتجون بمحاكمة الوزراء المتورطين في قضايا الفساد، ورجال الأعمال المقربين من السلطة.
كما طالبوا رئيس أركان الجيش، قايد صالح، بعدم التدخل في القضايا السياسية أكثر من ذلك، وتشكيل هيئة مستقلة لتنظيم الانتخابات ومراقبتها، بينما رفعوا شعار «فليرحل الجميع»، وأجمعوا على «وحدة الجيش والشعب».
وردّد المتظاهرون شعارات مثل «سئمنا من هذا النظام»، و«لن نسامح لن نسامح»، رداً على اعتذار الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة، وطلبه الصفح عن «كل تقصير ارتكبته في حقكم بكلمة أو بفعل».
ويصعب تحديد أعداد المتظاهرين في وسط العاصمة في غياب إحصاءات رسمية، لكن هذه الأعداد بلغت ذروتها مع انتهاء صلاة الجمعة، وباتت تساوي على الأقل عدد المشاركين في التظاهرات الحاشدة جداً أيام الجمعة الماضية.
وعرض التلفزيون الجزائري الحكومي مشاهد مباشرة لتظاهرات مماثلة في وهران وقسنطينة، ثانية وثالثة أهم مدن البلاد، وكذلك في باتنة (300 كلم جنوب شرق الجزائر).
وتحدث الموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر» عن تظاهرات أيضاً في تيزي وزو وبجاية والبويرة، أهم مدن منطقة القبائل شرق الجزائر.
كما تحدث موقع صحيفة الخبر عن آلاف المتظاهرين في كل من الشلف وتلمسان (غرب) والوادي والمسيلة (جنوب) وسطيف (شرق).
وعلى غير العادة، غابت شاحنات الشرطة التي كانت تتمركز في المحاور القريبة لساحة البريد المركزي، بينما عزّزت قواتها في الشوارع المؤدية إلى مقر رئاسة الجمهورية ومبنى الإذاعة والتلفزيون في حي المرادية، وكذلك شارع الدكتور سعدان، حيث مقر الحكومة، بحسب مراسل فرانس برس.
وجاء معظم المتظاهرين من الولايات المجاورة للعاصمة، وهي تيزي وزو وبومرداس (شرق)، والبليدة (جنوب)، وتيبازة (غرب).
وكتبت صحيفة «الخبر»، الصادرة أمس، أنه «رغم خروج الآلاف للاحتفال ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء» باستقالة بوتفليقة «غير أنّ مظاهر الفرح لا يُمكنها أن تكتمل عند الجزائريين إلاّ برحيل (العصابة)».
وأضافت الصحيفة الوحيدة التي تصدر الجمعة مع صحيفة «الوطن» باللغة الفرنسية، أن «العصابة» المقصودة هي تلك التي تحدثت عنها قيادة الجيش «من سياسيين ورجال أعمال مُتهمين بنهب أموال الخزينة (العمومية) بطريقة أو بأُخرى».
وكان رئيس أركان الجيش، الفريق قايد صالح، أشار في البيان الذي سبق استقالة بوتفليقة، الثلاثاء الماضي، إلى «مؤامرات ودسائس دنيئة»، تُحاك ضد الجزائريين «من طرف عصابة امتهنت الغش والتدليس والخداع».
ومنذ الثلاثاء، تعددت عبر وسائل التواصل الاجتماعي الدعوات للتظاهر مجدداً، أمس، بغية إزاحة عبدالقادر بن صالح والطيب بلعيز ونور الدين بدوي، الذين يُعدّون شخصيات محورية ضمن البنية التي أسس لها بوتفليقة، وينص الدستور على توليهم قيادة المرحلة الانتقالية.
وبات عبدالقادر بن صالح، الذي يترأس مجلس الأمة منذ 16 عاماً بدعم من بوتفليقة، مكلفاً أن يحل مكان الرئيس لمدة ثلاثة أشهر، يجري خلالها التحضير لانتخابات رئاسية.
أما الطيب بلعزيز، الذي ظل وزيراً لمدة 16 عاماً شبه متواصلة، فيترأس للمرة الثانية في مسيرته المجلس الدستوري المكلف التأكد من نزاهة الانتخابات.
