تصاعد احتجاجات العراق.. ورئيـــــس الوزراء «أسير» توافق سياسي
استعادت الاحتجاجات زخمها في العراق، أمس، مع تظاهرات وقطع طرق وجسور بالإطارات المشتعلة جنوباً، رفضاً لترشيح قصي السهيل لرئاسة الحكومة، وتنديداً بالطبقة الحاكمة، التي فشلت حتى الآن بالاتفاق على تسمية رئيس جديد للوزراء، حتى أصبح المنصب أسيراً للتوافق السياسي.
وتفصيلاً، تصاعدت الاحتجاجات وتحولت إلى عصيان مدني في مدن الديوانية والناصرية والحلة والكوت والعمارة، في جنوب البلاد، حيث أغلقت المدارس والدوائر الحكومية أبوابها أمس.
وأعلنت محافظة الناصرية اعتبار أمس عطلة رسمية، تحسباً لأي تصعيد قد تشهده المحافظة على خلفية التوترات التي ترافق تسمية رئيس جديد للحكومة، فيما قام عشرات المتظاهرين في بغداد بالإضراب عن الطعام حتى تتحقق مطالبهم بتسمية مرشح مستقل لتشكيل الحكومة، وتمرير قانون الانتخابات العراقية الجديد، فيما أغلق متظاهرو البصرة الطرق المؤدية إلى الحقول النفطية بالإطارات.
وقال علي الديواني، أحد متظاهري الديوانية لوكالة «فرانس برس»: «قمنا بتصعيد بعض الخطوات الاحتجاجية، رداً على ترشيح رئيس وزراء جديد للمرحلة المؤقتة من الأحزاب الحاكمة منذ 2003 حتى الآن، والمتهمة بالفساد وسرقة ثروات العراق».
وقطع المحتجون، في البصرة، بعض الطرق الرئيسة، مثل طريق خور الزبير باتجاه أم قصر، أما في محافظة المثنى، فتصاعدت أعمدة الدخان جراء قطع الطرق بالإطارات المشتعلة، احتجاجاً على تصرفات الكتل السياسية.
في المقابل، نشرت الحكومة العراقية، أمس، قوات عسكرية وأمنية واستخبارية في الشوارع والساحات والأزقة، وفي محيط الأبنية الحكومية والمدارس وحول البنوك والمتاجر، معززة بالآليات والعجلات العسكرية، وهم يحملون الأسلحة.
وهدد متظاهرون عراقيون، أمس، بتصعيد الاحتجاجات في حال إصرار القوى والأحزاب والكتل البرلمانية على تمرير المرشح قصي السهيل، لتشكيل الحكومة الجديدة.
وقال متظاهرون إن ساحات التظاهر والاعتصام شهدت تدفقاً كبيراً من المتظاهرين، بعد سماع الأنباء حول تسمية المرشح قصي السهيل لمنصب رئيس الوزراء، كما نظموا مسيرات ليلية حتى ساعات الفجر، ورددوا شعارات تؤكد رفض ساحات التظاهر تكليف المرشح السهيل لتشكيل الحكومة المقبلة، والمطالبة بتسمية مرشح مستقل.
وأكد المتظاهرون أنه تم إغلاق الطرق والجسور وإحراق الإطارات، وإعلان حالة العصيان والإضراب العام عن الدوام في المدارس والجامعات والدوائر الحكومية والخروج إلى الشارع بكثافة، لإرغام الأحزاب على سحب مرشحهم وتسمية بديل يحظى بالقبول من قبل الجمهور.
وأعلن المتظاهرون، في بيانات صحافية بساحات التظاهر الليلة قبل الماضية، عن تطوير أساليب التظاهر ورفع حالة التصعيد، ومنع دخول نواب البرلمان إلى المحافظات التي تشهد تظاهرات احتجاجية.
كما شدد المتظاهرون، في البيانات، على أن سلطة الأحزاب تصر على الاستخفاف بمطالب المتظاهرين، وأن ترشيح قصي السهيل مرفوض شعبياً، وستكون لهم كلمة حاسمة من خلال مسيرات سلمية مليونية، تعبيراً عن رفضهم أي مرشح من خارج مطالب المتظاهرين.
وفي غضون ذلك، كشفت مصادر مقربة من رئيس الجمهورية العراقي، برهم صالح، أن الرئيس أبلغ الكتل السياسية بأنه يفضل أن يقدم استقالته على أن يكلف شخصاً لرئاسة الوزراء دون انسجام مع مطالب الشارع.
