كمامات الوجه أصبحت جزءاً من الهوية في هونغ كونغ
في الماضي، مرت فترة كانت فيها كمامات الوجه في هونغ كونغ حكراً على الذين يقصدون التهريج وإضحاك الناس. وفي الأسبوع الثاني من شهر مارس 2003، كان موظفو مستشفى «برنس ويلز» في شا تن، يعانون مرضاً خطيراً. وبعد فترة قصيرة اتضح أنه مرض يعرف بـ«أعراض مرض التنفس الحاد» أو «سارس» والذي كشف عن نفسه باعتباره قنبلة بيولوجية حقيقية، وفي الأشهر الثلاثة التالية قتل 299 شخصاً في هونغ كونغ، و475 في بقية أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أن فيروس كورونا كان أشد فتكاً حول العالم، إلا أن «سارس» كان يمثل التجربة الأكثر فتكاً بالنسبة لهونغ كونغ. وفي محاولتها لحماية نفسها لجأت المدينة إلى الكمامات، إلى درجة أنها صارت تفتقر إليها الآن. وكما يقال الآن ليس هناك دليل قوي على أنها يمكن أن تمنح مستخدمها حماية كافية. وحتى لو لبسها المرء بصورة مستمرة خارج المنزل، فإن الفيروس يمكن أن يصل إليه في المنزل. ومع ذلك فان الاعتقاد السائد والراسخ أن الكمامات يمكن أن تحميك من الفيروس، حتى لو كنت تلبسها وهي متدلية من أذنك، أو أنها موجودة تحت ذقنك، أو أنها رطبة من أنفاسك ومليئة بالجراثيم. ولكن هذه العقلية لم تتغير هذه المرة.
وبعد «سارس»، تعيّن على الحكومة أن تقنع الشعب بالتخلي عن الكمامات التي ربما أصبحت عبارة عن عكاز للمجتمع وهوية له، ولكنها مزعجة بالنسبة للسياح الذين لا يشعرون بالارتياح لرؤيتها. ولكن في هذه المرحلة كانت الثقة قد بدأت تتبخر بإدارة الرئيس التنفيذي لهونغ كونغ، تانغ تشي هوا، وقد احتفظت بملف كامل لجروح تلك المرحلة.
في البداية كان «سارس»، ومن ثم إزعاج إضافي جراء تظاهرات «زحف الديمقراطية». وطيلة فترة التظاهرات التي بدأت العام الماضي، والتي جرت ضد ظهور قانون جديد يحد من الحريات ويزيد من سطوة تدخل الحكومة الصينية في القضاء في هذه المستعمرة البريطانية السابقة، كان علم الاستعمار البريطاني يرفرف فوق الجموع المتظاهرة. ومرة ثانية، اختفى الشعب خلف كماماته لإخفاء شخصيته من قوات الأمن، التي جاءت لإنهاء التظاهرات. وكنا نبدو وكأننا انتقلنا دورة كاملة بين نوعين من الفيروسات تأخذ شكل تاج. وفي عام 2003 كانت العناوين الكبيرة تمثل أسئلة كبيرة مفادها من نحن؟ والآن بعد 17 عاماً، لايزال السؤال نفسه المتعلق بالهوية، وإن كان أكثر الحاحاً، ولكن بأجوبة أقل. وفي إيطاليا، فانهم يتغنون بوحدتهم على شرفات المنازل، بيد أننا هنا في هونغ كونغ توقفت أناشيد التظاهرات، وأصبح ليلنا صامتاً.
وهكذا تراجعت المدينة إلى عزلتها ووجهها المشوه. وذكرتني الكمامات بوجودي في المستشفى خلال طفولتي، إضافة إلى رجال عسكريين كنت أخافهم، لأني كنت أرى بهم شيئاً غريباً.
وغالباً ما أقوم بالمشي هذه الأيام، من بلدة كينيدي على طول طريق فكتوريا مروراً بمقبرة ضحايا وباء عام 1894، والقوس التذكاري لمستشفى تونغ واش القديم لمرضى الجدري، حتى أصل إلى المقبرة. وعلى طول هذا الطريق لم أكن أرى سوى الأشجار المزهرة وزوار المدينة الذين بدا عليهم الضجر، في حين أن الكمامات الزرقاء الباهتة التي تخلص منها أصحابها، كانت دائماً ملقاة على قارعة الطريق، والتي كانت تميز المدينة.
ويمكن أن يشعر المرء بالوحدة خلال كل هذه المشاهدات في المدينة. وحتى لو كانت الوفيات أقل بكثير خلال الوباء الأخير «كورونا»، إلا أن الانقسامات داخل المدينة أصبحت أكبر بكثير. ولكن الكمامات موجودة دائماً في حياة المدينة. ولا أنسى مشهد ذلك الطفل الذي رأيته أخيراً بينما كانت أمه تضع الكمامة على وجهه. لقد غطت الكمامة جلّ وجهه ورأسه بينما كان الطفل يبكي، وكانت الأم تمسح دموعه بأصابعها الحانية وتجففها بالكمامة.
فيونولا ماكهو كاتب من هونغ كونغ
أشياء لا نفهمها
في هذه الحياة، عادة ما يكون هناك أشياء لا يفهمها أحد بصورة شاملة على نحو صحيح، ولكن ربما خلال بضعة أشهر، عندما تصبح الكمامات غير ضرورية ويتم التخلص منها، وتكشف المدينة عن نفسها، عندها ستبدأ دورة جديدة للجيل المقبل.
عام 2003 كانت العناوين الكبيرة تمثل أسئلة كبيرة مفادها من نحن؟ والآن بعد 17 عاماً، لايزال السؤال نفسه المتعلق بالهوية، ولكن بأجوبة أقل. وفي إيطاليا، فإنهم يتغنون بوحدتهم على شرفات المنازل، بيد أننا في هونغ كونغ توقفت أناشيد التظاهرات، وأصبح ليلنا صامتاً.
بعد «سارس»، تعيّن على الحكومة إقناع الشعب بالتخلي عن الكمامات التي أصبحت كعكاز للمجتمع وهوية له.