«لانسيت».. المجلة العلمية التي تسعى لاحتكار سوق المنشورات العلمية

قبل أيام تناولت وسائل الإعلام هذه الحقيقة المدهشة «ربع الفرنسيين يرفضون التطعيم ضد كوفيد 19»، وسيكون هذا الرفض أقوى بين السكان الذين يُحتمل أن يكونوا أكثر عرضة للأمراض المعدية. ونُشرت هذه الدراسة التي أجراها علماء فرنسيون في المجلة البريطانية «لانسيت»، ومن المؤكد أن أكبر تحول لهذه الدورية العلمية الشهيرة كان في 22 مايو، مع نشر دراسة حول الكلوروكين، بما في ذلك البيانات التي تم جمعها من 671 مستشفى، موزعة على ست قارات، ونحو 96 ألف مريض.

أكثر تأثيراً

أبرزت نتائج الدراسة المنشورة عدم فاعلية العلاجات القائمة على الكلوروكين، وهيدروكسي كلوروكين، ضد فيروس كورونا. وفي فرنسا أعاد نشر الدراسة في المجلة البريطانية المواجهة بين الطبيب الفرنسي ديدييه راؤول، المؤيد لهذه العلاجات، والمناهضين لها، ووصف الخبير الفرنسي هذه الدراسة بأنها «فوضوية»، واتهم القائمين على الدراسة بالتلاعب بالبيانات. ومع ذلك، قررت الحكومة الفرنسية، الأربعاء الماضي، إلغاء المرسوم الذي يصرح بهيدروكسي كلوروكوين لعلاج «كوفيد 19».

هذه هي القوة اللافتة لدورية «لانسيت» في عالم المنشورات العلمية، ويتم قياس النفوذ من خلال «عامل التأثير»، والمؤشر يقيس متوسط عدد المرات التي يتم الاستشهاد بكل مقالة تنشر في الدورية، وتأتي المجلة البريطانية في المرتبة الثانية خلف مجلة «نيو إنغلاند» الطبية.

وتم إطلاق «لانسيت» قبل 197 عاماً، وشهدت تطورات غير عادية عام 1991، عندما اشترى ريد إلسيفير المجلة، وهو أحد أكبر الناشرين العلميين في العالم، وقد حققت حجم مبيعات يزيد على 8.8 مليارات يورو عام 2019، بصافي ربح قدره 1.7 مليار.

احتكار القلة

يعرف المدير الحالي للمجلة ريتشارد هورتون سوق المنشورات العلمية جيداً، وتولى إدارة «لانسيت» عام 1995 عندما كان عمره 34 عاماً فقط. ويوضح هيرفي ميزونوف، وهو طبيب ومؤلف مدونة مخصصة للشأن الطبي، الأمر بالقول «أسهم ريتشارد هورتون في نمو مجلة لانسيت من خلال تنويع العرض التحريري، ليقدم اليوم نحو 15 عنواناً مرتبطاً بالعلامة التجارية».

وتنافس «لانسيت» اليوم ثلاثة لاعبين رئيسين في عالم الصحافة العلمية، هم مجلة «نيو إنغلاند جورنال أوف ميدسين»، و«المجلة الطبية البريطانية»، و«مجلة الجمعية الطبية الأميركية». وتحتكر هذه المنصات سوق المنشورات العلمية، وتستقطب مساهمات العلماء من جميع أنحاء العالم للنشر، وتزداد الفائدة إذ اختارت المجلات الرئيسة عدم السماح بالوصول المجاني إلى المنشورات المخصصة لأزمة «كوفيد 19».

موارد إضافية

قدم مؤلفو الدراسة عملهم للمحررين في مجلة «لانسيت»، ثم نقل هؤلاء بدورهم الدراسة إلى ما يسمى بالزملاء الخارجيين من أجل القيام بأعمال التدقيق والتحقق، وفقاً للمتخصص ميزونوف، موضحاً أنه «عادة تتطلب وظيفة المراجعة هذه ما بين ثلاثة وأربعة أسابيع من العمل، وبسبب الأزمة الصحية وتدفق الإنتاج العلمي استعان فريق تحرير مجلة لانسيت بموارد إضافية».

عملية مجهولة

تبقى عملية مراجعة «لانسيت» للدراسة مجهولة، في حين لا يعرف مؤلفو دراسة الكلوروكين كفاءة الأشخاص المسؤولين عن التحقق من تحليلاتهم، ثم يرسل هؤلاء الخبراء رأياً مفصلاً يصل إلى 15 صفحة إلى مؤلفي الدراسة، ويوضح ميزونوف، الذي أعاد قراءة دراسات هذه المجلات المرموقة، أن «هذه عناصر ملموسة للغاية».

ثم يتم إرسال ردود المؤلفين مرة أخرى إلى المراجعين، وتمتلك المجلة الكلمة الأخيرة لنشر الدراسة بعد إعادة كتابتها من أجل الالتزام بمعاييرها وأساليبها في الكتابة، ومع ذلك فإن «لانسيت» ليست مجرد رابط بسيط بين العلماء والقراء، بل هي وسيلة إعلام حقيقية لا تتردد في تمرير رسائل معينة من خلال مقالاتها وأعمالها الحصرية.

تغير الممارسات

لم تفلت «لانسيت» طوال تاريخها من الانتقاد، وكانت الفضيحة التي أثارتها مقالة نشرت عام 1998، أكدت وجود صلة بين لقاحات الحصبة والنكاف والحصبة الألمانية والتوحد، وقد ثبت عدم صحة هذه النظرية في نهاية المطاف، ولم يتم حذف المقالات إلا بعد مرور 12 عاماً.

وفي هذه الفترة من جائحة «كوفيد 19» حتى أكثر المجلات المرموقة قد غيرت بعض ممارساتها، وعادة ما تقبل «لانسيت» دراسات مبنية على تجارب بأسس علمية واضحة فقط، والتي تقدم أفضل مستوى من الأدلة، لأن هذه التجارب تقارن بين تجارب تختبر علاجاً جديداً وتجارب تتبع التوصيات القياسية، أو يتم خلالها تناول دواء وهمي.

إلى ذلك رفضت إدارة التحرير في المجلة التعليق على التساؤلات بشأن الدراسة الأخيرة، وتستقبل «لانسيت» هذه الأيام كماً هائلاً من الدراسات بشأن «كوفيد 19»، وتعمل على نشر الدراسات التي تتسم بـ«الموثوقية العالية»، وفقاً لإدارة التحرير فيها.

الأكثر مشاركة