رغم الاختلاف بين السيدتين
إليزابيث وميركل.. عدوّتا الحرب ونموذج للوحدة الوطنية
وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنتونيو غوتيريش، الأسبوع الماضي، جائحة فيروس كورونا بأنها أكبر أزمة يواجهها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، لكن زعيم دولة واحداً يستطيع طرح مثل هذه المقارنة من تجربته الحياتية، ففي خطابها إلى المملكة المتحدة ودول الكومنولث في 5 أبريل الجاري، ذكّرت الملكة إليزابيث الثانية مستمعيها بأنها قامت بأول خطاب تم بثه على الهواء في عام 1940، حيث كانت أميرة وعمرها 14 عاماً، عندما تصدت بريطانيا وحدها لألمانيا النازية.
امرأتان مختلفتان
ويمكن مقارنة الملكة البريطانية بشخصية أخرى تتربع على قمة دولة مهمة هي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وتبدو المرأتان مختلفتين تماماً، فالدكتورة ميركل عالمة كبيرة في الفيزياء الحيوية وقائدة دولة فعلية، لكن هاتان المرأتان، هما من دولتين خاضتا مع بعضهما حربين عالميتين خلال القرن الماضي، ولعبتا أدواراً متشابهة في توحيد دولتيهما.
والآن قامت الملكة البالغ عمرها 94 عاماً، بحض الشعب البريطاني بلطف على العمل بطريقة يمكن أن ينظروا إليها بفخر، ففي هذا المناخ العالمي المشحون بالخوف وتبادل الاتهامات، تبرز رسالتها كمثال للقيادة، وظهرت أخبار نقل رئيس الحكومة البريطانية بوريس جونسون إلى المستشفى إثر ظهور أعراض مرض كورونا عليه، بعد خطاب الملكة. وقالت الملكة في خطابها الذي ألقته وهي وحدها من قصر ويندسور «معاً سنتمكن من معالجة هذا المرض، وأريد أن أطمئنكم بأنه إذا بقينا متوحدين ومصممين فإننا سنتغلب عليه، وأتمنى أننا في السنوات المقبلة سنكون قادرين على الشعور بالفخر حول كيفية ردنا على هذا التحدي، وسيقول من يأتون من بعدنا إن هذا الجيل البريطاني كان قوياً مثل البقية».
أفضل ساعة من الزمن
وكانت مقارنتها الأزمة الحالية بخطابها زمن الحرب الذي وصفه رئيس الحكومة الراحل وينستون تشرشل بأنه أفضل ساعة من الزمن لبريطانيا، بمثابة استدعاء للشجاعة، لأنها حملت ثقلاً كبيراً من امرأة كانت طفلة، هي الآن رمزاً وطنياً، لكنها تحدثت إلى أطفال اليوم بعاطفة الأم الوطنية.
وهي تجسد الملكية التي بدأت قبل نحو 1000 عام، استمراراً لشخصيتها الوطنية، بيد أن إليزابيث أكبر بكثير من الرمزية، إذ إن عمرها المديد جسد التحديات التي تعيّن على شعبها مواجهتها، مثل إجلائها مع شقيقتها زمن الحرب، والوفاة المبكرة لوالدها جورج السادس، ومسؤولياتها كملكة وهي في مرحلة الشباب، والوفاة المأساوية لكنتها الأميرة ديانا، ومسؤوليتها عن أحفادها، إلى العديد من الأزمات الكبيرة والصغيرة، التي تعين على الأسرة الملكية مواجهتها، ليس في ما يتعلق بوضعها فقط، وإنما بتعاطفها العميق مع شعبها الذي يواجه الصعوبات، الأمر الذي جعل رسالتها من أجل الوحدة الوطنية مؤثرة.
ومع تعافي الأمير تشارلز الابن البكر للملكة ووريثها مستقبلاً، ورئيس الحكومة بوريس جونسون في العناية المشددة، تبدو رسالة الملكة شخصية جداً، وستعمل على توحيد الناس مع بعضهم بعضاً في شتى أنحاء العالم، خلال هذه الأيام الصعبة التي تنتظر الجميع.
واختتمت الملكة خطابها برسالة من أجل أطفال بريطانيا، الذين قالت إنهم «يضحون ويرسمون أقواس قزح»، وبالنظر إلى أنها عاشت الحروب في طفولتها، كانت كلماتها لأطفال هذا الزمن تقدم أملاً بأن بريطانيا ستخرج من هذه الأزمة «قوية كما هي من قبل».
