كوريا الشمالية لن تنزع أسلحتها النووية لأنها ضمان بقائها
يعتقد محللون أن كوريا الشمالية لن توافق على نزع أسلحتها النووية، لأنها تمثل لها النفوذ، وتضمن لها البقاء على قيد الحياة، والتعامل مع المجتمع الدولي، حتى إنها رفضت عرض الصين بنزع أسلحتها وضمها إلى مظلتها النووية، لأنها لا تثق ببكين.
عندما التقى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، والرئيس الصيني، شي جين بينغ، للمرة الأولى في مارس 2018، كانت الموضوعات الرسمية المتوقعة للنقاش هي: السلام، ونزع السلاح النووي، والصناعة، والتنمية الاقتصادية، وتعميق العلاقات بين كوريا الشمالية والصين، وهذا ليس مفاجئاً لدولتين متحالفتين منذ عقود.
لكن هذه العلاقة متوترة أكثر بكثير مما يشير إليه ظاهر الأمر، فكوريا الشمالية سعيدة بوجود بكين إلى جانبها، لكنها لن تكون أبداً على استعداد لوضع مصيرها الأمني في أيدي الصين، ولذلك فهي لن تغامر بنزع سلاحها النووي، كما تطلب منها الصين ذلك. استطاعت الولايات المتحدة في الماضي الضغط على حلفائها، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، لإثنائهما عن السعي للحصول على برامج نووية، وذلك بفضل عرضها تقديم الحماية لهما، سواء كانت من خلال ضمانات غامضة لتايوان، أو ضمهما رسمياً تحت مظلتها النووية التي عرضتها على اليابان وغيرها، وهذا يجعل فكرة وجود مظلة نووية صينية على كوريا الشمالية، وسيلة جذابة ومشروعة لنزع السلاح النووي، لكن من غير المتوقع أن توافق عليها بيونغ يانغ أبداً.
قبل أن تصبح تهديداً نووياً، كانت محاولات تقاربها من الولايات المتحدة لا تجد إجابة في الغالب، لأنه كان من الصعب عليها التعامل مع قوة عظمى عالمية لها مصالح في شبه الجزيرة الكورية، وسمحت لها الأسلحة النووية في ما بعد بالتعامل مع القوات العسكرية التقليدية الساحقة للولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، كما ساعدتها على التعامل على قدم المساواة مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية والصين واليابان وروسيا.
جذور أيديولوجية
تشترك الصين وكوريا الشمالية في الجذور الأيديولوجية، فقد أرست بكين أساس هذا التحالف الدائم بين البلدين عندما كانت كوريا الشمالية في حاجة إلى المساعدة أثناء الحرب الكورية، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين تحالف كوريا الشمالية والصين، وتحالفات الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان، ما يجعل من المستبعد للغاية إنشاء مظلة نووية صينية لتغطي كوريا الشمالية، وقد يتعارض أي عرض من الصين في هذا القبيل بشكل مباشر مع ثلاثة اهتمامات تتجذر في عمق صناعة سياستها: الالتزام بأيديولوجية الاعتماد على الذات، أو ما يطلق عليه في اللغة الكورية «جوشي»، والتوأمة الاقتصادية مع الصين، والحفاظ على النفوذ النووي.
واتخذ مؤسس كوريا الشمالية، كيم إيل سونغ، مبدأ «الاعتماد على النفس» كمبدأ إرشادي في الحياة الكورية الشمالية، ولصناعة السياسات لمواجهة البيئة الجيوسياسية المتقلبة في البلاد في أوائل الستينات. وزاد نجله كيم جونغ إيل، والد الرئيس الحالي، كيم جونغ أون، من تفعيل أيديولوجية الاعتماد على الذات، ما يضمن استمرارها كمفهوم مركزي. وتؤكد هذه الأيديولوجية أن كوريا الشمالية تتمسك بالاستقلال، والاعتماد على الذات في صنع السياسة الداخلية والخارجية، والتنمية الاقتصادية، والدفاع العسكري.
