ترامب يزيّف الحقائق حول «كورونا» لتحقيق مكاسب شخصية
على مدى شهور، قلل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من خطورة الوباء الحالي، وبالغ في تقدير تأثير سياساته وعلاجات المرض المحتملة، وألقى باللوم على الآخرين. وبعد ساعات من تصدر الولايات المتحدة لقائمة حالات الإصابة بالفيروس التاجي، ظهر ترامب على قناة «فوكس نيوز»، وشكك في وجود نقص في الإمدادات الطبية، وتفاخر بقدرة البلاد على إجراء الاختبارات على الأشخاص، وانتقد استجابة سلفه لتفشي وباء آخر، في وقت سابق.
وصرح الرئيس الأميركي، بـ«لا أعتقد أن هناك حاجة إلى 30 أو 40 ألف جهاز تنفس»، في إشارة إلى طلب من حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو. وأدلى ترامب بهذا البيان، على الرغم من التقارير الحكومية التي توقعت حدوث نقص شديد، وعكس مساره، صباح الجمعة، داعياً إلى اتخاذ خطوات عاجلة لإنتاج المزيد من أجهزة المساعدة على التنفس.
وادعى ترامب، مضللاً، مرة أخرى، يوم الجمعة، أن الهيئات الطبية أجرت اختبارات على عدد من الأشخاص، أكثر من أي بلد آخر. ومن حيث الأعداد الأولية، اختبرت الولايات المتحدة، عدداً أكبر من الأشخاص المصابين بالفيروس التاجي؛ أكثر من إيطاليا وكوريا الجنوبية، لكنها لاتزال متخلفة في ما يخص النسبة من العدد الإجمالي للسكان.
واستمر في الادعاء، كذباً، بأن إدارة أوباما «تحركت متأخرة جداً»، خلال وباء انفلونزا الطيور H1N1، في 2009 و2010. وتُظهر هذه الأكاذيب، منذ يناير، بعض المبادئ الأساسية لكيفية محاولة ترامب تحويل استجابته للوباء إلى مصلحته.
التقليل من شدة الوباء
عندما تم الإبلاغ عن أول حالة إصابة بالفيروس في أميركا، في يناير، قال ترامب إنه «شخص قادم من الصين»، وقال إن الوضع «تحت السيطرة» و«سيكون على ما يرام»، على الرغم من أن أحد كبار المسؤولين في مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، قال للجمهور «نتوقع المزيد من الحالات».
وبغض النظر عن مدى تزايد عدد الحالات، فقد وصفها ترامب بأنها منخفضة.
وقال في أواخر يناير «لدينا مشكلة صغيرة جداً في هذا البلد» مع خمس حالات. وحافظ على نغمة الإنكار نفسها، في الخامس من مارس، إذ تضاعف عدد الحالات 25 مرة، وكتب على «تويتر»، «129 حالة فقط».
بحلول الـ12 من مارس، عندما ارتفع العدد مرة أخرى 10 أضعاف، ليصل إلى أكثر من 1200، جادل ترامب أن هذه كانت أيضاً «حالات قليلة جداً» مقارنة بالدول الأخرى. كما ادعى بشكل مضلل، مرات عدة، أن الفيروس التاجي مثل أي أنفلونزا، «يمكن أن تسميه جرثومة، أو إنفلونزا، ويمكنك تسميته بالفيروس، ويمكنك تسميته بالعديد من الأسماء المختلفة. لست متأكداً من أن أحداً يعرف ما هو».
ومع ذلك، فإن معدل الوفيات جراء الفيروس يبلغ 10 أضعاف معدل الإصابة بالإنفلونزا، ولا يوجد لقاح أو علاج حتى الآن لفيروس كورونا. وفي خلط بين الأنفلونزا والفيروس المستجد، أكد الرئيس الأميركي، مراراً، على العدد السنوي للوفيات بسبب الأنفلونزا، وأحياناً عمد إلى تضخيم تقديراته. وعندما استشهد بالمقارنة، لأول مرة، في فبراير، تحدث عن عدد وفيات الأنفلونزا من «25 إلى 69 ألفاً». وفي مارس، استشهد برقم يصل إلى 100 ألف، توفوا في 1990.
وكان الرقم الفعلي لموسم الأنفلونزا، لعام 1990، هو 33 ألفاً، وفي العقد الماضي، قتلت الأنفلونزا بين 12 و61 ألف شخص، في موسم المرض بالولايات المتحدة. وهذا أعلى بكثير من عدد الوفيات الناجمة عن الفيروس الحالي، في البلاد حتى الآن، إذ تقدر مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، الوفيات من «كوفيد 19»، يمكن أن تراوح من 200 إلى 1.7 مليون حالة.
وعلى الجانب الآخر، ضخم ترامب معدلات الوفيات والإصابة بالأمراض القاتلة الأخرى، كما لو كان يؤكد أن فتك فيروس كورونا أقل، بالمقارنة. ووفقاً لترامب، فإن «مستوى الوفاة بـ(إيبولا) كان 100%»، في حين أن متوسط معدل الوفيات بلغ نحو 50%. وخلال جائحة أنفلونزا عام 1918، «كان لديك فرصة بنسبة 50% لتموت»، قال ذلك يوم الثلاثاء؛ مع أن تقديرات معدل الوفيات لتلك الجائحة أقل بكثير من ذلك.
ومع بدء إغلاق مدن وولايات أميركية، وتهاوي أسواق الأسهم، ووصول البطالة إلى مستويات قياسية، هذا الأسبوع، قلل ترامب، مرة أخرى، من تأثير الوباء، قائلاً: «إنه مع عدم وجود دليل، فإن الركود سيكون أكثر فتكاً من الفيروس التاجي».
