بريطانيا تغادر الاتحاد الأوروبي بعد 47 عاماً من العضوية

غادرت المملكة المتحدة أمس، الاتحاد الأوروبي «بريكست»، لتبدأ مرحلة غير محددة المعالم تمثل أكبر تغيير في مكانتها العالمية منذ أفول نجم الإمبراطورية البريطانية، وأشد ضربة لجهود دامت 70 عاماً لتحقيق الوحدة الأوروبية على أنقاض الحرب العالمية الثانية.

وخرجت بريطانيا أمس، من النادي الذي انضمت إليه في عام 1973، لتدخل فترة انتقالية تتمتع فيها بكل مزايا العضوية باستثناء الاسم حتى نهاية هذا العام.

وبضربة واحدة سيتم حرمان الاتحاد الأوروبي 15% من حجم اقتصاده، وأكثر الدول الأعضاء إنفاقاً على التسليح، والعاصمة المالية الدولية لندن. وسيُشكل الانفصال مصير بريطانيا، ويحدد مقدار ثروتها للأجيال القادمة.

وقال رئيس الوزراء، بوريس جونسون في خطاب تلفزيوني: «هذه هي اللحظة التي ينبلج فيها الفجر ويرتفع الستار عن فصل جديد»، على الرغم من أنه لم يقدم تفاصيل تذكر بشأن خططه بعد الخروج باستثناء الكلمات الحماسية.

وقال جونسون أحد القادة الرئيسين في حملة «المغادرة» قبل الاستفتاء على الخروج عام 2016 «هذا هو فجر حقبة جديدة».

وبخلاف المعنى الرمزي الكامن في أن تدير بريطانيا ظهرها إلى 47 عاماً من العضوية، لن يتغير الكثير فعلياً حتى نهاية 2020، وهو التوقيت الذي وعد فيه جونسون بإبرام اتفاقية تجارة حرة واسعة مع الاتحاد الأوروبي أكبر تكتل تجاري في العالم.

وبالنسبة للمؤيدين يمثل خروج بريطانيا من الاتحاد حلم «يوم استقلال»، بعيداً عما اعتبروه مشروعاً محكوماً عليه بالفشل يهيمن عليه الألمان، وأخفق في تحقيق أحلام سكانه البالغ عددهم 500 مليون نسمة.

لكن المعارضين يعتقدون أن «بريكست» حماقة من شأنها أن تضعف الغرب، وتنسف ما تبقى من النفوذ العالمي لبريطانيا، وتقوض اقتصادها وتؤدي في نهاية المطاف إلى تحويلها لمجموعة من الجزر المنعزلة في شمال المحيط الأطلسي.

وفي بروكسل قالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لين، أمس، إن الاتحاد الأوروبي سيبدأ فصلاً جديداً بعد مغادرة بريطانيا وسيعمل بالوتيرة نفسها كقوة موحدة في القضايا العالمية بدءاً من تغير المناخ إلى التحول التكنولوجي. وقالت فون دير لين، في مؤتمر صحافي قبل خروج بريطانيا الرسمي من التكتل «علمتنا التجارب أن القوة لا تكمن في عزلة رائعة، ولكن في اتحادنا الفريد».

وأضافت «لا يوجد مكان آخر في العالم يمكنك أن تجد فيه 27 دولة من 440 مليون شخص نسمة يتحدثون 24 لغة مختلفة، ويعتمدون على بعضهم بعضاً ويعملون معاً، ويعيشون جنباً إلى جنب. ما من شك في أن التحديات التي تواجهها أوروبا والفرص التي يمكنها اقتناصها لم تتغير بسبب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي».

وأضافت أن خروج بريطانيا منح الدول الـ27 المتبقية في الاتحاد «فرصة نادرة» لضمان أن تأخذ أوروبا بزمام المبادرة في التصدي لتغير المناخ والثورة الرقمية وإدارة الهجرة.

وقالت رئيسة المفوضية، إن الاتحاد الأوروبي يريد «أوثق علاقة ممكنة» مع بريطانيا، ولكنه سوف «يدافع عن مصالحه بعزم كبير».

وأضافت أن هذه «ليست نهاية، بل البداية.. الشعب البريطاني هو الذي قرر، ويجب احترام ذلك».

وقال الاتحاد الأوروبي لبريطانيا إنها لا يمكنها توقع «الدخول الأعلى نوعية إلى السوق الواحدة (الأوروبية)، ما لم تتبن معايير الاتحاد الأوربي في مجالات البيئة وحقوق العمال والضرائب والمساعدات التي تقدمها الدولة». 

عناوين الصحف البريطانية تعكس التفاؤل والتوجس في يوم «بريكست»

استيقظ البريطانيون للمرة الأخيرة صباح أمس، بصفتهم مواطنين في الاتحاد الأوروبي، فيما عكست عناوين الصحف حماسة مؤيدي «بريكست» وتوجس أولئك الذين كانوا يرغبون في البقاء.

وعنونت «ديلي إكسبرس» المؤيدة بشدة للانفصال «نعم، فعلناها!».

وكُتِب العنوان إلى جانب خريطة للمملكة المتحدة تضم عناوين الصحيفة التي صدرت طوال الأشهر الـ43 منذ استفتاء يونيو 2016. وشهدت هذه الفترة ثلاثة مواعيد لتنفيذ «بريكست». أما «ديلي ميل» المؤيدة بدورها لـ«بريكست»، فكتبت على غلافها «فجر جديد لبريطانيا». وأرفقت العنوان بـ«عند الساعة 11 مساء، تغادر أمتنا العزيزة أخيراً الاتحاد الأوروبي، صديقة دوماً لأوروبا، ولكن حرّة ومستقلة من جديد بعد 47 عاماً».

