السيستاني يدعو الأمن إلى عدم اســتخدام القوة.. والأمم المتحدة تطالب بتحقيق في مقتل المتظاهرين
دعت المرجعية الدينية الشيعية العليا في العراق، أمس، قوات الأمن والمحتجين إلى عدم استخدام القوة، وانتقدت زعماء العراق، لتقاعسهم عن القضاء على الفساد، في حين حضّت الأمم المتحدة السلطات العراقية على التحقيق سريعاً وبشفافية، في مسألة استخدام قوات الأمن القوّة بحق المتظاهرين، ما أسفر عن مقتل العشرات. من جانبها أعلنت رئاسة البرلمان العراقي، أنها ستخصص جلسة، اليوم، لبحث مطالب المتظاهرين.
وتفصيلاً، حثّ الزعيم الأعلى لشيعة العراق، آية الله علي السيستاني، أمس، قوات الأمن والمحتجين على عدم استخدام القوة. وقال السيستاني في خطبة الجمعة التي ألقاها نيابة عنه، ممثله أحمد الصافي، في مدينة كربلاء، إن الاضطرابات «خلّفت عشرات الضحايا وأعداداً كبيرة من الجرحى والمصابين، والكثير من الأضرار على المؤسسات الحكومية وغيرها، في مشاهد مؤلمة ومؤسفة جداً».
وأضاف أن الحكومة والقوى السياسية لم تستجب لمطالب الشعب في مكافحة الفساد، أو تحقق أي شيء على أرض الواقع. وقال «مجلس النواب بما له من صلاحيات تشريعية ورقابية، يتحمّل المسؤولية الكبرى في هذا المجال».
وأضاف «هناك اعتداءات مرفوضة ومدانة على المتظاهرين السلميين، وعلى القوات الأمنية»، مؤكداً أنه «على الحكومة أن تغير نهجها في التعامل مع مشكلات البلد»، و«تدارك الأمور قبل فوات الأوان».
وأضاف الصافي أن «على الحكومة النهوض بواجباتها، وأن تقوم بما في وسعها لتحسين الخدمات العامة، وتوفير فرص العمل للعاطلين عن العمل، والابتعاد عن المحسوبيات في الوظائف العامة، واستكمال ملفات المتهمين بالتلاعب بالأموال العامة، وسوقهم إلى العدالة».
من جهته، قال رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي، في ساعة مبكرة من صباح أمس، إنه تجب إعادة الحياة إلى طبيعتها في جميع محافظات العراق، وخاطب المتظاهرين في البلاد قائلاً إن صوتهم مسموع، ومطالبهم مشروعة.
وأضاف عبد المهدي في كلمة بثّها التلفزيون العراقي الرسمي: «نحن متمسكون بالدستور، وعلينا إصلاح المنظومة السياسية، ونتحمل مسؤولية قيادة الدولة في هذه المرحلة الحساسة».
وطالب رئيس الوزراء، مجلس النواب، بإجراء تعديلات وزارية بعيداً عن المحاصصة السياسية، مضيفاً: «يؤسفنا أن البعض نجح في إخراج التظاهرات عن مسارها السلمي».
وتعهد عبد المهدي باستمرار الإصلاح قائلاً: «مطالبكم بالإصلاح ومكافحة الفساد وصلتنا.. ويخطئ من يظن أنه بعيد عن المحاسبة، ونحن متمسكون بالدستور».
وتابع: «إن التصعيد بالتظاهر بات يؤدي إلى خسائر في الأرواح، وتدمير الدولة، وإننا نضع ضوابط صارمة لمنع العنف».
وأوضح: «أقول لكم حاسبونا عن كل ما نقوم به، وعلينا التعاون، وأنه لا توجد للدولة حلول سحرية لحل جميع المشكلات».
وقال: «سنمنح رواتب لكل عائلة عراقية لا تمتلك راتباً شهرياً، من أجل تحقيق العدالة».
وأردف قائلاً: «شكلنا لجاناً من أجل إطلاق سراح المحتجزين من المتظاهرين، واعتبار ضحايا التظاهرات شهداء».
من جانبه، أعلن نائب رئيس البرلمان العراقي حسن الكعبي، أن البرلمان سيعقد اليوم، جلسة تخصص لبحث تداعيات التظاهرات التي تشهدها بعض المحافظات العراقية، وكيفية تلبية طلبات المتظاهرين.
وقال الكعبي «سنعمل على تشريع قانون «المحرومية» بشأن تخصيص 5% من رواتب الرئاسيات الثلاث «الجمهورية، مجلس الوزراء، البرلمان» للمحرومين والمتعففين (الفقراء).
كما دعا الى تخصيص 25 ألف فرصة عمل لحملة الشهادات العليا.
ومن جنيف، قالت المتحدثة باسم مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، مارتا هورتادو، في تصريحات للصحافيين «ندعو الحكومة العراقية إلى السماح للناس بممارسة حقهم بحرية التعبير والتجمّع السلمي».
وجاءت دعوتها بينما تواصلت الصدامات بين المتظاهرين وقوات الأمن، في اليوم الرابع من الاحتجاجات الواسعة. وأفادت هورتادو أن مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تأكّد بشكل مستقل من مقتل 12 شخصاً في بغداد، مضيفة أن «المئات أصيبوا بجروح، وفق التقارير، بينهم عناصر من قوات الأمن».