يأتي هذا الموقف بعدما رفض صالح الضغوط التي مورست عليه، لتكليف مرشح كتلة البناء قصي السهيل، المدعوم من إيران، رغم نهاية المهلة الدستورية.
وأرسلت خمس كتل نيابية في البرلمان العراقي، الليلة قبل الماضية، لرئاسة الجمهورية كتاباً رسمياً يسمي السهيل رئيساً للحكومة الجديدة، فيما خرجت بالتزامن تظاهرات منددة بترشيح الأخير.
ويبدو ترشيح السهيل من قبل القوى السياسية بمثابة تحدٍّ للمحتجين في العراق، الذين يطالبون برئيس حكومة مستقل، ولا يشغل منصباً سابقاً في الحكومة، من أجل انتشال البلاد من الأوضاع المتردية، التي وصلت إليها بفعل الفساد وسوء الإدارة، كما يقولون.
ويضع الرئيس برهم صالح، بحسب مصدر في الرئاسة العراقية، «فيتو» قاطعاً على السهيل، العضو السابق في تيار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، والذي انتقل إلى معسكر خصمه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الموالي لإيران.
ويطالب العراقيون، المحتجون منذ الأول من أكتوبر، بتغيير النظام السياسي الذي أرساه الأميركيون، عقب إطاحة الرئيس السابق صدام حسين عام 2003، وتسيطر طهران على مفاصله اليوم.
ويندد هؤلاء بانعدام أي نهوض اقتصادي منذ 16 عاماً، بعد تبخر نصف العائدات النفطية، خلال تلك السنوات، في جيوب السياسيين ورجال الأعمال المتهمين بالفساد، على حد قولهم.
وفيما تدفع الأحزاب الموالية لإيران وحلفاؤها باتجاه تسمية وزير التعليم العالي في الحكومة المستقيلة قصي السهيل، لرئاسة الوزراء، يرفض الشارع أي شخصية شغلت منصباً سياسياً منذ عام 2003.
واعتبر المهندس محمد رحمن، الذي يتظاهر في الديوانية، أن «مطالب المتظاهرين العراقيين بسيطة، ولا تحتاج إلى كل هذه المماطلة والتسويف: اختيار رئيس وزراء بمواصفات مهنية ويتمتع باستقلالية، ولا ينتمي إلى أي حزب شارك بالعملية السياسية منذ سقوط نظام صدام حسين».
ومن أجل تجديد الطبقة السياسية، يطالب المتظاهرون بقانون جديد للانتخابات.
وبدأت الحكومة والبرلمان العمل على إصلاح النظام المعقد الذي يخلط النسبي بالأكثري، ويصب في صالح الأحزاب الكبيرة.
ويطالب المتظاهرون بانتخابات على أساس الاقتراع الفردي «يضمن صعود نخبة من الجيل السياسي الجديد، الذي يقدر على الأقل أن يصلح ما أفسدته الأحزاب الحاكمة»، بحسب رحمن.
ووسط تخوف من عودة الشارع إلى العنف، الذي أسفر عن مقتل نحو 460 شخصاً، وإصابة 25 ألفاً آخرين بجروح، تبدو السلطة مشلولة.
فمن جهة، يدفع الموالون لإيران بالتحالف مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي باتجاه تكليف مرشحهم.
ومنذ فجر أمس، دخل العراق عملياً في الفراغ الدستوري بعد انتهاء المهلة الدستورية للرئيس العراقي برهم صالح، بتشكيل الحكومة خلال 15 يوماً من قبول استقالة حكومة عادل عبدالمهدي.
ويدعم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، وزعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، ورئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، تقديم مرشح مستقل لتشكيل الحكومة الجديدة.
من جانبه، وصف نائب رئيس الوزراء السابق، بهاء الأعرجي، أمس، موضوع الفراغ الدستوري بأنه «كذبة»، كون النظام السياسي في العراق «نظاماً برلمانياً»، في حين أكد أن الحكومة ستبقى لتصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.
وقال الأعرجي، في تغريدة على «تويتر»، إن «الفراغ الدستوري كذبة، طالما أن النظام في العراق برلماني، وأن دورته الحالية لم تنتهِ، وفقاً للمدد الدستورية».
- المتظاهرون هددوا
بالتصعيد، حال الإصرار
على تمرير قصي
السهيل.