من جانبه، كان رئيس الحكومة نور الدين بدوي، الذي تولى مهامه في 11 مارس، وزير داخلية وفيّاً، وقد وصفته صحيفة «الوطن» الناطقة بالفرنسية، أول من أمس، بأنّه «مهندس التزوير الانتخابي وعدو الحريات».
وقال المحامي مصطفى بوشاشي، وهو أحد وجوه الحراك، في تسجيل مصوّر نُشر عبر الإنترنت، إنّ «انتصارنا جزئي. الجزائريات والجزائريون لا يقبلون بأنّ يقود رموز النظام مثل عبدالقادر بن صالح أو نور الدين بدوي المرحلة الانتقالية، وأن ينظموا الانتخابات المقبلة».
ويتولى نظرياً الفترة الانتقالية رئيس مجلس الأمة، عبدالقادر بن صالح، لمدة أقصاها 90 يوماً.
ويطالب المحتجون بإنشاء مؤسسات انتقالية قادرة على إصلاح البلاد، وتنظيم بنية قضائية من شأنها ضمان انتخابات حرّة.
ولمحاولة إرضاء الشارع، دعت الحكومة الجزائريين إلى إنشاء الأحزاب والجمعيات، وأكدت أنها تفتح لهم كل الأبواب، وتقدم لهم التسهيلات، في حين كانوا يواجهون عراقيل كثيرة في السابق للحصول على التراخيص الضرورية للنشاط.
واعتبر الباحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بالمركز الجامعي الأوروبي، حمزة مدّب، أن «وضع ما بعد بوتفليقة غير واضح»، فالشارع وأحزاب المعارضة يطالبون «بدستور جديد وقانون انتخاب جديد أيضاً». وأوضح أن الجزائر دخلت «المرحلة الأكثر تعقيداً على اعتبار أن الشارع والمؤسسات يمكن أن ينقسما».
ويبدو أن الفريق قايد صالح أصبح الرجل القوي في البلد، بعد خروجه منتصراً من مواجهته مع المحيطين ببوتفليقة، الذي أجبره في نهاية المطاف على ترك السلطة.
لكن بحسب مدير مركز الدراسات والبحوث في العالم العربي والمتوسط في جنيف، حسني عبيدي، فإن «الشارع الجزائري أصبح اللاعب الجديد في الحياة السياسية الجزائرية»، و«لا نعرف الكثير عن نوايا الجيش في ما يتعلق بإدارة مرحلة ما بعد بوتفليقة».
رغم ذلك، مازال الأمل يحدو الجزائريين، كما عبّر على ذلك سعيد زروال، البالغ 75 سنة، والدموع في عينيه: «نريد استرجاع حريتنا وسيادتنا، أتمنى أن أعيش حتى أرى الديمقراطية في بلدي».
وبفضل هذا الأمل، قرر زبير شعلال عدم المخاطرة بحياته وعبور البحر المتوسط مهاجراً نحو أوروبا، كما فعل كثير من الجزائريين. وكتب هذا الشاب العاطل عن العمل (28 عاماً) على لافتة رفعها خلال التظاهرة «لأول مرة لا أريد مغادرة بلدي».
إقالة مدير المخابرات الجزائرية
قالت تقارير إعلامية، أمس، إن قائد جهاز المخابرات في الجزائر، عثمان طرطاق، أعفي من منصبه، أول من أمس، وسط دعوات للتظاهر ضد المسؤولين المقربين من الرئيس المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة والمرشحين لقيادة المرحلة الانتقالية.
وكان طرطاق، وهو لواء متقاعد من الجيش، حليفاً للرئيس بوتفليقة، الذي استقال يوم الثلاثاء، في ظل احتجاجات حاشدة ضد حكمه.
وأوضح موقع صحيفة «النهار» أن اللواء طرطاق، المعروف باسم «بشير»، قد غادر مكتبه، الليلة قبل الماضية، بصفته أيضاً مستشاراً لرئيس الجمهورية مكلفاً التنسيق بين المصالح الأمنية.
وأضافت الصحيفة أنه تقرر إلغاء منصب المستشار الأمني، الذي تم وضعه خصيصاً للواء طرطاق، باعتبار أن العسكريين يخضعون لمصالح وزارة الدفاع الوطني، ولا يجوز هيكلتهم كجهاز تابع لمصالح رئاسة الجمهورية الجزائرية. الجزائر - وكالات
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news