وأضافت «تم اعتقال عشرات المتظاهرين، رغم الإفراج لاحقاً عن معظمهم».
وتصاعدت المواجهة بين المتظاهرين الذين باتوا يطالبون بإسقاط الحكومة، وقوات الأمن العراقية التي أطلقت الرصاص الحي على المحتجين، في اليوم الرابع من الحراك.
وكانت مصادر في الشرطة العراقية، بالإضافة إلى مصادر طبية، أفادت في وقت سابق أمس، بارتفاع عدد قتلى التظاهرات إلى 44 ومئات المصابين، بحسب ما نقلت وكالة رويترز. وأضافت أن أكبر عدد من القتلى وقع في مدينة الناصرية، حيث لقي 18 حتفهم، بينما قتل 16 في العاصمة بغداد.
واندلعت التظاهرات احتجاجاً على الفساد والبطالة، وغياب الخدمات في بغداد الثلاثاء، قبل أن تمتد إلى مناطق الجنوب، التي يشكّل الشيعة غالبية سكانها، في حين بدت المحافظات الشمالية والغربية هادئة نسبياً.
وتعدّ الاحتجاجات غير مسبوقة، نظراً لعفويتها الواضحة واستقلاليتها في بلد عادة ما تخرج التظاهرات فيه بدعوة من شخصيات سياسية أو دينية.
وقالت هورتادو «نشعر بالقلق من التقارير التي تشير إلى أن قوات الأمن استخدمت الذخيرة الحيّة والرصاص المطاطي في بعض المناطق، وأنها ألقت قنابل الغاز المسيل للدموع كذلك مباشرة على المحتجين»، مشددة على أن «استخدام القوة» في التعامل مع التظاهرات، يجب أن يكون في الحالات «الاستثنائية» فقط.
وأفادت «ينبغي الامتثال لدى استخدام القوة للقواعد والمعايير الدولية لحقوق الإنسان»، مؤكدة وجوب عدم استخدام الأسلحة النارية، «إلا كحلّ أخير للحماية من أي تهديد وشيك بالقتل أو الإصابة البالغة».
وتابعت «ينبغي التحقيق بشكل فوري ومستقلّ وشفاف في جميع الحوادث التي تسببت سلوكيات قوات الأمن في وفيات وإصابات فيها».
وشدد مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان على أن مطالب المتظاهرين باحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية «مشروعة». وقالت هورتادو «يجب الاستماع لشكاوى الناس».
الصدر يدعو نوابه إلى تعليق عضويتهم في البرلمان
دعا زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أمس، نواب كتلة «سائرون» إلى تعليق عضويتهم في البرلمان العراقي، إثر التظاهرات الدامية التي شهدتها بغداد، فضلاً عن مناطق عدة جنوب العراق.
وحثّ الصدر، في بيان، نوابه على تعليق عملهم في البرلمان حتى صدور برنامج وزاري يرضي الشعب والمرجعية الشيعية العليا في العراق.
ونصح الصدر بقية الكتل بتأييد هذا القرار.
ويتزعم الصدر كتلة «سائرون» التي تصدرت الانتخابات العامة العراقية الأخيرة في مايو 2018، ولديها 54 مقعداً في البرلمان من أصل 329. بغداد - رويترز
الانتفاضات تقليد قديم في مدينة الناصرية
منذ عهد السومريين، قبل أكثر من 5000 سنة، تفخر ذي قار بأنها كانت على الدوام منطقة تأبى الخضوع. وحتى اليوم، وخلال أربعة أيام من التظاهرات الدامية، قدمت هذه المحافظة الريفية في قلب منطقة العشائر في جنوب العراق، العدد الأكبر من القتلى.
منذ الثلاثاء، من بين 34 عراقياً قُتلوا في الاحتجاجات وخلال التصدي لها، كان أكثر من نصفهم من أبناء هذه المحافظة التي تبعد 300 كيلومتر جنوب بغداد.
أما مركز المحافظة، مدينة الناصرية المحاذية لأنقاض مدينة أور القديمة، فهي «مدينة الثورات والانتفاضات، ولاتزال»، مثلما يؤكد بفخر لوكالة فرانس برس، المعلق السياسي أمير دوشي، الذي يعيش في المدينة التي تعد أكثر من نصف مليون شخص.
ويضيف المعلم ماجد العسمي، الذي يشارك يومياً في التظاهرات «حتى وإن فقدنا شهداء، فسنستمر في الحراك طالما لم تلب مطالبنا».
ويضيف الرجل البالغ من العمر 45 عاماً «أنا أشارك في الاحتجاجات منذ 10 سنوات، وسنواصل الاحتجاج حتى سقوط النظام، حتى يلفظ أنفاسه الأخيرة».
لطالما شكلت الناصرية معقلاً تاريخياً للاحتجاج في العراق، وقبل ذلك في بلاد ما بين النهرين، كما يردد بفخر سكانها الذين يكرمون أسلافهم وفقاً لانتماءاتهم السياسية. الناصرية - أ.ف.ب