المبالغة في العلاجات
إلى غاية أوائل مارس، كان الرئيس الأميركي يعد بتوفير لقاح «قريباً»، على الرغم من تأكيد مسؤولي الصحة العامة والمديرين التنفيذيين للصناعات الدوائية، أن العملية ستستغرق من 12 إلى 18 شهراً. وفي وقت لاحق، قام بالترويج للعلاجات التي لم تثبت فعاليتها ضد الفيروس المستجد، وقال إنها «معتمدة» ومتاحة، على الرغم من أنها لم تكن كذلك. وفضلاً عن التدخلات الطبية، بالغ ترامب في سياساته الخاصة ومساهمات القطاع الخاص في مكافحة تفشي المرض.
والقيود التي فرضها ترامب على السفر من الصين وإيران و26 دولة، في أوروبا، لا ترقى إلى حظر أو إغلاق الحدود؛ إذ لا تنطبق هذه القيود على المواطنين الأميركيين أو المقيمين الدائمين أو أسرهم المباشرة أو طواقم الطيران. ولم تكن هذه القيود شاملة ومطلقة، فحسب، بل تم فرضها، أيضاً، على الصين «خلافاً لنصيحة الكثير من الخبراء». لكن وزير الصحة والخدمات الإنسانية، قال من قبل إن القيود المفروضة، جاءت بناءً على توصيات مسؤولي الصحة الوطنية. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز»، أيضاً، أن ترامب كان متشككاً، قبل أن يقرر دعم القيود بناء على حث بعض كبار مساعديه.
إلقاء اللوم على الآخرين
أرسلت مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، مجموعات اختبار للولايات، في فبراير، بعضها كان معيباً وأعطى قراءات غير دقيقة. واستمرت المشكلات في التفاقم، إذ حذر العلماء والمسؤولون من القيود المفروضة على من يمكن اختباره، وعدم توافر أدوات الاختبار، بشكل عام. وفي مواجهة الانتقادات بشأن الاختبارات والمستلزمات الطبية، حوّل ترامب بدلاً من ذلك المسؤولية إلى جهات أخرى.
وكانت إدارة أوباما هي التي «اتخذت قراراً بشأن الاختبار اتضح أنه ضار جداً بما نقوم به»، وفقاً لتصريحات ترامب في الرابع من مارس. وكانت هذه إشارة مضللة إلى مسودة التوجيهات، الصادرة في عام 2014، بشأن تنظيم الاختبارات، ولم يتم وضع اللمسات الأخيرة عليها أو فرضها. وقد نظم قانون صدر في عام 2004، عملية ومتطلبات الحصول على إذن لاستخدام منتجات الاختبار غير المعتمدة في حالات الطوارئ الصحية.
الاختبار الذي وزعته منظمة الصحة العالمية لم يُعرض أبداً على الولايات المتحدة، وكان «اختباراً سيئاً»، وفقاً للسيد ترامب. صحيح أن أميركا تصمم عادة وتصنع التشخيص الخاص بها، ولكن لا يوجد دليل على أن اختبار منظمة الصحة، غير موثوق به.
وبالنسبة لنقص أجهزة التنفس، التي أشار إليها حاكم ولاية نيويورك، قال ترامب - بشكل مضلل - إن الحاكم رفض معالجة القضية، في عام 2015، عندما «أتيحت له الفرصة لشراء 16 ألف جهاز، بسعر منخفض جداً».
وقدر تقرير عام 2015 الذي وضع المبادئ التوجيهية لنيويورك، بشأن تخصيص أجهزة التنفس الاصطناعي، أنه في حالة حدوث جائحة، فإن الولاية «من المحتمل أن يكون لديها نقص بواقع 15783 جهاز تنفس، أثناء ذروة الطلب». ولكن التقرير لم يوصِ في الواقع بزيادة المخزون، وأشار إلى أن شراء المزيد لم يكن حلاً شاملاً، لأنه لن يكون هناك ما يكفي من العاملين في الرعاية الصحية المدربين لتشغيلها.
إعادة كتابة التاريخ
قارن الرئيس الأميركي بين استجابة حكومته لوباء «كورونا» الحالي، باستجابة إدارة أوباما لوباء H1N1، من 2009 إلى 2010، ووصف أداءه بأنه من بين الأفضل، بينما وصف استجابة سلفه بأنها «كارثة واسعة النطاق». ومن خلال القيام بذلك، ادعى ترامب، زوراً، أن الرئيس السابق لم يعلن الوباء حالة طارئة، حتى وفاة الآلاف، مع أن الحكومة أعلنت عن حالة طوارئ صحية عامة، قبل أيام من أول حالة وفاة، تم الإبلاغ عنها، في الولايات المتحدة.
وكان هناك عدد من التحذيرات بشأن كل من وباء عالمي عام والفيروس التاجي على وجه التحديد، فقد ذكر تقرير حكومي لعام 2019، أن «الولايات المتحدة والعالم سيظلان عرضة لوباء الإنفلونزا القادم أو تفشٍ واسع النطاق لمرض معدٍ». وبدأ كبار المسؤولين الحكوميين في دق ناقوس الخطر بشأن الفيروس التاجي، في أوائل يناير.
وعلى الرغم من تاريخه من التصريحات الكاذبة والمضللة، فقد أكد ترامب أيضاً «شعرت أنه كان وباء، لفترة طويلة، قبل أن يطلق عليه وباء».
القيود التي فرضها ترامب على السفر من الصين وإيران و26 دولة، في أوروبا، لا ترقى إلى حظر أو إغلاق الحدود.