«عدو ليس بشرا».. كورونا يرغم المخابرات الأميركية على تغيير أسلوب عملها
شهد تاريخ الولايات المتحدة حدثين كان لهما أثر كبير على مجريات الأمور في البلاد، وهما الهجوم الياباني المباغت على قاعدتها البحرية في بيرل هاربور بجزر هاواي في السابع من ديسمبر عام 1941، والثاني هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.
وأدى الحدثان إلى تغيير شامل في كثير من أجهزة الدولة، ولم تسلم منه أجهزة الاستخبارات الأميركية. لكن جائحة فيروس كورونا(كوفيد-19) سوف تؤدى إلى تغيير أجهزة المخابرات بدرجة أكبر بكثير مقارنة بالحدثين السابقين.
ويقول خبير المخابرات المضادة الأميركي جريج باركيا، في تقرير نشرته الخميس مجلة «ذا ناشيونال انتريست» الأميركية، إن الولايات المتحدة، ومعظم الدول الغربية، تدرس عوامل مختلفة عندما تقوم بتحديد عدو ما، وإنه قضى معظم وقته كمستشار للخدمات المتعلقة بالمخابرات والأمن من خلال شركته المتخصصة في هذا المجال، في مساعدة عملائه في تحديد أعدائهم. إذ أنه بدون تحديد الأعداء وإمكانياتهم بشكل واضح، من المستحيل تنفيذ الإجراءات المضادة الفعالة. ومن هنا تبدأ إجراءات تخفيف شدة أي احتمالات.
وتميل الدول المتقدمة إلى الرغبة في تقييم إمكانيات العناصر النشطة الخارجية، و الداخلية أحيانا، والتي من الممكن أن تؤثر بصورة سلبية على الاقتصاد أو الصحة العامة. ومن الأمور المهمة أيضا قدرة الدولة على تصور القوة الضرورية لفرض أهداف سياستها. ومن المهم بالمثل القدرة على الاحتفاظ بسمعة كونها حليفا يتمتع بالقدرة ويمكن الاعتماد عليه.
وهذا هو السبب في أن خمسين دولة تقريبا شكلت «تحالف الراغبين» لغزو العراق في عام 2003- ليس لأنها تريد ذلك، ولكن لأنها مضطرة لذلك بسبب المزايا الاقتصادية أو التكتيكية التي تقدمها لها الولايات المتحدة. ويقول جريج إن هذا يذكره بمقولة: «عندما تعطس أميركا، يصاب العالم كله بنزلة برد».
وتتوفر فى جائحة كورونا جميع فئات معايير العدو. فالتأثير الاقتصادي كبير للغاية، وقد أدى إلى محو النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال الفترة الأخيرة، ورفع معدلات البطالة إلى درجة قياسية. ويتوقع السيناتور الجمهوري شوك جراسلي أن يفوق إجمالي الخسائر الاقتصادية ما سببته هجمات 11 سبتمبر. كما أن التأثير على الصحة العامة صادم أيضا ويفوق حصيلة قتلى هجمات 11 سبتمبر.
وفي ظل جبهة داخلية مشتتة التفكير، يعمل أعداء الولايات المتحدة في حرية، عسكريا واقتصاديا، مستغلين الاستعدادات الأمريكية غير الكافية. وأدى تأثير الفيروس على الاستعداد البحري الأميركي إلى جرأة الصينيين وإغراقهم لسفينة صيد فيتنامية في المياه المتنازع عليها.
وسيكون هناك تحول جذري في نموذج العمل لأن هذه هي المرة الأولى التي تضطر فيها أجهزة المخابرات، بشكل جدي، إلى تقييم عدو ليس بشرا، بغض النظر عما إذا كان قد تم تجهيز الفيروسات عن قصد في إطار تعزيز الحرب البيولوجية، وليس لأي فيروس نقاط ضعف سيكولوجية يمكن استغلالها، ولا يخضع أي مرض لانتفاضة شعبية يمكننا التأثير عليها، والعدوى لا تمتلك هواتف يمكن اعتراضها أو تعقبها، وليس لها مجمعات يمكن تصويرها بالأقمار الاصطناعية، أو تعاملات مالية يمكن رصدها، وليس هناك حارس يمكن تجنيده كجاسوس.
ومن المعروف أن القاعدة الأساسية في المخابرات هي أن يفكر مسؤولوها كما يفكر العدو. فكيف يمكن التفكير مثل عدو لا يفكر؟
ويقول جريج، الذى قضى خمسة أعوام في الجيش الأميركي كرجل مخابرات، زار خلالها العراق وأفغانستان، إنه يمكن توقع توسع كبير للغاية في المركز القومي للمخابرات الطبية، التابع لوكالة المخابرات العسكرية التي تنفذ عمليات تجسس لجمع معلومات استخباراتية عن مجموعة كبيرة من القضايا الصحية التي يمكن أن تؤثر على المصالح الأميركية. وسوف يظهر نوع جديد من أولويات التوظيف للعمل في أجهزة المخابرات؛ حيث ستكون هناك حاجة لتوظيف أطباء وعلماء لهم خلفيات تتعلق بعلم الأوبئة والانتشار المستمر للأمراض.
وفي الوقت الحالي، يقوم كثير من الأطباء العاملين في أجهزة المخابرات بتقييم صحة زعماء العالم من خلال تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي يظهرون فيها. ومن الممكن أيضا توقع زيادة التركيز على أحد جهود جمع المعلومات الأكثر تحديا- وهو الجمع السرى للعينات البيولوجية، حيث يتم تحليل هذه العينات للتعرف على دلائل تحذر من انتشار محتمل لأي أمراض.
ويؤكد جريج أن أجهزة المخابرات الأميركية كائن حي، وأنها تعتمد على المعلومات التي ترد إليها من شبكة واسعة النطاق من المصادر، والخبراء، وكذلك البيانات التي يتم جمعها ومعالجتها باستخدام تكنولوجيا أكثر تقدما من أي تكنولوجيا شهدها العالم. وعندما تحدث حالات فشل، فهي فشل حصري تقريبا، في تحليل المعلومات وليس في جمعها.