الاعتماد على الذات
ورأى قادة كوريا الشمالية أن الاستقلال والاعتماد على الذات مهمان بشكل متزايد، لأن علاقاتهم غير المتكافئة مع الحلفاء ظلت غير متسقة. فعندما اعتمدت البلاد هذه الأيديولوجية، كانت كوريا الشمالية على خلاف مع الاتحاد السوفييتي والصين. وفي الوقت نفسه، كانت تعتمد بشكل كبير على المساعدات الصينية والسوفييتية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والأمن القومي، وكان هذا مقلقاً لصانعي السياسة، الذين ظلوا يتساءلون: كيف يمكن أن تحافظ كوريا الشمالية على سيادتها بينما تعتمد اقتصادياً وعسكرياً على من لديهم مصالح متعارضة معها؟
تاريخياً، اهتمت الإمبراطوريات الصينية بشكل متكرر بالأراضي الكورية. كما اصطدمت مصالح الصين الحديثة بشكل مباشر مع مصالح كوريا الشمالية في مناسبات مختلفة، ما كان له عواقب وخيمة على العلاقات الثنائية. وتولت الصين قيادة العمليات خلال الحرب الكورية، ما زاد التوترات بين الضباط العسكريين في كوريا الشمالية والصين، وهددت الصين بعمل عسكري ضد كوريا الشمالية خلال الثورة الثقافية، وأعادت الصين تفسير معاهدة الدفاع المشترك مع كوريا الشمالية، لإعفاء نفسها من مسؤولية الدفاع عن جارتها إذا هاجمت كوريا الشمالية أولاً، وأيدت الصين فرض عقوبات على كوريا الشمالية.
الصين ليست مستثناة من مخاوف كوريا الشمالية بشأن أيديولوجية الاعتماد على الذات، بل هي أحد الأسباب الرئيسة لاتباع هذه السياسة، لأن بيونغ يانغ تخشى من حلفاء متقلبين مثل الصين أكثر من خصوم واضحين.
عقبة
حتى العلاقة الاقتصادية القوية لكوريا الشمالية مع الصين تمثل، للمفارقة، عقبة أخرى أمام مظلة نووية صينية. تريد كوريا الشمالية إعادة ترتيب أولويات التنمية الاقتصادية من خلال سياستها الاقتصادية، التي تطلق عليها اسم «النمو الموازي»، والتي تحفظ توازن التنمية العسكرية والاقتصادية. وتصب زيارة كيم جونغ أون لمنطقة التنمية الاقتصادية والتكنولوجية في بكين في يناير 2019 في هذه الفكرة. وأظهرت كوريا الشمالية في الآونة الأخيرة بالفعل ميلاً نحو مناطق التنمية الاقتصادية، التي تعد عنصراً رئيساً في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ويأتي هذا الاهتمام بعد أن اشتكى مسؤولو الحكومة الصينية في السر من عدم رغبة كوريا الشمالية في اتباع نظامهم في إصلاحات السوق، لذلك رحّبت بكين بهذه الخطوات.
علاوة على ذلك، تقدر مصادر اقتصادية أن الصين في عام 2018 استقبلت 62.5٪ من صادرات كوريا الشمالية، و95.7٪ من وارداتها، ما يجعل الصين الشريك التجاري الأول للبلاد. وتواصل الصين دعم الاقتصاد الكوري الشمالي على الرغم من العقوبات، ودعت إلى خفض العقوبات الاقتصادية وسط محادثات نزع السلاح النووي.
