دول تنجح بالسيطرة على الوباء وأخرى تفشل بمواجهته.. سر الحكومات الناجحة في مواجهة كوفيد-19
ربما تكون عبارة "تغير كل شيء" عنوان المرحلة التي يفرض فيها وباء عالمي تغييرات جذرية على طريقة حياتنا في الوقت الراهن، دون معرفة يقينة بما سيكون عليه شكل الحياة في المستقبل في ظل انتشار فيروس كورونا الذي لم يتوصل العالم للقاح للسيطرة عليه بعد أكثر من 4 أشهر على ظهور أول إصابة.
إلا أن تجربة بعض الدول باحتواء المرض تثبت أن بعض الأمراض يمكن القضاء عليها من خلال القرارات السريعة والمجتمعات الواعية.
قرارات حكيمة وسريعة
أعلنت الصين اكتشاف "التهاب رئوي مجهول المصدر" بعد ظهر يوم 31 ديسمبر، وحينها التفت العالم بالكاد لما يحدث في الصين في ظل انشغاله باحتفالات رأس السنة الميلادية.
من جهة أخرى وفي نفس اليوم في تايوان، أمرت الحكومة في تايبيه أي طائرات قادمة من ووهان بالبقاء على المدرج حتى يتمكن موظفو المطار من فحص صحة جميع من هم على متنها.
ووردت تقارير أن الصين قاومت تنفيذ فحوصات طبية على مستوى الدولة أو إجراء قراءات لدرجات الحرارة في مقاطعة هوبي وهي بؤرة تفشي المرض، حيث تقع ووهان، على الرغم من إبلاغ أطباء المقاطعة عن ارتفاع أعداد المرضى الذين يعانون من أمراض تنفسية، ما تبين لاحقا أنه "التحدي الأكثر خطورة" منذ سارس، وفقا لما جاء في موقع "الغارديان" البريطاني.
في غضون ذلك، كانت مراكز السيطرة على الأمراض في تايوان تراقب الوافدين من ووهان، وتعزل أي شخص مصاب بالحمى أو السعال وتحث مواطنيها على تجنب أي سفر غير ضروري إلى هوبي.
وأكدت دراسة نشرت في مارس أهمية التصرف السريع والاستجابة السريعة في حالات الطوارئ، حيث جادل الباحثون بأنه لو قامت الصين بإجراء اختبارات واسعة النطاق، وطوقت منطقة هوبي قبل أسبوع من الموعد الذي بدأت فيه الإجراءات الفعلية، كان سيقلل عدد الحالات في الصين بنسبة 66٪ وفي حال بدأت إجراءاتها قبل ذلك بثلاثة أسابيع ستنخفض الحالات بنسبة 95٪.
حتى هذا الأسبوع، سجلت تايوان 440 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا المتسجد، وست حالات وفاة.
إقرأ أيضاً: تسونامي الفقر.. "كورونا" يعيد عقارب الساعة 30 سنة إلى الوراء
من جهة أخرى قال مدير مركز دراسات الصحة العالمية بجامعة سيتون هول بالولايات المتحدة يانتشونغ هوانغ إن الأمثلة الناجحة والفاشلة في احتواء انتشار الفيروس تشترك في شيء ما.
حيث تمكنت الدول التي نفذت اختبارات مبكرة ومكثفة، مثل كوريا الجنوبية وأيسلندا، من الحفاظ على مجتمعاتها مفتوحة نسبيا، دون الاضطرار إلى تطبيق اجراءات عزل أو منع للتجوال.
وفي سنغافورة، تتبعت الحكومة مخالطي مصابي كوفيد-19، وقامت بفرض عزلة منزلية بعقوبات قاسية لكسرها، وتم عزل المرضى في المستشفيات حتى في حال كانت الأعراض خفيفة.
أما أوروبا، فعندما لم يعد احتواء تفشي الفيروس ممكنا، أظهرت الأدلة أن تطبيق التباعد الاجتماعي في وقت مبكر، ومستوى التنمية في المجتمعات وقدرة النظام الصحي، لعبت دورا حاسما في تقليل حجم تفشي الفيروس في البلاد وهو ما بدأت به بعض دول أوروبا قبل غيرها.
التنفيذ أهم من الاستعداد
خلص مؤشر عالمي صدر في أكتوبر الماضي إلى أن الولايات المتحدة كانت أكثر استعدادا من أي مكان آخر لمكافحة الأوبئة، فوفقا لبطاقة النتائج التي بنيت على منهجية منظمة الصحة العالمية، انصب الركيز على القدرات التقنية أكثر من العمليات الحكومية.
