الأحداث تكشف عن سلسلة أخطاء.. واتهامات بتواطؤ «الصحة العالمية» مع الصين (1-2)
منذ تأسيسها في عام 1948 وحتى العقد الأول من هذا القرن، كانت منظمة الصحة العالمية معروفة بشكل رئيس بهزيمة الجدري، ومكافحة شلل الأطفال والسل، وتقديم الدعم للبلدان التي تفتقر إلى البنية التحتية الصحية الكافية. ومع ذلك، تحت قيادة مارغريت تشان، التي عُينت في عام 2006، وخليفتها منذ عام 2017، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، شهدت المنظمة العديد من الفضائح والإخفاقات، بما في ذلك سوء تعاملها مع أنفلونزا الخنازير في 2009، وإيبولا في 2014، كما أنها متورطة في فضائح النفقات، ثم جاء الفيروس التاجي.
جسر الصين
تم انتخاب الدكتور تيدروس، كما هو معروف في الأوساط السياسية والصحية، الذي عمل سابقاً وزيراً للصحة في إثيوبيا، ثم وزيراً للخارجية، لرئاسة منظمة الصحة العالمية، بدعم صيني من وراء الكواليس، ما يعكس علاقة الصين الوثيقة بأديس أبابا، التي أصبحت جسر الصين إلى إفريقيا.
وعلى الرغم من أن مسؤولين في المنظمة واجهوا بعض الانتقادات، بسبب السماح بفرض استجابة المنظمة للفيروس التاجي، لإجراءات أملتها بكين، فإن معظم الغضب المناهض للمنظمة الدولية، ركز على تيدروس نفسه.
تأخرت الصين في مشاركة المعلومات المهمة، التي كان من الممكن أن تنقذ حياة الكثيرين، لمدة 10 أيام، بعد أن أكمل الأطباء الصينيون البحث. وعندما أعلنت الصين عن عدم وجود حالات جديدة للفيروس التاجي، بين الخامس من يناير و17 يناير ــ وهي الفترة التي نعرف الآن أن تفشي المرض في ووهان خلالها، كان على أوجه؛ واستناداً إلى المعلومات التي تلقتها الصحة العالمية ــ من الصين، أكدت المنظمة للعالم، في 12 يناير، أنه «لا يوجد دليل واضح على انتقال العدوى من شخص إلى آخر». وفي الواقع، خلص طبيب صيني، بالفعل، إلى أن المرض الجديد «ربما يكون معدياً»، في الـ27 من ديسمبر.
اتهامات بالتواطؤ
هل كانت منظمة الصحة العالمية متواطئة في الخداع الصيني أم أنها مجرد مصادفة؟
فقط التحقيق الموعود و«النزيه والمستقل»، بتكليف من مجلس إدارة منظمة الصحة العالمية، لممثلي الدول الأعضاء، في المنظمة، يمكن أن يؤكد ذلك، ولكن بالنظر إلى تأثير الصين على المنظمة، واعتماد التحقيق على الأدلة التي قدمتها بكين، فقد لا يلقي التحقيق الكثير من الضوء على هذه المسألة.
ويشير الكثير من الأدلة الظرفية المحيطة باستجابة منظمة الصحة للفيروس التاجي المستجد إلى التواطؤ، ويبدو أن هذا التواطؤ قد جاء من تيدروس نفسه.
مباشرة بعد التقارير الأولى في 31 ديسمبر، التي تفيد بأن هناك خطباً ما، في ووهان وهونغ كونغ وتايوان، بدأ فحص درجات الحرارة في قاعات الوصول إلى المطار، وتم تنبيه المستشفيات الصينية إلى الانتباه لأمراض الجهاز التنفسي الحادة. وحذت سنغافورة حذو الصين في الثالث من يناير. ولكن في الخامس من يناير، طمأنت منظمة الصحة العالم بأن مثل هذه الاحتياطات كانت رد فعل مبالغاً فيه. وفي إعلان سيعتمد عليه العديد من البلدان لاتخاذ قرار بشأن استجاباتها الأولية للصحة العامة، أصرّت المنظمة على أنه «لم يكن هناك دليل على انتقال كبير للفيروس من إنسان إلى آخر، ولم يتم الإبلاغ عن أي إصابات للعاملين في مجال الرعاية الصحية».
تقليل الخطر
سواء كان ذلك مجرد إهمال من قبل منظمة الصحة في الحصول على المعلومات، أو أنها علمت بالأمر، لكنها لم ترد أن تثير استياء الصينيين، من خلال الإعلان عنها للعالم، فسيكون الأمر متروكاً للتحقيق لمعرفة ذلك، ولكن المنظمة كانت تعلم، بالفعل، في هذه المرحلة أن مستشفيات ووهان تعزل المرضى، وأن الأطباء الصينيين يتخذون احتياطات كاملة ضد العدوى المحتملة.