الاستقلال الأمني
ومع ذلك، فإن العلاقة الاقتصادية القوية لا تعني رغبة أو مرونة كوريا الشمالية تجاه قبول علاقة أمنية أقوى مع الصين، بل على العكس تماماً، فإصرار بيونغ يانغ على اعتمادها الاقتصادي يجعلها أكثر حرصاً على الحفاظ على استقلالها الأمني. ويأتي الاعتماد الاقتصادي لكوريا الشمالية على الصين كضرورة بسبب العقوبات التي تمنع تطوير علاقات اقتصادية واسعة النطاق مع دول أخرى. ويؤدي غياب مصادر لتنويع التجارة في كوريا الشمالية إلى زيادة ضعفها الاقتصادي، وتعرضها للتدخل الصيني في شؤونها الداخلية. ويعتبر تأثير جائحة «كوفيد-19» على الاقتصاد الكوري الشمالي مثالاً قوياً على هذا الضعف، فقد أغلقت كوريا الشمالية حدودها مع الصين في يناير بسبب تفشي الوباء، ما أدى إلى انخفاض حجم التجارة مع الصين بنسبة 91.3% في مارس على أساس سنوي، حيث تسبب ذلك في عدم استقرار الأسعار، وعدم توافر المواد الغذائية الأساسية.
دولة ذات سيادة
تريد كوريا الشمالية أن تصبح دولة مستقلة ذات سيادة، تتمتع بالاستقلالية الكاملة في تحقيق مصالحها الأمنية الوطنية، وبالشكل الذي تراه مناسباً. وتلعب الأسلحة النووية دوراً مهماً في تعامل كوريا الشمالية مع المجتمع الدولي، وفي تلبية رغبتها في الحصول على اعتراف دولي.
وعلى الرغم من العقوبات والعزلة، نجحت كوريا الشمالية بشكل مفاجئ في الاستفادة من أسلحتها النووية لتحقيق أهداف سياسية محلية ودولية. ففي التسعينات، استفادت كوريا الشمالية من برنامج أسلحتها النووية للحصول على الغذاء والطاقة والمساعدات الاقتصادية من الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان والصين. وجاء ذلك في وقت كانت فيه كوريا الشمالية في حالة تدهور اقتصادي حاد، وتواجه مجاعة شديدة.
وعلى الصعيد المحلي، تعد الأسلحة النووية قوة لإضفاء الشرعية، وتحقيق الاستقرار لنظام كيم جونغ أون. ويعتبر الجيش الشعبي الكوري الذراع العسكرية لحكومة كوريا الشمالية، وأحد أقوى مؤسساتها. كما أن سياسة كوريا الشمالية، المتمثلة في «الجيش أولاً»، تجيء لتعزيز العزم الوطني، وضمان قدرة كوريا الشمالية على مواجهة خصومها العسكريين، كما أن التطوير الناجح للأسلحة النووية، تحت قيادة كيم جونغ أون، هو تتويج لسياسة «الجيش أولاً» التي صنعها والده كيم جونغ إيل، وهذا يضفي الشرعية على نظام كيم من خلال إظهار لاعبين سياسيين محليين، مثل الجيش الشعبي الكوري، الذي تميز بتضحيات وطنية طويلة الأمد. ولا تريد كوريا الشمالية أن تكون آمنة فقط، بل آمنة بشروطها الخاصة، ولن تقبل أبداً مبادلة نفوذها المتمثل في أسلحتها النووية بالملاذ غير المؤكد للعرض صيني.
تشترك الصين وكوريا الشمالية في الجذور الأيديولوجية، فقد أرست بكين أساس هذا التحالف الدائم بين البلدين، عندما كانت كوريا الشمالية في حاجة إلى المساعدة أثناء الحرب الكورية، إلا أن هناك اختلافات جوهرية بين تحالف كوريا الشمالية والصين، وتحالفات الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية واليابان، ما يجعل من المستبعد للغاية إنشاء مظلة نووية صينية لتغطي كوريا الشمالية.
الصين ليست مستثناة من مخاوف كوريا الشمالية بشأن أيديولوجية الاعتماد على الذات، بل هي أحد الأسباب الرئيسة لاتباع هذه السياسة، لأن بيونغ يانغ تخشى من حلفاء متقلبين مثل الصين أكثر من خصوم واضحين.