في الوقت الذي تشير فيه الأرقام الرسمية إلى أن الولايات المتحدة لديها أكبر عدد مسجل من الإصابات بفيروس كورونا وأكثرها فتكا، بسبب الاستجابة الأولية البطيئة وسوء إدارة الاختبارات وضعف التنسيق بين الولايات والحكومات الفيدرالية.
قد يهمكم: عام لإنتاجه وآخر لتوزيعه.. كيف سيتم تقاسم لقاح "كورونا" بشكل عادل حول العالم؟
حيث يمكن الحصول على أفضل المختبرات في العالم، وأفضل أنظمة وبرمجيات الإخطار بالأوبئة، ولكنها لا تشكل أهمية إذا لم تتوفر حوكمة مناسبة لاستخدامها.
حسابات الربح والخسارة والتردد باتخاذ القرارات الحكومية
أوضح تفشي الفيروس التاجي أنه حتى الدول التي كانت تعلم ما يجب عليها فعله، ولديها القدرة على التصرف، كانت ما تزال مترددة باتخاذ القرار.
فبريطانيا رفضت في البداية تقييد الحقوق المدنية بشكل كبير، وقاومت مجموعات الصناعة الإيطالية بشدة فكرة إغلاق لومباردي التي تعد أحد محركات اقتصاد البلاد والتي تحولت فيما بعد لبؤرة تفشي المرض في إيطاليا، كما اضطرت بعض الدول النامية مثل باكستان إلى الموازنة بين إبطاء انتشار المرض والعواقب الوخيمة لإغلاق المزارع ومواقع البناء حيث يعمل الفقراء.
ثقة الشعوب بحكوماتها
بحسب ما جاء في "الغارديان"، يتطلب التنفيذ الناجح لأي خطة حكومية التعاون والعمل الجماعي، ويتطلب العمل الجماعي ثقة الشعوب بحكوماتها، وقال المؤرخ السويدي الذي يدرس الثقة في المؤسسات، لارس ترغارده: "إذا كنت تثق في أن الحكومة تعمل من أجل مصلحتك، وتثق في المواطنين لاتباع القواعد، فلديك مساحة واعدة للعمل الجماعي.
ففي الأماكن التي كانت فيها الثقة بالحكومة ضعيفة، استخدمت الحكومة العنف والخوف لإخلاء الشوارع، كما حدث في جنوب إفريقيا، حيث استخدمت الشرطة السياط لفرض حظر تجوال وطني.
ويمكن أن تؤدي القيود المفروضة في المجتمعات قليلة الثقة بحكوماتها إلى حدوث رد فعل عنيف وعصيان مدني، وهو ماحدث في جنوب أوروبا ويحدث في في بعض الأماكن بالولايات المتحدة.
الاستعداد الطبي والاكتفاء الذاتي
شهدت المجتمعات تدافعا عالميا يائسا لتأمين معدات الحماية الشخصية واللوازم الطبية، واضطر بعض الأطباء والممرضين لاستخدام أكياس القمامة والأقنعة غير الطبية أثناء معالجة المرضى لعدم توفرها ببساطة في بعض دول العالم.
وقد قيدت العديد من الدول تصدير بعض الأدوية، وفرضت أكثر من اثني عشر دولة حظرا على بيع بعض المواد الغذائية في الخارج.
كما حذرت الأمم المتحدة من أنه في حالة استمرار الحجر الصحي، فقد تبدأ سلاسل الإمدادات الغذائية في التعطل في بعض الأماكن ابتداء من مايو.
التغلب على جائحة كوفيد-19 يحتاج للتعاون
أدركت الدول بعد انتشار سارس، أن تبادل المعلومات وتنسيق الاستجابات وتجميع الموارد مثل معدات الحماية والأدوية والاختبارات تشكل أساس التعاون الضروري لمواجهة الفيروس، لذا وضعت مجموعة من اللوائح الدولية لتنسيق التعاون خلال الأوبئة والأزمات ودخل حيز التنفيذ عام 2007.
إلا أن فيروس كورونا المستجد جاء في ظل انعدام شبه كلي للتعاون العالمي، حيث تم تجاهل هذه اللوائح تقريبا، ويقول خبراء الصحة العامة إن نقص التعاون أضعف استجابة العالم.