مناشدة
وناشدت الملكة إليزابيث الطبائع الأفضل لدى البريطانيين، في مقارنة واضحة للحزبية السياسية التي تحيط السياسة الصحية العامة في الولايات المتحدة. وتبدو وسائل الإعلام الرئيسة في العالم عدائية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي حاول إلقاء اللوم على حكام الولايات الذين وجهوا إليه انتقادات شديدة، ومنظمة الصحة العالمية بعد ذلك، وفي الوقت ذاته كانت الحكومات الفيدرالية والولايات منخرطة في نزاع داخل قارب نجاة بشأن نقص الإمدادات والمعدات الطبية.
ومن اللافت للنظر أن القائد السياسي الذي يتشابه موقفه في الأزمة الحالية كثيراً مع موقف الملكة؛ هي المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، وهي الآن تدخل في السنة الـ16 في عملها كمستشارة لألمانيا، لكن المستشارة التي تحمل لقب «موتي» أو «مومي» «اتخذت لهجة مختلفة للتعامل مع الشعب الألماني في هذه الأزمة، حيث حذرتهم بصراحة من أن نصف الشعب الألماني يمكن أن يصاب بفيروس كورونا»، واستناداً إلى النظام الصحي العام الممتاز في ألمانيا، تمكن الفريق الطبي مع ميركل من الحفاظ على معدل الوفيات بفيروس كورونا إلى أقل معدل في العالم.
دعم الناخبين
وكردٍّ على معالجتها للأزمة الطبية في بلادها، ارتفع دعم الناخبين المؤيدين لحزب ميركل، الحزب المسيحي الديمقراطي، إلى أعلى مستوى خلال ثلاث سنوات، حيث قال 43% من الناخبين إنهم يعتقدون أن هذا الحزب هو الأكثر كفاءة لمعالجة المشكلات في ألمانيا. وقبل بضعة أشهر فقط انخفضت شعبية هذا الحزب الى أقل من شعبية حزب الخضر، والآن فإن حزب ميركل متقدم جداً، حيث أشارت استطلاعات الرأي إلى انخفاض دعم حزب الخضر، وانحصر في طلاب الجامعات فحسب.
وأسست الملكة أسلوب حكمها منذ إلقائها القسم عام 1953 عندما قالت «كل الأمور التي وعدت بها من قبل سأنفذها وأحافظ عليها، ولذلك ساعدني يا ربي»، وباعتبارها رأس الكنيسة البريطانية أعادت الملكة إنشاء الملكية البريطانية، ليس من قبيل الشهرة أو العظمة، وإنما كإرث من الخدمات، وعقد ملكي مقدس مع الناس والإنسانية والله.
ولكن الدكتورة ميركل لا تملك مثل هذه التقاليد، لقد أصبحت القومية الألمانية تجارة مراوغة خلال الحرب العالمية الثانية، واستبعدت ميركل أي تعاون مع حزب الأقلية المتشدد قومياً، المعروف باسم «حزب البديل لألمانيا». وبدلاً من مناشدة الذاكرة التاريخية قدمت ميركل نظاماً قوياً للصحة العامة، حيث يقوم فريق من الأطباء الألمان اللامعين والملتزمين بإيجاد أي وسيلة ممكنة لإنقاذ الأرواح.
كل الشكر لإليزابيث وأنغيلا ميركل، فعدوتا الحرب في القرن العشرين أصبحتا نموذجاً للوحدة الوطنية في ظل الظروف الراهنةالعصيبة، وإن كان بطرق مختلفة جداً، وبالنظر إلى أنهما في عالم ممزق ويعج بالمشكلات، فإن ذلك يعتبر إشارة مشجعة.
مقارنة الملكة البريطانية بشخصية أخرى تتربع على قمة دولة مهمة هي المستشارة الألمانية ميركل.
كردٍّ على معالجتها للأزمة الطبية في بلادها، ارتفع دعم الناخبين المؤيدين لحزب ميركل، الحزب المسيحي الديمقراطي، إلى أعلى مستوى خلال ثلاث سنوات، حيث قال 43% من الناخبين إنهم يعتقدون أن هذا الحزب هو الأكثر كفاءة لمعالجة المشكلات في ألمانيا.
إليزابيث أكبر بكثير من الرمزية، إذ إن عمرها المديد جسد التحديات التي تعيّن على شعبها مواجهتها، مثل إجلائها مع شقيقتها زمن الحرب، والوفاة المبكرة لوالدها، ومسؤولياتها كملكة وهي شابة، والوفاة المأساوية للأميرة ديانا.
ترامب ألقى باللوم على حكام الولايات، ثم على منظمة الصحة العالمية في أزمة انتشار فيروس كورونا.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news