عندما أجرى فريق منظمة الصحة، في نهاية الأمر، زيارات ميدانية لمدينة ووهان يومي 20 و21 يناير، وجدوا أن ما لا يقل عن 16 عاملاً، في الرعاية الصحية أصيبوا بفيروس «كورونا» المستجد. ولم يتم الإبلاغ عن الحالات، في ذلك الوقت، وأحدهم كان الطبيب المُبلغ، لي ون ليانغ، الذي توفي في وقت لاحق، بسبب المرض.
لو كان تيدروس يتابع الأخبار على «بي بي سي» لكان قد عرف في وقت مبكر منذ الثالث من يناير أن السلطات الصينية عاقبت ثمانية أطباء بسبب «نشر أو إرسال معلومات كاذبة على الإنترنت دون التحقق». وتضمنت هذه المعلومات الكاذبة المفترضة، كما وصفتها هيئة الإذاعة البريطانية، تحذيرات على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، من أن الالتهاب الرئوي الناشئ، يشبه تفشي مرض سارس في 2002-2003. وإضافة إلى وصف «المرض الجديد»، فإن عقوبة الأطباء على تبادل المعلومات كانت يجب أن تدق ناقوس الخطر، في منظمة الصحة العالمية، بشأن الشفافية الصينية. وبدلاً من ذلك، مر تقرير «بي بي سي» دون أن يلاحظه أحد.
اعتراف متأخر
في 22 يناير، اعترفت المراكز الصينية للسيطرة على الأمراض، أخيراً، بأن الفيروس التاجي الجديد «معدٍ للغاية»، على الرغم من أنها حافظت، مرة أخرى على تقليل الخطر، إذ أكدت أنه ليس بالسمية نفسها مثل سارس. وبحلول ذلك الوقت، كان قد انتشر بالفعل من مقاطعة هوبي، إلى 12 منطقة صينية أخرى، إضافة إلى اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند. وكانت تلك، فقط، الحالات المؤكدة التي تم إبلاغ منظمة الصحة عنها. وبحلول 24 يناير، تم الإبلاغ عن ذلك، أيضاً، في هونغ كونغ، وماكاو، وفيتنام، وسنغافورة، والولايات المتحدة، ولكن في ذلك اليوم نفسه، أعادت المنظمة تأكيد نصيحتها ضد «تطبيق أي قيود على حركة التنقل الدولية».
الغريب أنه على الرغم من أن منظمة الصحة العالمية أوصت الصين «بإجراء فحص الخروج في المطارات والموانئ الدولية في المناطق المتضررة»، إلا أنها لم توص بفحص دخول في البلدان الأخرى، التي تستقبل الركاب من الصين. وأوصت بفحوص درجة الحرارة عند المغادرة من الصين، لكنها ظلت غامضة، بشكل غريب، بشأن فحوص الدخول، محذرة من أنها «قد لا تكشف المسافرين الذين يحتضنون المرض، أو المسافرين الذين لا تظهر عليهم أعراض الحمى، أثناء السفر، وقد يتطلب الأمر استثمارات كبيرة». ومع ذلك، اعترفت منظمة الصحة بأن «معظم الحالات المصدرة تم الكشف عنها من خلال فحص الدخول». وفي قراءة بين السطور، كانت رسالة المنظمة: «لا تفعل أي شيء. دع الصين تتعامل مع هذا الأمر».
وقد استقبلت هذه الرسالة دول أخرى، وعلى سبيل المثال، أشار كبير الأطباء في أستراليا، بريندان ميرفي، بشكل صريح إلى مشورة منظمة الصحة العالمية، عندما خلص إلى أن من الأفضل عدم «حظر الرحلات الجوية المباشرة من الصين». وفي الولايات المتحدة، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» مقالاً تنتقد فيه الولايات المتحدة ودول أخرى، لتقويض التعاون الصحي العالمي.
يشير الكثير من الأدلة الظرفية المحيطة باستجابة منظمة الصحة للفيروس التاجي المستجد إلى التواطؤ، ويبدو أن هذا التواطؤ قد جاء من تيدروس نفسه.
لو كان تيدروس يتابع الأخبار على «بي بي سي» لكان قد عرف في وقت مبكر منذ الثالث من يناير أن السلطات الصينية عاقبت ثمانية أطباء بسبب «نشر أو إرسال معلومات كاذبة على الإنترنت دون التحقق». وتضمنت هذه المعلومات الكاذبة المفترضة، كما وصفتها هيئة الإذاعة البريطانية، تحذيرات على وسائل التواصل الاجتماعي الصينية، من أن الالتهاب الرئوي الناشئ يشبه تفشي مرض سارس في 2002-2003.
16
عاملاً في الرعاية الصحية أصيبوا بـ«كورونا»، عندما أجرى فريق منظمة الصحة زيارات ميدانية لمدينة ووهان يومي 20 و21 يناير.
12
منطقة صينية أخرى انتشر فيها الوباء بحلول 22 يناير.