بدورها، عبّرت صحيفة «ذي غارديان» اليسارية عن تفضيلها للبقاء في الاتحاد الأوروبي، فعنونت «جزيرة صغيرة» ووصفت «بريكست» بأنّه «أكبر رهان منذ جيل».

ونشرت «تايمز» على صفحتها الأولى مقالة تعرض أفكار رئيس الوزراء بوريس جونسون حول اتفاق التبادل الحر الذي يرغب في التوصل إليه مع الاتحاد الأوروبي، ويكون على نسق الاتفاق الأخير بين التكتل الأوروبي وكندا.

من جانبها، كتبت «فاينانشل تايمز»: «بريطانيا تنسحب وسط خليط من التفاؤل والأسف».

كذلك، نشرت صحيفة «سيتي آي ام» المجانية والمخصصة للشركات «كانت رحلة طويلة» على خلفية صورة لقطار ملاهي على متنه أبرز شخصيات «بريكست».

أما «ديلي تلغراف» فعنونت غلافها «ليست نهاية وإنّما بداية»، إلى جانب تصريحات لجونسون ألقاها قبيل انعقاد جلسة للحكومة الجمعة في مدينة ساندرلاند، حيث كان الناخبون قد صوّتوا بكثافة لصالح «بريكست».

وفي إسكتلندا حيث كان الناخبون قد صوّتوا لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، جاءت النبرة مختلفة.

وعنونت «سكوتسمان»، صحيفة ادنبره، «وداعاً، لا إلى اللقاء»، وكتبت عبارة «وداعا» بـ24 لغة أوروبية.

أما «ديلي ريكورد»، فلخصت مشهد ما بعد «بريكست» بتشاؤم: «منعزلة، أقل ازدهاراً، أضعف ومنقسمة».

ولم تقاوم «ديلي ستار» المزاح، فكتبت «لحظة تاريخية هذا المساء لأمتنا العظيمة»، مضيفة «نعم، إنّها نهاية يناير الجاف». لندن ■أ.ف.ب

شخصيات سياسية أثرت في مسار «بريكست»

كل على طريقته، أثرت هذه الشخصيات السياسية في مسار «بريكست»، وفي ما يلي أبرزها:

ديفيد كاميرون

رغم أنه كان معارضاً للخروج من الاتحاد الأوروبي، يدخل ديفيد كاميرون الذي تولى رئاسة وزراء بريطانيا لست سنوات منذ عام 2010، التاريخ كالرجل الذي أطلق عملية «بريكست».

وأمر كاميرون بإجراء استفتاء حول مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي عام 2016، أملاً في تهدئة أصوات المشككين بالاتحاد داخل حزبه المحافظين، والتصدي لصعود الحراك المناهض لأوروبا والمهاجرين «يوكيب» برئاسة نايغل فاراغ.

نايغل فاراغ

بات نايغل فاراغ التاجر البالغ من العمر 55 عاماً والمثير للجدل، المنادي الدؤوب بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وغادر هذا الرجل الماهر في إطلاق الضربات الإعلامية حزب الاستقلال «يوكيب» الذي شارك في تأسيسه بعد أيام على الاستفتاء.

وعاد إلى الواجهة من جديد بعد الأزمة السياسية التي تلت الاستفتاء، ليترأس في أبريل 2019 حزب بريسكت الذي تصدر الانتخابات الأوروبية بعد شهرين.

تيريزا ماي

تولت تيريزا ماي المشككة في المؤسسات الأوروبية، لكن في الوقت نفسه المؤيدة للبقاء فيه، رئاسة الحكومة خلفاً لكاميرون. وواجهت ماي انتقادات لإطلاقها إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي مبكراً جداً في 29 مارس، والتي كان يفترض أن تنتهي بعد عامين من ذلك. ورغبة منها في تعزيز سلطتها قبل المفاوضات مع بروكسل، دعت ماي إلى انتخابات نيابية مبكرة خسر فيها حزب المحافظين أغلبيته لتضطر إلى التحالف مع الحزب الإيرلندي الوحدوي الصغير لتحافظ على أغلبيتها.

بوريس جونسون

وضع رئيس بلدية لندن السابق كل ثقله لتحقيق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وصل جونسون المعروف بوعوده بشأن النظام الصحي المبنية على أرقام عشوائية، وجهت إليه بسببها تهم بالكذب تم رفضها في نهاية المطاف، إلى رئاسة حكومة بريطانيا في سن الـ55 في يوليو 2019.

لم ينجح جونسون في تحقيق وعده بتنفيذ «بريكست» في 31 أكتوبر. لكن الأغلبية الساحقة التي نالها في انتخابات ديسمبر، مكنته من دخول التاريخ كرئيس الوزراء الذي ستخرج خلال عهده المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

ميشال بارنييه

مفاوض الاتحاد الأوروبي قبل «بريكست»، سيكون كذلك مفاوضه خلال المرحلة الانتقالية. تمكن بارنييه، المدافع الشرس عن مصالح الاتحاد الأوروبي، من الحفاظ على وحدة دوله الـ27 خلال المحادثات مع لندن خصوصاً بشأن مسألة الحدود الإيرلندية الشائكة. لندن ■أ.ف.ب

- رئيسة المفوضية الأوروبية: علمتنا التجارب أن القوة لا تكمن في عزلة رائعة، ولكن في اتحادنا الفريد.

 

الأكثر مشاركة